فرضت أزمة السيولة الخانقة التي يشهدها اليمن حصاراً شديداً وقيوداً كبيرة على الأسواق المحلية بالتزامن مع تدهور اقتصادي ومعيشي يطاول جميع سكان البلاد خصوصاً بمناطق نفوذ الحوثيين التي تتركز فيها هذه الأزمة المتزامنة مع قرارات نقدية مفاجئة.
وذلك مع استمرار تهاوي سعر صرف الريال اليمني الذي يقترب من حاجز 1700 ريال مقابل الدولار الأميركي وتسجيل رقم قياسي جديد في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً.
وتلقي أزمة السيولة الخانقة التي زادت بشكل كبير منذ نهاية مارس/ آذار بتبعات اقتصادية واسعة في اليمن مع تذمر القطاع المصرفي من القرارات الصادرة من قبل طرفي الصراع خلال الفترة الماضية والتي اعتبروها صادمة وتفاقم وضعية البنوك اليمنية وسط مطالبات واسعة بتحييدها عن الصراع الدائر.
ويأتي ذلك بعد فترة هدوء انتظر فيها الجميع في البلاد حل مشكلة الانقسام الحاصل بين المؤسسات النقدية والذي أدى إلى انهيار العملة المحلية وتجزئتها، مع بروز نظامين مختلفين للتداول في سوق الصرف بين مناطق الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين.
وتشير مصادر عديدة مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إلى محاولات تبذلها أطراف الوساطة الخارجية الساعية لتهدئة الأوضاع وتضييق الفجوة بين الفرقاء للتوافق على بدء تنفيذ خريطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الأممي إلى اليمن نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي 2023.
الباحث المصرفي، نشوان سلام، يشدد في حديث لـ"العربي الجديد"، على خطورة أزمة السيولة الخانقة التي يمر بها اليمن خلال الفترة الماضية في مناطق عديدة معظمها تحت سيطرة الحوثيين، حيث تعاني من تقادم وانتهاء الأوراق النقدية التالفة، وامتدادها إلى فئتي خمسمائة وألف ريال.
يلاحظ "العربي الجديد"، في هذا الجانب شحا نقديا واسعا من الأوراق النقدية فئة 500 ريال في صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين، وبدء تشكّل أزمة متصاعدة في الأسواق نتيجة تلف أهم أوراق نقدية كانت تحل جزءا من المشكلة المتفاقمة الناتجة عن تداول أوراق نقدية تالفة والتي بدأت بالاختفاء ومعظمها من الفئات الصغيرة.
وحسب الباحث المصرفي، فإن بنك صنعاء يعمل منذ نحو شهرين على سحب طبعات قديمة بيضاء من الدولار تسببت بأزمة نقدية كبيرة طوال الأعوام القليلة الماضية حيث كان يتم تداولها بسعر صرف مختلف عن الأوراق الزرقاء طبعة 2013، كما كانت هي الأخرى تالفة ومتقادمة ومتهالكة مما أدى إلى رفضها من قبل شركات ومؤسسات الصرافة أو صرفها بسعر منخفض مقارنة بالأوراق النقدية الأخرى من الدولار.
ويرجح مصرفيون وخبراء اقتصاد، أن تكون القرارات الأخيرة الصادرة عن سلطة صنعاء ناتجة عن أزمة كبيرة تواجهها بسبب شح السيولة من الأوراق النقدية المحلية، إذ تعتقد أن الأوراق النقدية الأكثر تدفقاً من خلال تحويلات المغتربين والمعاملات التجارية وغيرها مثل الريال السعودي قد تحل جزءا من هذه الأزمة، خصوصاً أن هناك أزمة أخرى تواجهها ناتجة عن تبعات قرار تصنيف الحوثيين على قائمة الإرهاب من قبل وزارة الخارجية الأميركية في فبراير/شباط 2024.
من جانبه، يرى المصرفي اليمني علي التويتي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الكارثة قد تحل على اليمن في حال استمر هذا الصراع الذي يهدد بقاء المصارف والقطاعات التجارية في ظل التحديات الكبيرة المستجدة أخيراً والتي قد تتسبب في انهيار خطوط الإمداد السلعي إذ يعتمد اليمن على الاستيراد لتلبية جميع احتياجاته.
وتعتبر الحكومة المعترف بها دولياً في عدن أن سياسة وقرارات الحوثيين الأخيرة استفزازية ومدمرة للاقتصاد والعملة الوطنية، إذ يرفضون أي حلول مطروحة لحل الانقسام وتوحيد العملة التي عملوا على تجزئتها من خلال رفضهم قبول تداول الأوراق النقدية المطبوعة وقيامهم بإجراء تدميري غير مسؤول بضخ العملة الورقية التالفة التي كانت مكدسة في البنك المركزي بصنعاء قبل استيلائهم عليه عند دخولهم صنعاء وانقلابهم على المؤسسات الدستورية ولفتت الحكومة إلى استهدافهم، خلال الفترة الماضية، موانئ التصدير في حضرموت وشبوة وتوقف تصدير النفط الخام.
كما تعتبر الحكومة اليمنية توجه الحوثيين لضخ عملة مطبوعة أداة لنهب الأصول المالية للمؤسسات المالية والمصرفية والتجارية والمواطنين عبر وسيلة تبادل تؤكد أنها "مزورة" وغير قانونية، علاوة على الجبايات الظالمة المتعددة وغير القانونية التي يتم تحصيلها بالقوة في ظل منع المرتبات وانعدام الخدمات.
وأدى الصراع في اليمن إلى الاتجاه نحو اقتصاد مزدوج بحكم الأمر الواقع، حيث تعمل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين كاقتصادات وطنية منفصلة. يتجلى هذا الانقسام بشكل واضح في انقسام سعر الصرف واستفحال أزمة السيولة في مناطق الحكومة والحوثيين، كما تسبب هذا الانقسام في انهيار قيمة العملة المحلية.
بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي ياسين القاضي، لـ"العربي الجديد"، أن الحل لكل هذه الأزمات التي تلقي بظلال قاتمة على معيشة اليمنيين يقضي بإعادة توحيد المؤسسة النقدية العامة المتمثلة في البنك المركزي اليمني وتحييد عمله بإشراف دولي بحيث يعمل على فرض سياسة موحدة للتداول النقدي وتكوين احتياطي من العملات الأجنبية بمساعدة الأمم المتحدة والدول المانحة، وصولاً إلى حل مشكلة السيولة وتوحيد العملة الوطنية المجزأة.
(العربي الجديد)