2 سبتمبر 2025
27 أغسطس 2025


كانت الحكومة بدأت اكتساب ثقة المواطنين بعد إجراءاتها التي أدت لتعافي العملة المحلية، غير أنها فقدت هذه الثقة مجددا بسبب ملف الإعاشة وما فيه من فساد.

ظهرت ملامح هذه الثقة خلال الفيضانات وكوارث السيول التي شهدتها البلاد، ولأول مرة كان صوت المجتمع والشارع خافتًا في نقد الحكومة واتهامها بالتقصير، وهذا حق لا يمكن الانتقاص منه، لكن السكان شعروا أن الحكومة بدأت تهتم لأمرهم ولجأت إلى إجراءات للحد من انهيار العملة وغلاء المعيشة، فلا بأس من التنازل عن نقدها في كارثة عابرة، طالما وهي تسعى لإصلاح أحوالهم المعيشية.

ساهم الصحفي الذي يزعم أنه نصير الفقراء والمظلومين وسند الحكومة في نهجها، في إسقاط تلك الثقة مجددا، عندما أعاد فتح ملف الإعاشة بالكثير من الأكاذيب والافتراءات، وقاد حملة بدأها بأرقام ملفقة ومبالغ فيها لا من أجل خاطر سواد عيون الريال، بل من أجل ذاته المتضخمة، وإذا كان ملف الإعاشة فيه ما فيه الفساد والمحسوبية والانتهازبة؛ فإنه لا يعدو أن يكون مجرد نقطة صغيرة من بحر هائل من الفساد نعلم عنه الكثير ونجهل أكثر مما نعلم بكثير.

وملف الإعاشة ملفت وجدير بالإغراء في تناوله لأنه أسهل الملفات تقريبًا، بينما ملفات أخرى مثل التعيينات التي لا طائل منها سوى مراكمة الأعباء المالية على الدولة وإثقال جهازها الإداري ببطالة مقنعة وعلى مستوى عال من المناصب والرواتب، وهو أكثر فسادًا من ملف الإعاشة، لكن الغالبية يتعايشون معه أو يتجاهلونه باعتباره أمرًا واقعًا لا فائدة من مناقشته.

ويسهل الحديث عن ملف الإعاشة لأنه ملف مجهول، يمكن من خلاله النيل من الكثير من الشخصيات والإساءة لها حتى وإن كانت بريئة أو لا علاقة لها به، يمكن إلقاء التهم جزافاً أو وفقا لمعلومات حقيقية للإساءة لأشخاص قد لا يكون لهم من كل الأموال التي يجري إنفاقها بالفساد سوى مبلغ الإعاشة، ومثل هؤلاء سيكونوا في أدنى مستويات الحاصلين عليها، ويسهل اتهام آخرين بالباطل بتقاضي أموال غير مستحقة، ولا يمكن دحض تلك التهم، مثلما لا يمكن إثباتها.

لا يمكن بأي حال تبرير الفساد الذي يضمه ملف الإعاشة، وبالتأكيد فإن استحقاق بعض الناس لهذه المبالغ كرعاية اجتماعية لهم، لا يكفي للصمود أمام ما يحتويه الكشف من أسماء لديها رواتب كبيرة بآلاف الدولارات مقابل مناصبها التي لا تؤدي فيها أي مهام، وأخرى لديها استثمارات ضخمة ومداخيل كبيرة داخل وخارج البلاد.

والأدهى من ذلك أن هناك من وقفوا في صف الميليشيات خلال انقلابها وحربها على الدولة، قبل أن يفقدوا مصالحهم ويغادروا ثكنات التمرد إلى معسكرات الشرعية، ومنهم من عاش عمره في منصب أو موقع يحقق منه ثروات طائلة بالفساد والمحسوبية إما لمنصبه أو مكافأة على مواقفه غير النزيهة.

ويبدو من ملامح الحملة على ملف الإعاشة أنها تستخدم الشعبوية، فليس أسهل من إثارة انتباه العامة إلى مثل هذا الملف، لأن من الممكن إلقاء وتقديم معلومات، صحيحة أو مفبركة، حول تقاضي عشرات وربما مئات الشخصيات مبالغ غير مستحقة، وبينما يكون غرض الكثيرين من مثيري هذا الضجيج هو الإساءة وتشويه السمعة، أو الابتزاز من أجل الحصول على رقم داخل الكشف، يسهل لفت انتباه العامة وإثارة غضبهم في هكذا قضية، على عكس السؤال عن استحقاق المئات للمناصب التي منحوها دون مهام تنفيذية أو مؤهلات وخبرات، أو عن صفقات الفساد ونهب الأموال العامة والجبايات غير القانونية ونهب أموال وممتلكات المسافرين وابتزاز التجار وأصحاب المحلات.

وغالبًا فإن هذه الحملة لن تؤدي إلى ردم بؤرة الفساد في هذا الملف، بل على العكس، قد تؤدي إلى توسيعها، بالاستجابة للابتزاز وإضافة الكثير من الأسماء التي تبحث عن نصيب لها الأموال العامة التي أصبح من الشائع اعتبار الاستيلاء عليها حق لكل من استطاع بأي طريقة أو حيلة.

وإذا ما حدث وجرى إزاحة وإسقاط أسماء من هذا الكشف، فغالبًا لن يكونوا سوى ممن ليس لهم حظ من النفوذ، ولا ينتمون إلى عائلات نافذة أو يستندون إلى شخصيات فاسدة وشلل وجماعات المحسوبية، وسيجري استبدالهم بأسماء أخرى لديها حظ من كل هذا.

لكن الحل الذي يمكن أن تطرق الحكومة والسلطة الشرعية بابه من أجل معالجة مثل هذا الملف، يكمن في دراسة دقيقة لكل الأسماء الحاصلة على الإعاشة، وإحالة كل اسم يحمل مؤهلات أو خبرات إلى جهة لاستيعابه فيها وتكليفه بمهام إدارية واضحة وإدراجه ضمن كشف الرواتب فيها، وإزالة كل من يتقاضى راتبًا نظير منصبه أو وظيفته، ومن يملك مصادر دخل أو يعمل لدى جهات لا علاقة لها بالدولة.

ومن خلال الدراسة يمكن اكتشاف من يستحق أن يحصل على معونة أو ضمان اجتماعي لأي سبب كان، وهؤلاء لن يمثلوا سوى نسبة بسيطة من بين الحاصلين على الإعاشة حاليًا.

(من صفحة الكاتب عبر فيس بوك)

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI