بشكل مثيرة للقلق، تحركت قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، نحو جنوب غربي البلاد، قابلها تحشيدات من قوات في غرب البلاد تابعة لحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها أمميا، وسط مخاوف أممية ودولية من عودة البلاد نحو مربع العنف المسلح.
سيناريو الحرب المتوقعة بدأ من شرق البلاد، الثلاثاء الماضي، عندما أعلنت رئاسة أركان القوات البرية بقوات الشرق الليبي، في بيان عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك، عن "انتقال وحدات عسكرية إلى مختلف مدن ومناطق جنوب غربي البلاد" بتوجيهات من قائدها حفتر.
ووفق البيان، فإن هذا الخطوة تأتي "في إطار خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية للوطن، وتعزيز الأمن القومي للبلد واستقراره في هذه المناطق الحيوية، عبر تكثيف الدوريات الصحراوية والرقابة على الشريط الحدودي مع الدول المجاورة".
تحشيدات بغرب البلاد
تلك التحركات، أثارت قلق القيادات العسكرية في غرب البلاد. لذلك أصدر معاون رئيس الأركان العامة للجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية صلاح النمروش، في اليوم التالي، تعليماته لوحدات الجيش بـ"رفع درجة الاستعداد لصد أي هجوم محتمل".
إجراء النمروش، جاء وفق ما نقله إعلام محلي عن مصدر برئاسة الأركان في العاصمة طرابلس (لم يسمه) "ردا على تحركات قوات حفتر باتجاه بلدة الشويرف (نحو 450 كلم جنوب طرابلس)".
وفي الأربعاء أيضًا، وعلى ما يبدو أنها ترجمة لتعليمات النمروش، دعا الجهاز الوطني للقوى المساندة التابعة لحكومة الوحدة "كل منتسبي الوحدات القتالية إلى الالتحاق بوحداتهم على وجه السرعة، ورفع درجة الاستعداد القصوى للتصدي لأي تهديدات"، فق بيان عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك".
الإجراء ذاته أعلنته كل من قوة العمليات المشتركة، ووحدة العمليات الخاصة، في قوة مكافحة الارهاب، التابعتين لحكومة الوحدة الوطنية، عبر بيانات رسمية على "فيسبوك" الأربعاء.
مخاوف محلية
وفيما لم يعلق الجناح السياسي لقوات الشرق المتمثل في مجلس النواب المنعقد بمدينة بنغازي على ما يجرى من تحركات عسكرية، علق الجناح السياسي المضاد لحفتر المتمثل في "المجلس الأعلى للدولة".
إذ قال المجلس، عبر بيان صدر الخميس: "تابعنا بقلق بالغ التحركات العسكرية خلال اليومين الماضيين في منطقة الجنوب الغربي من قبل قوات حفتر، في مسعى فاضح وواضح لزيادة النفوذ والسيطرة على مناطق استراتيجية مهمة مع دول الجوار".
وأكد رفضه "بشدة" لهذه التحركات، التي وصفها بـ"غير الشرعية"؛ كونها "تجري خارج نطاق الأطر الرسمية والشرعية ممثلة في القائد الأعلى للجيش الليبي (المجلس الرئاسي) والجهات العسكرية المختصة".
وحذر "الأعلى للدولة" من أن "التحركات المشبوهة لقوات الشرق بقيادة حفتر نحو مناطق جنوب غربي البلاد قد ينتج عنها العودة إلى الصراع المسلح الذي يهدد اتفاق وقف إطلاق النار، ومساعي توحيد المؤسسة العسكرية، ويقود إلى انهيار العملية السياسية" برمتها.
ويقصد المجلس بـ"العودة للصراع المسلح" المعارك المسلحة التي اندلعت بين كتائب تابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية السابقة وقوات حفتر عقب محاولة الأخيرة السيطرة على طرابلس عام 2019، إذا تدخلت آنذاك قوى دولية، لتثمر وساطتها عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين جرى توقيعه بمدينة جنيف في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
كما يقصد بمساعي توحيد المؤسسة العسكرية ما نتج عن ذلك الاتفاق من تشكيل "لجنة 5+5"، التي ضمت 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا و5 من طرف قوات الشرق، وهي تجري منذ ذلك الوقت برعاية البعثة الأممية في ليبيا حوارا لتوحيد المؤسسة العسكرية للبلاد.
أما "العملية السياسية "، التي تخوف مجلس الدولة من انهيارها، فتتمثل في الحوار السياسي المتعثر، الذي تشرف عليه البعثة الأممية في ليبيا بين الفرقاء لإيصال البلاد لانتخابات تحل أزمة الانقسام السياسي القائمة.
وتتمثل هذه الأزمة في وجود حكومتين؛ الأولى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وهي تدير كامل الغرب الليبي بدعم من مجلس الدولة وتحظى باعتراف دولي وأممي، والثانية كلفها مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، وتدير كامل شرق البلاد ومدن بالجنوب.
وعبر بيانه، دعا المجلس الأعلى للدولة، إلى الاستعداد العسكري لصد تحركات قوات حفتر، قائلا إنه يدعو "المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية بصفته وزير الدفاع، ورئيس الأركان العامة للجيش (محمد الحداد)، إلى رفع حالة التأهب والاستعداد للتصدي لأي خطر محتمل ناتج عن تحركات قوات حفتر".
وطالب "البعثة الأممية في ليبيا والمجتمع الدولي بموقف واضح تجاه هذه التحركات غير المبررة وغير المشروعة وإدانتها بشكل واضح وصريح".
مخاوف أممية ودولية
وفيما يبدو استجابة لناقوس الخطر الذي دقه "المجلس الأعلى للدولة"، أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا بيانا، الجمعة، قالت فيه إنها "تتابع بقلق التحركات الأخيرة للقوات في مختلف أنحاء ليبيا، خاصة بالمناطق الجنوبية والغربية".
وحثت البعثة "جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب أي أعمال استفزازية من شأنها إخراج الأوضاع عن السيطرة وتعريض الاستقرار الهش في ليبيا وسلامة المواطنين للخطر".
ودعت إلى "مواصلة التواصل والتنسيق" بين قوات حفتر وحكومة الوحدة الوطنية.
في الاتجاه ذاته، أعربت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، الجمعة، عن مخاوفها المشتركة نيابة عن المجتمع الدولي بشأن التحركات العسكرية التي تشهدها مناطق جنوب غربي ليبيا.
وفي بيان مشترك نشرته السفارة الأمريكية لدى ليبيا عبر منصة "أكس"، حذرت سفارات تلك الدول من أن "هذه التحركات العسكرية في ظل الجمود المستمر في العملية السياسية تعرض الوضع لخطر التصعيد والمواجهة العنيفة، وقد تهدد اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020".
وقالت: "نظرًا للمخاوف الحقيقية بشأن أمن الحدود على طول الحدود الجنوبية لليبيا، فإننا نحث القوات الأمنية في الشرق والغرب على اغتنام هذه الفرصة لتعميق التشاور والتعاون من أجل تنفيذ إجراءات فعالة لتأمين الحدود وحماية سيادة ليبيا".
طمأنة وتوضيح
وردا على كل تلك المخاوف الدولية والأممية والمحلية، قال المتحدث باسم قوات الشرق أحمد المسماري، إن قواتهم "لا تنوي التحرك نحو أي أهداف داخلية في ليبيا".
وفي بيان نشره عبر صفحته على "فيسبوك" الجمعة، أضاف المسماري أن "القوات التي تحركت باتجاه الجنوب الغربي جاءت ضمن خطة لتعزيز تواجد القوات المسلحة في القواعد والأماكن التي تتواجد بها؛ بهدف التصدي ومنع العمليات غير المشروعة التي يمكن أن تتم عبر الحدود في ظل التوترات التي تشهدها بعض دول الجوار".
وأوضح أن "التحركات في دول الجوار وخاصة في مالي والنيجر استدعت إرسال تعزيزات للمناطق العسكرية التي تتواجد فيها قوات الجيش لضبط الحدود".
ونفى المسماري ما تداولته بعض المواقع والقنوات بشأن اعتزام قوات الشرق الذهاب إلى منطقة غدامس (شمال غرب) والسيطرة على المعابر الحدودية مع الجزائر.
وتشهد كل من النيجر ومالي توترات أمنية على خلفية انقلاب عسكري حدث مؤخرا في الأولى، واشتباكات مسلحة في الثانية بين القوات الحكومية ومسلحين انفصاليين.
إجراءات محايدة
ووسط كل ذلك التوتر، دخل على الخط "المجلس الرئاسي"، الذي يصف نفسه دوما بأنه محايد ولا يناصر طرفا ضد آخر، حيث أصدر رئيسه محمد المنفي، بيانا حول مجريات الأمور.
البيان الصادر، مساء السبت، قال خلاله المنفي: "عازمون على اتخاذ تدابير تضمن الاستقرار وتخفف الاحتقان والاستقطاب (في البلاد) تشمل إدارة مشتركة للإنفاق العام وعوائد النفط بشكل شفاف لمعالجة الاختناقات والتخفيف من معاناة شعبنا".
ويشير المنفي هنا إلى الصراع الحاصل في البلاد حول عوائد النفط، إذ تطالب أطراف ليبية عدة بتوزيعها بشكل عادل على شرق البلاد وغربها وجنوبها.
وأضاف المنفي، في بيانه: "آن الأوان لتحقيق أهداف المسار الأمني العسكري عبر لجنة وطنية موحدة للدفاع".
ويقصد المنفي بـ"تحقيق المسار الأمني" الحوار الذي ترعاه البعثة الأممية لوضع ترتيبات أمنية لضمان استقرار ليبيا، وهو مسار تشرف عليه مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن مؤتمر برلين الدولي الخاص بليبيا الذي عقد في 19 يناير/ كانون الثاني 2020.
وتضم "مجموعة العمل الأمنية"، إلى جانب بعثة الأمم المتحدة، ممثلين كبار لكل من الاتحاد الإفريقي وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا ومصر.
وتجتمع المجموعة بشكل دوري لتقييم الأوضاع الأمنية في ليبيا، حيث عقدت آخر اجتماعتها بطرابلس، في مايو/ أيار 2023، بحضور أعضاء لجنة "5+5" العسكرية الليبية.