8 سبتمبر 2024
23 يوليو 2024


أدعو النخب اليمنية في المقام الأول والمهتمين والمتابعين للشأن اليمني من باحثين ومعلقين إلى إعادة النظر في فكرتهم حوّل العلاقة بين الجماهير وسلطة الحوثي.

ربما تفتقت نظرتهم الان اكثر من أي وقت مضى بمناسبة قصف مخازن نفط في ميناء الحديدة ومضوا يؤكدون - إما خشية أو تعميقا للعبثية في الوعي - إن ما يحدث يصب في مصلحة هذه السلطة وسيقود إلى مزيد من التجييش ومنح الحوثيين شرعية اخرى.

سبق وأن تفتقت قريحة هؤلاء في فترات سابقة بأن عملوا على تصوير الحوثي على أنه المدافع الأوحد عن السيادة الوطنية أمام الاعتداءات الخارجية أو أنه أكثر كفاءة إدارية أو غرسوا مسلمة أنه لا فايدة من المعركة العسكرية مع الحوثي مفضلين أو مروجين خيار آخر ما نزال ننتظر نتائجة.

أريد العودة إلى حيث بدأت. فالشعب وفق تصورهم هذا كتلة هائمة تستسلم كلياً للدعاية الحوثية. أو أن الحوثية لا تسيير إلا بالدعاية متجاهلين لآليات القمع والقهر وأدوات الضغط الاقتصادي والاجتماعي للتجييش والتجنيد. أو أيضا استغلال المساعدات الإنسانية عبر العملية التعليمية لغرس ثقافة عنف وقتالية وتجيش الاطفال نحو محارق الجبهات.

ربما يقولون هذا بسبب نقص معلومات أو أنهم يعتمدون على معطيات ميدانية قادمة من منظمات حقوقية ووسائل إعلام هي ضمن الجهاز الدعائي الحوثي أصلا مهما بدت محايدة ومهنية.

وانا هنا لا أقلل من شأن دور هذه الدعاية المتفننة والممنهجة والتي يبدو واضحاً انها تأخد بأكثر تقنيات صناعة الوعي او تزييفه وفتكاً.

لكن هذا المتغير (الدعاية) لا يكفي بل لا ينبغي تجاهل ان لليمنيين متطلبات حياتية مادية ومعنوية هي رابطهم الاساس بأي سلطة قائمة.

سينتهي مفعول اي دعاية عندما لا تقود الناس إلا إلى الجوع والتشرد والمزيد من الأزمات الاقتصادية والافتقار للعدالة وسوء توزيع الثروة.

ليست هذه المعركة ودعايتها هي المحدد الرئيس والرابط الجوهري الذي يربط بين الناس في مناطق الحوثيين وسلطة هؤلاء.

بل أن أسوأ الأفكار واقبحها تلك التي تقول ليس لدى اليمنيين ما يخسروه إزاء أي تصعيد خارجي وإعلان حرب أو قصف للمصالح اليمنية التي أختطفها الحوثي وحركها لمعركته الخاصة الخارجة عن مصلحة اليمنيين.

إدعاء كهذا هو تشييء للإنسان اليمني وانتزاع لإنسانيّته وحاجاته وتطلعاته. فاليمن ليست زريبة مغلقة ولا مخزن أثاث قديم. انها عشرات ملايين الناس وتعيش على نفس الكوكب ولديها سجل لا يمكن تجاهله في بناء مؤسسات وتراكم ثروة مادية وبنية تحتية ورأسمال لامادي، وحياة سياسية ومجتمع مدني.

باختصار، القائلون بمثل هذه الادعاءات يتهربون من اقتراح السبيل المناسب لمعالجة المشكلة اليمنية. هذا إذا لم يكونوا يتعمدون عدم فتح التفكير او ارشاد المعنيين إلى الطريقة المناسبة للخلاصة من هذا التهديد الامني لحياة اليمنيين ومستقبلهم اولا.

لكنهم يفصحون عن عدم متابعة الشأن الداخلي ومقدار الغليان في مناطق الحوثي بسبب سوء تدبير شؤون الناس اقتصاديا والارتهان لأموال المنظمات الدولية وتعطيل الحياة الاقتصادية والإنتاجية.

لا توجد لديهم قراءة جادة لمؤشرات العنف الأسري والاجتماعي في هذه المناطق او في مناطق اليمن بشكل عام.

ربما مناطق الشرعية هي مناطق مفتوحة ومنكشفة ويسهل الحصول على المعلومة فيها لتراخي قبضتها الامنية وبوجود هامش عمل كبير للمراكز البحثية والمنظمات وبحكم انفتاحها على الإعلام وعلى الشبكات الدبلوماسية.

لذا تبدو قبيحة وعصية على المعالجة ويسهل دمغها بالعاجزة والفاسدة لكن هذا لا يعني أبدا أن مناطق الحوثي منيعة اجتماعيا أو أنها افضل حالا اقتصاديا. بل أن الحديث عن العجز والفساد في حال اليمن لا يمكن إلا بالمقارنة مع مختلف أشكال السلطات الموجودة على التراب اليمني.

أرفض تجريد المواطن اليمني من قدرته على إقامة حساباته النفعية الخاصة في حياته وتصوريه انقيادي، بلا عقل.

فليس القصف على مصالح يمنية هو ما سيساعد على تجييش اليمنيين لصالح الحوثي بل وبصورة أوسع استمرار الجرائم في غزة هي النافذة الأوسع لهذا التجييش.

سيغضب الناس عندما يرون منشآتهم تدمر بينما القيادات الحوثية ومعداتها العسكرية في اليمن لا يمسسها شيء.

عمل كهذا ينظر إليه على انه حرب على اليمن واليمنيين وليس ضد سلطة عسكرية معينة.

لكن على صعيد الداخل يتمكن الحوثي من التفرغ للتعبئة لانه لا يوضع موضع محاسبه ومواجهة مع الشعب.

نرى كيف يتم استغلالا الملف الإنساني لتخفيف اي عبء حقيقي اقتصادي أو سياسي على الحوثي. ونرى كيف يحدث التلاعب يستقبل اليمنيين وحرمانهم بشتى الطرق من إقامة دولة تحمي مصالحهم وتكون الحامي الحقوقي لسيادتهم.

(من حساب الكاتب في منصة إكس)
 

الأخبار المشابهة
3 سبتمبر 2022 م
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI