طالب القيادي في جماعة الحوثي، محمد علي الحوثي، وزارة التربية والتعليم في حكومة صنعاء بمنح طلاب الصف الثالث الثانوي والتاسع الأساسي عشر درجات، كونهم عاشوا ولا يزالون يعيشون في ظروف الحرب منذ عام 2015، والتي تسببت أيضاً في تدمير عدد من المدارس.
ويلخّص هذا الطلب حالة العبث السائدة في قطاع التعليم باليمن منذ بدء الحرب، سواء في مناطق سيطرة الحوثيين أو مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، حيث ألقت الحرب المندلعة منذ 9 سنوات بظلالها على العملية التعليمية التي شهدت تدهوراً ترافق مع تسرّب مئات آلاف الأطفال من المدارس.
وكشفت منظمات محلية ودولية أخيراً عن زيادة عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بنسبة 120 في المائة منذ عام 2015، عندما كان عدد التلاميذ يناهز 900 ألف، بينما تشير أرقام محلية إلى تسرّب 3 ملايين طفل.
وكتبت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" على منصة "إكس" في إبريل/ نيسان الماضي، أن أكثر من 4.5 ملايين طفل في اليمن يتواجدون خارج المدرسة بسبب تداعيات الصراع. وقدّرت منظمة "إنقاذ الأطفال" وجود إثنين من كل خمسة أطفال خارج المدارس.
ووفقاً لبيانات رسمية، يوجد أكثر من 2.6 مليون طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، بينهم 1.4 مليون من الإناث و1.2 من الذكور، وتشكل هذه النسبة نحو ربع عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم الذي يقدّر بـ10.8 ملايين طفل، أي أن طفلاً من كل أربعة أطفال في اليمن خارج المدرسة.
ومنذ اندلاع الحرب في عام 2015 توقف تنفيذ كل الاستراتيجيات المتعلقة بالتعليم الذي تأثر سلباً بالانقسامات السياسية، خصوصاً في المرحلة الأساسية التي اعتبرت من أكبر المتضررين. ومن أول مظاهر تدمير العملية التعليمية الانقسام في رسم الخطط والاستراتيجيات البديلة التي تراعي الأزمات وحالات الطوارئ، وانصراف الحكومتين في صنعاء وعدن عن الاهتمام بالعملية التعليمية لحساب تمويل الجهود الحربية وتغطية النفقات العسكرية.
وأفرز الانقسام السياسي انقساماً في إدارات التعليم بين الحكومتين، ما ألقى بظلال سلبية على الواقع التدريسي في ظل وجود منهجين مختلفين، وضاعف الانقسام اتخاذ وزارة التربية في الحكومة الشرعية عام 2016، قرار إلغاء الامتحانات الوزارية للصف التاسع، وتعديل آلية امتحانات الصف الثالث الثانوي، ما تسبب في فجوة في مستوى التعليم بين مناطق الحكومتين.
وقالت منظمة "يونيسف" في عام 2020، إن "عدد المدارس التي توقفت عن العمل بسبب الحرب بلغ أكثر من 2500، دُمر نحو 66% منها بسبب العنف المباشر، وأُغلقت 27 % منها، في حين تُستخدم 7% منها لأغراض عسكرية أو أماكن لإيواء نازحين".
وشهدت مناطق سيطرة حكومة صنعاء توقيف رواتب المعلمين، وإجبارهم على العمل من دون أجور، ويقدّر عدد هؤلاء بـ172 ألفاً، أما في مناطق سيطرة حكومة عدن، فهناك شح في الرواتب التي تتراوح بين 30 و70 دولاراً. ولا تتوفر الكتب الدراسية في محافظات عدة، ويضطر المواطنون إلى طباعتها على حسابهم الشخصي، أو شرائها من الأسواق.
وتعطي الاختلالات الأمنية وحالات النزوح مبررات لأولياء الأمور من أجل عدم إلحاق أطفالهم بالتعليم، خصوصاً الإناث، علماً أن هذا الأمر يتأثر أيضاً باستخدام طرفي الصراع الأطفال والمعلمين في العمليات العسكرية.
يقول سمير، وهو معلم في مناطق سيطرة الحوثيين، لـ"العربي الجديد": "ألزمت بالعمل من دون راتب منذ عام 2016، وكنت أحصل على نصف راتب يُصرف في شكل استثنائي مرة أو مرتين سنوياً، ما جعلني أضطر إلى العمل أيضاً في مدرسة أهلية لتوفير أبسط الاحتياجات التي تجعلنا على قيد الحياة".
يضيف: "هناك تدمير ممنهج للعملية التعليمية من خلال تعديل المناهج الدراسية وتعديلها لتتلاءم مع أهداف كل طرف. وفرضت جماعة الحوثي أفكارها المذهبية والطائفية على الطلاب، ما يهدد مستقبل الأجيال القادمة التي تتربى على ثقافة الموت، ويجري إعدادها للتجنيد في صفوف الجماعة. وساهم هذا في زيادة نسبة التسرّب من التعليم، والذي يظهر في تقلّص عدد الملتحقين بالجامعات".
ويقول خبير التدريب التربوي وأخصائي المناهج مكرم عبد الله علي لـ"العربي الجديد": "حاول المانحون الدوليون ضع خطط لاستراتيجية انتقالية موحدة تحظى بتمويل دولي لدعم التعليم كنوع من الاستجابة الإنسانية، لكنها واجهت معضلات وتحديات السياسية والأيدلوجية كثيرة".
يتابع: "من مظاهر الإخفاقات اعتماد مناهج مختلفة في الصفوف الأولى في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، اهتمت بالتعبئة الطائفية والعسكرية من دون احترام قواعد الحياد المهني التربوي، وأيضاً انعدام الكوادر المؤهلة في وزارة التربية بحكومة عدن التي حاربت لأسباب مناطقية وسياسية مدرّسين انتقلوا للعمل إلى عدن منذ بداية الحرب، لذا تعتمد الدول المانحة على المنظمات الناشطة على الأرض في رسم الخطط وتنفيذ البرامج التعليمية".
ويؤكد عبد الله أن إصلاح العملية التعليمية يبدأ بإلزام المانحين والمنظمات الدولية حكومتي صنعاء وعدن على وضع ميثاق شرف ومبادئ مهنية تبعد التعليم عن الصراعات السياسية والمناطقية والمذهبية، ووضع خطط في الموازنات لتمويل التعليم الأساسي والثانوي، ومنح المعلمين ومن يعملون في السلك التربوي رواتب تكفي لتوفير أدنى احتياجاتهم".
(العربي الجديد)