في ليلة مفعمة بالترقب، انطلق المؤتمر الوطني الجمهوري، مساء الاثنين، بتقديم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للسيناتور، جاي دي فانس، الذي اختاره كنائب له في حال نجاحه في العودة إلى البيت الأبيض.
وعلى خلفية محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس السابق قبل يومين، حمل اليوم الأول من المؤتمر في طياته رسائل سياسية متعددة، من محاولات تقديم ترامب كزعيم صلب وملهم إلى إعادة رسم الخريطة الانتخابية للحزب الذي أظهر مساعي واضحة لاستقطاب فئات جديدة من الناخبين، بما في ذلك العمال النقابيين والناخبين السود والشباب.
ويستمر المؤتمر الجمهوري الذي انطلق الاثنين لأربعة أيام، ويأتي بعد أن رشح مندوبو الحزب دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة على التوالي، لينافس بذلك الرئيس جو بايدن.
الحدث الأبرز في الليلة الأولى
وشكل الإعلان عن اسم مرشح نائب الرئيس الحدث الأبرز في فعاليات اليوم الأول للمؤتمر، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست"، بعد أن اتخذ ترامب قرارا مفاجئاً باختيار جي دي فانس، السيناتور حديث العهد في منصبه، كنائب له في السباق الرئاسي.
وجاء هذا الاختيار على حساب منافسين بارزين آخرين كانوا في القائمة النهائية، وهما السناتور المخضرم ماركو روبيو من فلوريدا، وحاكم داكوتا الشمالية، داغ بورغوم.
ويعكس الاختيار اعتقاد ترامب بأن فانس الخطيب المفوّه لديه أجندة شعبوية - خاصة للناخبين من الطبقة العاملة في ولايات مثل بنسلفانيا وويسكونسن، حيث يمكن أن تُرجح آلاف الأصوات كفة أحد المرشحين، وفقا لـ"سي أن أن".
وخلال اللقاء، قال حاكم ولاية أوهايو مايك ديواين، عن فانس: "إنه متوافق مع جاذبية ترامب للرجال والنساء العاملين. وهو أيضا، شخص يشاركه رغبته في توسيع قاعدة الحزب الجمهوري".
من جهتها، رأت واشنطن بوست، أنه باختيار فانس، يتخذ ترامب منحى جديدا مغايرا لاختياره السابق، موضحة أن مايك بنس شكل جسرا مع المحافظين التقليديين، بينما يمثل فانس الجيل الجديد.
ورغم أن هذا الاختيار قد يحمل مخاطر سياسية، نظرا لأداء فانس المتواضع في انتخابات مجلس الشيوخ 2022 واحتمال نفور جمهوريين متشددين منه، إلا أنه يعكس ثقة ترامب في موقفه الانتخابي.
ويظهر، وفقا لواشنطن بوست" أن الرئيس السابق يفضل التوافق الأيديولوجي على الجاذبية الواسعة، مراهنا على فانس كقائد مستقبلي لحركته السياسية.
فانس.. سلاح ذو حذين
وقبل انطلاق المؤتمر، كتب ترامب عبر منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال"، "قررت أن الشخص الأكثر كفاءة لتولي منصب نائب رئيس الولايات المتحدة هو السناتور جاي دي فانس من ولاية أوهايو العظيمة".
وفانس عسكري سابق وكاتب، لطالما دافع أمام الكونغرس عن القضايا الأساسية بالنسبة لرجل الأعمال على غرار مكافحة الهجرة والدفاع عن الحمائية الاقتصادية.
ويمثل فانس سلاحا ذو حدين للجمهوريين، الذين يراهنون على قدرته على إيصال رسالة ترامب، لكن سيتعين عليهم التعامل مع تاريخ السيناتور نفسه، الذي سبق أن وجه انتقادات حادة للرئيس السابق.
وقبل ترشحه لمقعد في مجلس الشيوخ في عام 2022، كان فانس مستثمرا، ومعلقا سياسيا، ومؤلف مذكرات كانت ضمن الأكثر مبيعا، كما كان ناقدا شرسا لترامب.
من جهته، يراهن ترامب على فانس لتحوله من ناقد إلى داعم له.
خطابات إشادة
وبينمها كان اختيار فانس الحدث الأكبر، إلا أن المندوبين والمراقبين للمؤتمر استمعوا لخطابات العديد من الجمهوريين البارزين الذين كانوا أيضا في قائمة المرشحين المحتملين لمنصب نائب الرئيس، والذين أشادو بترامب واستعرضوا إنجازاتهم.
وكان من بين المتحدثين حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية، كريستي نويم، وحاكم ولاية فيرجينيا، غلين يونغكين، كما تحدثت النائبة، إليز ستيفانيك، نيابة عن وفد نيويورك، إلى جانب النائب عن فلوريدا، بايرون دونالدز، والسناتور عن ولاية كارولينا الجنوبية، تيم سكوت.
"إنذار أحمر"
وشهد اللقاء أيضا خطابا مفاجئا من رئيس نقابة "Teamsters"، (اتحاد سائقي الشاحنات والعمال في أميركا الشمالية)، والذي دعا الجمهوريين لتبني مواقف مؤيدة للعمال، مما يشكل تحديا لبايدن في قاعدته التقليدية، إذ لطالما دعمت النقابات العمالية الديمقراطيين بشكل ساحق.
ولم يعلن أوبراين، رئيس النقابة التي تضم حوالي 1.3 مليون عضو، صراحة عن تأييد أي من المرشحين في السباق الرئاسي لعام 2024، غير أن إنه يرفض "الاستمرار في فعل نفس الشيء الذي فعله أسلافي".
وقال: "اليوم، نقابة Teamsters هنا لتقول، نحن لسنا ملزمين لأي شخص أو أي حزب".
واستخدم أوبراين خطابه لحث الجمهوريين على اتخاذ مواقف مؤيدة للعمال، وتتعارض مع الكثير من العقيدة المحافظة للحزب، وفقا لسي ان ان.
وكان الخطاب بمثابة "إنذار أحمر" صارخ لبايدن، الذي يعتمد طريقه إلى فترة رئاسية ثانية على الدعم القوي من العمال النقابيين في ولايات "الجدار الأزرق" ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، وفقا لسي ان ان.
ومما يثير القلق أيضا في صفوف حملة بايدن، الذي يحاول صد مخاوف زملائه الديمقراطيين بشأن عمره، هو الدعم الذي قدمه أوبراين لصورة ترامب.
وقال أوبراين: "سواء أحبه الناس أو لم يحبوه، في ضوء ما حدث له يوم السبت، فقد أثبت أنه شخص صلب للغاية".
ترامب يستهدف التحالف الديمقراطي
وكان خطاب رئيس نقابة "Teamsters" واحدة من عدة طرق حاول بها الجمهوريون تقويض التحالف الذي ساعد بايدن على الوصول إلى البيت الأبيض.
وشهد اللقاء أيضا إلقاء بريون دونالدز، عضو الكونغرس عن فلوريدا لخطاب، إلى جانب عدد من زملائه الجمهوريين السود.
وتمثل هذه الخطوة، بحسب شبكة سي ان ان، محاولة من حملة ترامب لإحراز تقدم مع الناخبين السود، على وجه الخصوص، مشيرة إلى أن التمثيل المتنوع استراتيجية واضحة تهدف إلى تعزيز شعبيته وجاذبيته في صفوفهم.
وحضرت اللقاء، أيضا أمبر روز، وهي شخصية إعلامية ومؤثرة، الاثنين، وقالت إن العائلات الأميركية كانت "أكثر أمانا وثراء وقوة" تحت حكم ترامب. كانت هناك للتواصل مع جمهور أصغر سناً وأكثر تنوعاً، وشرحت كيف أصبحت من مؤيدي ترامب.
وقالت روز: "أنا هنا الليلة لأخبركم، بغض النظر عن خلفيتكم السياسية، أن أفضل فرصة لدينا لمنح أطفالنا حياة أفضل هي انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة".
ويمكن أن تثبت محاولات إحراز تقدم مع العمال النقابيين والناخبين السود والناخبين الأصغر سنا - حتى لو نجحت بشكل ضئيل - أنها حاسمة في نوفمبر، إذا تم تحديد الانتخابات مرة أخرى بعشرات الآلاف من الأصوات في حفنة من الولايات الرئيسية.
واعتبرت الشبكة أن تركيز الحزب الجمهوري على استمالة العمال النقابيين، والناخبين من أصول أفريقية، والشباب دورا محوريا في نتيجة الانتخابات المرتقبة في نوفمبر. لافتة إلى أنه حتى لو حققت هذه الجهود نجاحا متواضعا، فإن تأثيرها قد يكون بالغ الأهمية. خاصة إذا كان مصير الانتخابات، كما حدث سابقا، يتوقف على بضعة آلاف من الأصوات في عدد محدود من الولايات الحاسمة.
ظلال محاولة الاغتيال
وعلى الرغم من انعقاد المؤتمر بعد حوالي 48 ساعة من محاولة اغتيال ترامب في بنسلفانيا، إلا أن الحدث لم يكن نقطة تركيز كبيرة على المنصة - باستثناء بعض اللحظات الرئيسية.
وقال السناتور تيم سكوت من ولاية كارولينا الجنوبية. بينما كان الحشد يصيح بحماس: "يوم السبت، جاء الشيطان إلى بنسلفانيا حاملا بندقية، لكن الأسد الأميركي نهض على قدميه، وزأر! نعم! لقد زأر!"
بدورها، قالت النائبة عن ولاية جورجيا، مارغوري تايلور غرين، في خطابها: "أشكر الله أن يده كانت على الرئيس ترامب."
لكن اللحظة الكبيرة كانت عندما ظهر ترامب حوالي الساعة 9 مساء بتوقيت وسط أميركا، وهو يسير إلى مقعده بضمادة على أذنه.
وداخل القاعة التي غصت بالحضور راح انصار ترامب يهتفون "فايت! فايت!" (كافحوا!) وهي الكملة التي تلفظ بها دونالد ترامب وهو يرفع قبضته والدم يسيل على وجهه عندما وقف بعد إطلاق النار الذي استهدفه السبت في صور جالت العالم.
وعرف المؤتمر العام للحزب الجمهوري مشاركة أكثر من 50 ألف شخص، انطلاقة منظمة وسط إجراءات أمنية مكثفة.
وانتشر الآلاف من عناصر الشرطة في الشوارع. وقال تيم هوكينز (57 عاما) الذي قدم من ولاية واشنطن في أقصى غرب البلاد لوكالة فرانس برس "إذا كانوا غير قلقين، فأنا مثلهم".
والموقع الذي اختير لعقد المؤتمر هو مجمع رياضي ضخم وحديث، غطيت جدرانه بصور كبيرة للرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الذي يسعى لأن يصبح الرئيس السابع والأربعين.
وأغلقت مناطق في وسط المدينة بسياج معدني مع انتشار لعناصر جهاز الخدمة السرية الذي تعرض لانتقادات شديدة لأنه فشل في حماية دونالد ترامب خلال التجمع الانتخابي في بنسيلفانيا، السبت.