في تكريس لحالة الانقسام المالي والاقتصادي انعكاساً لحال الانقسام السياسي الذي تعانيه البلاد أعلن البنك المركزي الخاضع لسيطرة ميليشيات الحوثي بصنعاء، أمس السبت، سك عملة معدنية جديدة فئة 100 ريال، قال إنها تأتي لمواجهة نقص السيولة النقدية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في أول إجراء من نوعه منذ سيطرتهم على العاصمة اليمنية في عام 2014.
وفي مؤتمر صحافي عقده حامل صفة "محافظ البنك المركزي" الخاضع لسلطة صنعاء هاشم إسماعيل أرجع إجراءهم سك العملة المعدنية إلى ما سماها "حلول مواجهة مشكلة العملة التالفة"، في حين حذرت الحكومة الشرعية من عواقب هذا الإجراء واعتبرته "تصعيداً خطراً وعملة مزورة كونها صادرة من كيان غير قانوني".
وقال المسؤول الحوثي إن العملة التي سيبدأ تداولها، اليوم الأحد، "لن تؤثر في أسعار الصرف كونها بديلاً عن التالف"، في حين يحذر متخصصون من هذه الخطوة على الاقتصاد الوطني المنهار في الأصل.
وتعاني المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي ندرة غير مسبوقة للعملة الوطنية المتعامل بها في تلك المناطق وتلف المتداول منها ضمن تداعيات قرار منع الميليشيات تداول العملة الوطنية الصادرة عن البنك المركزي في عدن المعترف به دولياً ورفضها عزل المؤسسات المالية والتداول النقدي عن الصراع الذي أشعلته.
وفي أول رد فعل حكومي اعتبر البنك المركزي، التابع للحكومة الشرعية، أن سك ميليشيات الحوثي عملة معدنية فئة 100 ريال يعد تصعيداً خطراً، وحذر من تداولها كونها "عملة مزورة".
حق قانوني
وحذر البنك المركزي اليمني في العاصمة الموقتة عدن في بيان وصل "اندبندنت عربية"، "كل الجهات والمؤسسات والأفراد من تداول أي عملة صادرة من فرع البنك في صنعاء المستولى عليه من قبل ميليشيات الحوثي الإرهابية".
وقال إن "البنك المركزي في عدن تابع إعلان ميليشيات الحوثي الإرهابية المستولية على فرع البنك المركزي بصنعاء إعلانها سك عملة معدنية فئة 100 ريال وإعلان طرحها للتداول بدلاً من العملة القانونية فئة الـ100 ريال الورقية".
وأكد "رفض البنك هذا الفعل التصعيدي الخطر وغير القانوني الذي لا يأخذ بعين الاعتبار بأي صورة من الصور مصالح المواطنين"، مؤكداً أن "هذه العملة تعد مزورة كونها صادرة من كيان غير قانوني".
أما الرد الإجرائي فتوعد المركزي اليمني بمحاسبة الجهات الحوثية المسؤولة عن هذه العملية، مؤكداً "احتفاظ البنك المركزي اليمني بحقه القانوني في اتخاذ الإجراءات القانونية الاحترازية لحماية الأصول المالية للمواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية".
وحمل البيان الحوثيين "تبعات هذا التصعيد غير المسؤول وما يترتب عليه من تعقيد وإرباك في تعاملات المواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية داخلياً وخارجياً".
وسبق للبنك المركزي اليمني في العاصمة الموقتة عدن، أن حذر الخميس، من التعامل مع خطط ونوايا فرع البنك في صنعاء الخاضع لميليشيات الحوثي لاستصدار عملة مزورة، متوعداً المؤسسات التي ستقبل بها بإجراءات صارمة باعتبار ذلك إجراء غير قانوني.
وعلى مدى الساعات الماضية أطلق أكاديميون ومتخصصون من الإجراءات الحوثية طباعة فئات جديدة من النقود المعدنية دون التنسيق مع المركز الرئيس للبنك في العاصمة الموقتة عدن، واعتبروا هذه الخطوة "خطأً استراتيجياً سيزيد من تدهور العملة المحلية".
الدفاع عن النظام المالي
في قراءة لمآلات هذه الخطوة يقول المدير العام لبنك "كاك بنك" بمحافظة مأرب محمد مثنى إن طباعة عملة جديدة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية سيؤدي إلى تعقيدات اقتصادية ومالية متعددة في البلاد ويؤثر سلباً في النشاط المصرفي واستقرار العملة، إضافة إلى "مزيد من تدهور قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأخرى".
من ضمن الانعكاسات الأخرى يتوقع مثنى خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن هذا الأمر "سيعقد المعاملات التجارية والمالية ويقوض الثقة في النظام المالي في البلاد لأنه قانونياً سينظر إلى طباعة عملة من قبل جهة غير معترف بها دولياً كإجراء غير قانوني، وقد يؤدي إلى إجراءات قانونية ضد المؤسسات المالية أو الأفراد الذين يتعاملون بهذه العملة".
وأشار إلى أن الكرة في ملعب البنك المركزي عدن الذي يفترض أن يكون حائط الصد للدفاع عن النظام المالي والاقتصادي في البلد، ويجب على الجميع دعم أي قرارات للبنك تحد من هذه الأمور".
مسمار النعش
وتوالت التحذيرات التي أطلقها خبراء من بينهم المتخصص في الشأن الاقتصادي في جامعة صنعاء مطهر العباسي الذي قال إن "طباعة عملة جديدة تمثل مسماراً أخيراً في نعش الاقتصاد الموحد للبلاد، فضلاً عن تعميقها حالة الانقسام الاقتصادي".
وأضاف أن طباعة العملة ستدخل سعر الصرف في سباق ماراثوني مع سعر صرف الريال في عدن، وقد يصل كل منهما إلى 2000 أو 3000 ريال للدولار، وربما أكثر من ذلك.
وأشار إلى أن هناك تبعات عديدة على المواطن كاشتعال أسعار السلع والخدمات وارتفاع معدل التضخم إلى مستويات قياسية، مما سيؤثر سلباً في مستوى معيشة الناس، وبخاصة الفئات الفقيرة وأصحاب الدخل المحدود وانتشار حالة عدم اليقين والهلع لدى الشركات والمؤسسات التجارية المتعاملة بالريال مما ينعكس سلباً على قراراتهم التجارية والاستثمارية".
يشير العباسي إلى أن معالجة ندرة السيولة أو استبدال التالف في مناطق سيطرة الحوثيين هو "أمر في متناول يد البنك المركزي في صنعاء، ويمكن معالجة ذلك بجرة قلم، وهو أن يصدر تعميماً لرفع الحظر عن استخدام العملة الجديدة الصادرة عن بنك مركزي عدن، وبخاصة فئات 100 و200 ريال لمعالجة مشكلة التالف من هذه الفئات، أو الفئات ذات الطبعة العريضة من فئة 500 و1000 ريال كأولوية عاجلة".
ويعاني اليمن من انقسام مالي واقتصادي بفعل الانقلاب الحوثي على الدولة والسيطرة على القطاع النقدي والمصرفي بما فيه البنك المركزي للبلاد والتعامل بنهبه ونهب الاحتياط النقدي، وهو ما دفع الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً إلى نقل البنك المركزي إلى العاصمة في عام 2016 مع فصل بنك صنعاء عن التعامل الدولي لتنتهج الجماعة المدعومة من إيران سياسات تخالف التي تتخذها الحكومة في عدن.
كيان غير شرعي
ويأتي الإعلان الحوثي عقب يومين من تحذير الحكومة اليمنية من طباعة الحوثيين عملة "غير مشروعة".
وجاء هذا التحذير خلال اجتماع عقده مجلس إدارة البنك المركزي اليمني في عدن، الخميس، حذر خلاله كافة المواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية والقطاعات التجارية من التعامل أو القبول بعملة مزورة وإحلالها محل عملة قانونية باعتبار ذلك إجراءً غير قانوني ينفذ بواسطة كيان غير شرعي.
ووصف الإجراء بـ"أداة لنهب الأصول المالية للمؤسسات المالية والمصرفية والتجارية والمواطنين بواسطة وسيلة تبادل مزورة وغير قانونية".
وأكد البنك المركزي اليمني في حينه أنه "سيمارس حقه القانوني باتخاذ جميع الإجراءات التي تضمن حماية العملة الوطنية ومدخرات المواطنين والنظام المصرفي والنشاط الاقتصادي من الآثار المدمرة لأي إجراء غير مسؤول".
ويسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء ومعظم محافظات الشمال اليمني منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
ويعاني السكان في مناطق الحوثيين جراء تداول عملة تالفة بسبب منع الجماعة تداول الطبعات الجديدة للعملة التي أصدرتها الحكومة اليمنية خلال السنوات الماضية.
(اندبندنت عربية)