مع حلول فصل الصيف من كل عام، تتجدد معاناة اليمنيين في المحافظات الساحلية الحارّة، مع التردّي المتواصل لخدمات الكهرباء، وسط اتهامات باستخدام الأزمة لأهداف سياسية.
يأتي ذلك على وقع تظاهرات شعبية يتوقع أن تتزايد رقعتها، حيث تنذر هذه الأزمة بتكرار سيناريو عام 2021، عندما اقتحم محتجون غاضبون مقر إقامة الحكومة في القصر الرئاسي بالعاصمة المؤقتة عدن.
ومنذ مطلع الأسبوع الجاري، استهلت خدمة الكهرباء فصل الصيف، بانقطاعات قياسية في عدن، تجاوزت 20 ساعة بشكل متواصل، قبل أن تنخفض مؤخرًا إلى أكثر من 6 ساعات، مقابل عودتها لمدة ساعتين فقط.
ويأتي ذلك بسبب عدم توفر وقود تشغيل محطات توليد التيار الكهربائي، وهو ما يعطي انطباعًا عن حجم المعاناة المتوقعة في هذا العام.
دعوة للصبر
وقال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، مساء أمس الأربعاء، إن ملف الكهرباء لم يُدر بطريقة صحيحة سابقا، إذ أنفقت الحكومة العام الماضي مبالغ طائلة في قطاع الكهرباء، "ولو تم ذلك بطريقة سليمة لأصبح لدينا محطات استراتيجية".
وذكر بن مبارك، في حوار تلفزيوني على "الفضائية اليمنية" الرسمية، أنه يجب وقف النزيف والبحث عن معالجات وحلول دائمة لقطاع الكهرباء، على المديين المتوسط والاستراتيجي.
ودعا المواطنين إلى الصبر حتى يتم ضبط هذه المسألة، "وألا يسمحوا باستخدام معاناتهم وألا يصبحوا وقودًا للضغط عليّ للإبقاء على الحلول الجزئية، وأنا أعرف أنني سأواجه موجات شعبية واتهامات، لكننا عازمون على إصلاح هذا الملف".
وشهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن ومحافظة حضرموت النفطية، على مدى الأيام الماضية، احتجاجات شعبية غاضبة، أغلقت خلالها شوارع المحافظتين الحيويتين، بالإطارات المشتعلة والأحجار والمخلفات، تنديدًا باستمرار المعاناة المتكررة سنويًا دون معالجات وحلول ناجعة لهذا القطاع، في مشهد قد يبدو مرشحًا للتصاعد ضد الحكومة، مع طول أمد الأزمة.
عجز حكومي
يقول الخبير الاقتصادي، ماجد الداعري، إنه في ظل انهيار المنظومة الاقتصادية بشكل عام، وتدهور الحياة المعيشية وتوقف تصدير الدولة للنفط والغاز، وآثار الحرب وتداعياتها التي أحدثت أضرارًا في مختلف نواحي الحياة، فإن الحكومة "عاجزة تمامًا عن إيجاد حلول حقيقية جذرية لمنظومة الكهرباء".
وأكد في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن لدى عدن 16 محطة توليد، يمكنها أن تضيء عدن وما حولها، وهو ما يعني أنها ليست بحاجة إلى محطات إضافية، خاصة إذا ما وجدت آلية حقيقية لتوزيع الوقود بمختلف أنواعه باستمرار، وبحسب احتياج كل محطة.
وأشار إلى أن أول أسباب تدمير المحطات الحكومية هو محطات الطاقة المشتراة (المستأجرة)، "المملوكة لنافذين بمشاركة قيادات في الدولة، والتي دخلت الخدمة بحجة كلفتها المنخفضة، وذلك غير صحيح إطلاقًا، فيما تتحمل الحكومة كل ما يتعلق بها من قيمة تشغيل ووقود وزيوت، وحتى قطع الغيار، وهذا أمر يكلف الحكومة أضعاف ما يمكن أن تكلفه أي محطة حكومية".
وأضاف الداعري أن إيجاد حلّ جذري لملف الكهرباء، "يعدّ من سابع المستحيلات، طالما بقيت هذه التشكيلة السياسية المتناحرة، التي لا تتفق إلا على مصالحها المتمثلة في استمرار وضع الكهرباء البائس، خصوصًا أن هناك من يستفيد من ذلك سياسيًا، فيما يحاول البعض استثمار معاناة الناس شخصيًا".
وقال إن محطة "بترو مسيلة" بإمكانها تغطية 70% من احتياجات عدن، إذا ما تم تشغيل توربينها الآخر، وتوفير مادة "المازوت" بشكل منتظم، سواء من شبوة أو مأرب، لكنه تساءل عن سبب عدم اكتمال إنشاء شبكة توزيع الطاقة حتى الآن؟
أوراق سياسية
من جهتها، عبّرت الهيئة الإدارية للجمعية الوطنية لدى المجلس الانتقالي الجنوبي، أمس الأربعاء، عن "رفضها التام لحرب الخدمات الممنهجة التي تصاعدت بشكل ملحوظ مؤخرًا"، مؤكدة وقوفها الكامل إلى جانب الشعب ومطالبه وحقه في التعبير والاحتجاج السلمي.
كما شددت على ضرورة مضاعفة ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة وكافة الهيئات جهودهم لتفعيل الرؤى والحلول الجذرية للأزمات، التي قالت إنها "تُستخدم من قبل بعض القوى ضد شعب الجنوب بهدف كسر إرادته".
ويرى المحلل السياسي، صلاح السقلدي، أن الأزمات الخدمية، في عموم المحافظات، وخاصة المحافظات الجنوبية التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، باتت أوراقا سياسية بامتياز، في محاولة لابتزاز المجلس وانتزاع الكثير من التنازلات، "لا سيما أننا مقبلون على توقيع اتفاق تم التوافق على ملفاته الأساسية في مسقط".
وقال السقلدي، لـ"إرم نيوز"، إنه منذ بدء الحرب، كلما حان وقت الاقتراب من الاستحقاقات السياسية، فإن هذه الأزمات تشتد وبالذات قطاع الكهرباء "الذي يتم استخدامه على نحو مريع ومتوحش كالذي نشهده اليوم في عدن من انقطاعات متواصلة تصل إلى أكثر من 20 ساعة انقطاع".
وذكر أن نوايا هذه الورقة تهدف إلى استثارة الجماهير الغاضبة والمحتجّة، وتدفعها للاصطدام بالمجلس الانتقالي الجنوبي، "لخلق حالة من فقدان الثقة بالمجلس الانتقالي وبالقضية الجنوبية، وإذكاء التذمر والانكسار لدى المواطنين، ما يجعلها مهيأة لقبول أي حلول مستقبلية ممكنة".
وأكد أن أزمة الكهرباء التي يفترض أن تكون العمود الفقري لأي تنمية وأي بقاء للبشرية، "سيكون لها انعكاسات على مستوى العلاقة بين المجلس الانتقالي وشركائه في الحكومة، ولربما حتى شركائه في المجلس ذاته".
وأشار إلى تذمر بعض قيادات الانتقالي الجنوبي، عبر تصريحات أخيرة، تعبّر عن الاستياء مما يجري من "حرب لا هوادة فيها فيما يتعلق بمختلف المجالات الإنسانية والخدمية والمعيشية كالرواتب وغيرها، وبالتالي فإن المجلس الانتقالي يدرك أن هناك قوى يفترض أنها شريكة معه، تحاول حشره في الزاوية، في ظل الأوضاع الصعبة التي لا يمكن توقع مآلاتها".