5 يوليو 2024
17 يونيو 2024
يمن فريدم-توفيق الشنواح
بائع يمني في سوق للماشية، صنعاء 13 يونيو 2024 (أ ف ب)


في الماضي كانت لا تمضي الأيام الخمسة الأولى من ذي الحجة في اليمن إلا وقد جهز كل بيت أضحيته، بعد أن يعزلها عن باقي المواشي لتحظى برعاية وغذاء خاص ومضاعف، ليمنح لحمها مذاقاً مميزاً قبل ذبحها يوم العيد، إلا أن الحال تبدلت وأصبحت كثير من البيوت خاوية من جلبة الأهالي خلال الاستعداد لهذه الشعيرة، جراء الارتفاع المهول لأسعار المواشي.

ومع فقدان أب أو أخ أو ابن للعائلة بفعل آلة الحرب التي حصدت الحياة في البلاد، يفقد من بقي في الأسرة مقدرتهم على شراء أضحية نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب الذي خلفته 10 سنوات من الصراع الدامي الذي تسببت في أسوأ أزمة إنسانية، منعت الناس من الإيفاء بكلف متطلبات الحياة اليومية، ومنها حاجات هذه المناسبة التي كانت تمثل احتفاء عائلياً بهيجاً ينتظرونه كل عام بشوق واستعدادات منزلية خاصة لطبخ اللحوم وتجمعات الأقرباء والمعارف.

وتضاعفت أسعار المواشي نتيجة ارتفاع سعر الدولار إلى 1800 ريال في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، فيما تفرض جماعة الحوثي سعراً ثابتاً للدولار الواحد يبلغ 534 ريالاً مع ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية.

وكان سعر الدولار قبل الحرب التي اندلعت عام 2014 بين الحكومة الشرعية المعترف بها والحوثيين المدعومين من إيران، نحو 215 ريالاً، ففي مناطق سيطرة الشرعية يتراوح سعر رأس الخروف الذي يزن ما بين 20 و 40 كيلوغراماً ما بين 300 إلى 500 ألف ريال (200 دولار)، فيما تجاوز متوسط سعر الأغنام في مناطق الحوثيين 230 دولار.

حرمان غير معهود

وبدلاً من أن تحل المناسبة بالبشرى كما كانت، باتت اليوم مدعاة إلى الهم والحزن الذي يكابده ملايين المعدمين جراء انقطاع صرف الرواتب في مناطق سيطرة الحوثيين، وضآلتها في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، ولهذا لم يعد مستغرباً ذلك العزوف الجماعي عن شراء الاضاحي والتذكير المتداول بين الأهالي على نحو غير مسبوق بأنها سنّة وليست واجبة، في محاولة ضمنية جمعية لمواساة بعضهم ورفع الحرج عمن لم يتمكن من الشراء.

ويفضل الأهالي المواشي البلدية التي تمتاز بجودة لحومها ومذاقها لتنوع مصادر الرعي بين السهول والجبال والوديان، ولهذا تباع بسعر أعلى من الماشية المستوردة التي تتكدس في الأسواق.

ويقول الباحث والمؤرخ علي بانافع إن "اليمنيين يعانون المبالغة غير المعهودة في أسعار الأضاحي نتيجة جشع تجار المواشي، خصوصاً وأن الأضاحي شعيرة مهمة لكل بيت".

ويعتبر بانافع أن "هذا الارتفاع فاق الخيال في بلد يعيش حال اللاحرب واللاسلم، ويقبع نحو 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر، فاقمه الانهيار المتتابع للعملة وعدم انتظام صرف الرواتب ذات القيمة الشرائية الضعيفة، أما مناطق سيطرة الحوثيين حيث غالبية السكان، فالرواتب منقطعة".

جدب السماء والجيوب

وعلى رغم ضعف الإقبال غير المسبوق على شراء الاضاحي إلا أن أسعارها لا تزال مرتفعة، إذ تبلغ قيمتها نحو أربعة أضعاف متوسط راتب الموظفين الحكوميين، وفي تلك الحال يفيد بانافع بأن "الناس اضطروا إلى الاستدانة وشراء الأضحية حتى لا يظهروا أمام أبنائهم وأسرهم في حال دون أقرانهم الآخرين، في حين لا يستطيع آخرون حتى الاستدانة.

وعن أسباب هذا الارتفاع في أسعارها يرجع تاجر المواشي فضل عبدالله من سوق مأرب السبب لارتفاع كلف تربية الأغنام وارتفاع أسعار الأعلاف.

وقال عبدالله "نربي الغنم منذ سنة أو أكثر ولا تسمن الذبيحة إلا بعد أن نخسر عليها الكثير من كلف العلف ذو الجودة العالية، وزاد من الكلف جدب الأرض نتيجة قلة هطول الأمطار".

يتطرق لأسباب أخرى تتعلق "بارتفاع أسعار المواشي المستوردة من دول القرن الإفريقي نتيجة ارتفاع قيمة الدولار الأميركي، كما ارتفعت كلف نقل المواشي المحلية القادمة من ريف تهامة (التابعة لمحافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر غربي البلاد) نتيجة مرورها لطرق جبلية وعرة جراء الحصار وارتفاع أسعار المشتقات النفطية".

يشير إلى أنهم كتجار مواشي قبلوا بإعطاء تسهيلات في قيمة الأضاحي من خلال تقسيم المبلغ على ثلاث أو أربع دفعات شهرية حتى يتسنى لمحدودي الدخل الإيفاء بالسداد المريح.

"أضحية برجلين"

ومع الغلاء الفاحش، يواجه الأهالي على مدى الأعوام الماضية انهيار منظومة الخدمات الاساسية وعلى رأسها الكهرباء، ولهذا سيواجه من ضحى منهم مشكلات أخرى تتعلق بطرق حفظ لحوم الأضحية.

يؤكد المؤرخ بانافع أن الأهالي عادوا لطرق الحفظ التقليدية القديمة التي ورثوها وعاشوها من عهود الآباء والأجداد في حفظ اللحوم، وهي طريقة بدائية تعتمد على الحفظ بالتمليح والتجفيف بتقطيعه شرائح رقيقة مستطيلة وتعليقه في الهواء الطلق.

وذكر طريقة تقليدية أخرى منها تقطيع اللحم لشرائح صغيرة وطبخه مع الشحوم ورشه بالملح بنسبة تمنع تعفنه وحفظه في حافظات خزفية، والأخذ منه بحسب الحاجة اليومية، وهذا هو الأسلوب الأمثل أمام الانقطاع التام للتيار الكهربائي.

وعلى رغم كل هذا الجو المحبط إلا أن اليمني لا يعدم حيلة لتحويله لنكات ساخرة من الحال الذي يعيشه، إذ يتداول اليمنيون عبر منصات التواصل الاجتماعي عبارات من قبيل "العيد عيد العافية"، أي من دون الحاجة للبس والأضاحي، وإعلان بعضهم عزمه شراء "أضحية برجلين"، في إشارة لذبح دجاجة بدلاً عن أضحية العيد.

أهل الخير.. موعد منتظر

حاولت الحكومة الشرعية تخفيف بعض المعاناة بدفع رواتب الموظفين قبل أوانها، إلا أن الارتفاع الكبير في أسعار السلع منذ بدء الحرب قبل 10 سنوات، أمام بقاء الرواتب تقريباً كما هي، يدفع الموظفين العموميين إلى التبرم المستمر من تراجع قيمة رواتبهم بسبب تدهور العملة أمام متطلبات السوق المتنامية.

ويبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي نحو 60 ألف ريال، ما يعادل 35 دولاراً في حين كان يساوي قبل الحرب نحو 300 دولار.

هذا الحال دفع كثيراً من الأهالي لصرف النظر عن شراء أضحية في حين سارعت كثير من الجمعيات الخيرية لتبني توفيرها للأسر المحتاجة.

يقول سعيد النويهي إنه لم يستطع هذه السنة شراء أضحية للمرة الأولى في حياته نتيجة الغلاء الفاحش في أسعارها، خصوصاً وقد خسر عمله البسيط وانقطع راتبه التقاعدي من الجيش منذ سبع سنوات، مع رفض الحوثيين صرفه وانهيار العملة المستمر.

واقع قال النويهي إنه أشعره بغبن وأسى أمام أطفاله الذين يبلغونه بشكل يومي عن شراء بعض الجيران خروف العيد، في حين ما زالوا ينتظرون قدومه من أبيهم ليفرحوا به كباقي أصدقائهم.

وبلا حيلة يتمنى أن تفي المنظمة الخيرية بوعدها، وذلك بمنحه نصيباً من اللحوم التي تتكفل بتوزيعها على الأسر الفقيرة ليرفع عنه شيئاً من الحرج والقهر أمام أسرته المحرومة التي تحتاج لكثير من المتطلبات، فيما لا يستطيع معيلها توفيرها.

ويشهد اليمن حرباً منذ 10 سنوات أدت إلى أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، دفعت 80 في المئة من اليمنيين (نحو 30 مليوناً) إلى تحت خط الفقر، البالغ أقل من دولارين للفرد في اليوم، وفق الأمم المتحدة.

وفاقم من المشكلات الاقتصادية استمرار اتخاذ الصراع بعداً اقتصادياً بين الحكومة وجماعة الحوثي، إذ أقرت الحكومة المعترف بها قبل أسبوعين وقف التعامل مع ستة من أكبر بنوك البلاد لتعاملها مع الحوثيين، وهو ما تسبب بانهيار في قيمة العملة المحلية.

(اندبندنت عربية)

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI