يرتبط الإنسان التهامي ارتباطاً روحانياً وثيقاً بـ"شجرة النخيل" التي تمثل هويته الغذائية والزراعية والثقافية. فمنذ مئات السنين لم تكن تلك الشجرة بالنسبة له تنتج غذاءً أو ظلاً يحميه من حرارة الشمس ويلطف الجو فقط، وإنما طوع مكوناتها لتكون المواد الخام لغالب حاجاته المنزلية، ابتداءً من الحبال، مروراً بأثاث المنازل، وصولاً إلى زينة النساء.
وفي "تهامة اليمن" لا تزال حرفة إنتاج الأدوات المنزلية من "سعف النخيل" تعيش وتزدهر شاهدة على صمود التراث وكفاح الإنسان اليمني وإبداعه عبر الزمن. وعلى رغم مردودها اليسير ومنافسة الصناعات الحديثة وتداعيات الحرب التي ألقت بظلالها على مختلف مجالات الحياة لا تزال تقاوم عوامل الزمن الضاغطة وأخطار الاندثار.
ويعتمد كثير من الأسر التهامية على الإنتاج الحرفي اليدوي كمصدر دخل يومي يتيح فرصاً أكبر للحياة في ظل حرب أرهقت البلاد. ففي قرية الدناكل بالخوخة التابعة لمحافظة الحديدة الساحلية (غرب اليمن) تحدث الحرفي شيخ علي إبراهيم لـ"اندبندنت عربية" عن عمله في صناعة الأدوات المنزلية التقليدية من سعف النخيل، إذ أمضى أكثر من 40 عاماً معية زوجته وولده علي (18 سنة) في تلك الحرفة.
صناعات حرفية تقليدية
وضمن توليفة من الجمال عناصرها سعف النخيل وخيوط الصوف الملونة والطلاء "الرنج" يصنع الشيخ ذو الـ(55 سنة) أشكالاً متعددة من الأثاث التقليدي المنزلي بحسب الطلب مثل "السجادة" (قطعة تفرش على الأرض ويتم الجلوس عليها أو توضع فوق الأسرة الخشبية)، و"المزهرية" (يوضع بداخلها العطور والبخور)، و"المسرفة" (وعاء توضع في داخله أو فوقه الأشياء من طعام وغيره)، و"الصندوق" الذي يستخدم لحفظ الأشياء.
رمز للعراقة والأصالة
وتعد "الظلة التهامية" من أهم المصنوعات التقليدية في تهامة، وهي عبارة عن مظلة توضع على الرأس للوقاية من أشعة الشمس أثناء العمل وتستخدم للزينة في المناسبات السعيدة ويتمنطق بها الرجال والنساء على حد سواء.
وأشار رئيس مركز التراث اليمني رفيق العكوري إلى أن الوظيفة الأساسية للظلة حالياً هي الوقاية من الشمس، إذ إن التسمية الحديثة للظلة أو المظلة ارتبطت بالوظيفة (ظل)، مضيفاً "في السابق كانت الظلة عبارة عن زينة خاصة بالنساء مثلها مثل الكوافي التي كانت تلبسها نساء الطبقة الأرستقراطية في أوروبا (البيزنطية)، وسميت هذه القبعات في تهامة (مواهف) ولا يلبسها الرجال، وإنما مخصصة للنساء فقط".
صناعات صديقة للبيئة
بحسب رفيق العكوري فإنه "إذا كان العالم يتحدث الآن عن تأثير الصناعات التكنولوجية على البيئة والمناخ ويطالب بإنتاج صناعات صديقة للبيئة، فإن أبناء تهامة يستحقون لقب أصدقاء البيئة بكل امتياز، فعلى رغم من الغزو الثقافي والاقتصادي الغربي والعولمة، إلا أنهم ظلوا محافظين على صناعاتهم الشعبية المستمدة من بيئتهم".
وفي سوق مديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة الساحلية (غرب اليمن)، يتجمع كثير من الحرفيين التقليدين في الجمعة من كل أسبوع ويعرضون مشغولاتهم اليدوية.
ارتفاع الأسعار
بالعودة إلى الحرفي شيخ علي إبراهيم أكد أن الأسعار ارتفعت ولم تعد كما كانت من قبل، معللاً ذلك بقوله "لا يوجد دوم (نخيل) وأصبح سعره غالياً، وارتفع سعر الطلاء (الرنج) والخيوط، مضيفاً "من قبل كان كل شيء رخيص في اليمن، لكن هذه الأيام معدومة".
علاوة على ذلك فإن "الصناعات الحرفية تلك تتطلب جهداً ووقتاً يراوح ما بين ثلاثة أيام وأسبوع واحد للخفيفة منها مثل "الظلة التهامية"، وشهر إلى شهرين للأشكال الكبيرة مثل السجاد والمسارف المنزلية. أما الأسعار فيصل سعر "الظلة التهامية" إلى 5 آلاف و500 ريال يمني (3 دولارات) في مناطق الشرعية والمسرفة الكبيرة والسجادة إلى (20) ألف ريال يمني (11 دولاراً).
وتبدأ عملية صناعتها بتجفيف النخيل الأخضر ثلاثة أيام تحت أشعة الشمس، ومن ثم تليينه بالماء وتنتهي بعمل الأشكال والتصاميم والألوان الجذابة وزخرفتها بخيوط الصوف الملون.
أزمة إنسانية
وتسببت الحرب في اليمن في أزمة إنسانية هي "الأسوأ" في العالم، وفقاً للأمم المتحدة، ومما يضاعف من المأساة في البلاد انقطاع الرواتب عن مليون و300 ألف موظف، وفقاً لإحصائية حديثة. وتضاعفت معدلات الفقر والبطالة في حين يحتاج 23 مليون يمني إلى المساعدات، منهم 10 ملايين في حاجة إلى معونات غذائية عاجلة لتجنب المجاعة التي بدأت في عدد من المناطق اليمنية، ومنها تهامة في غرب اليمن.
(اندبندنت عربية)