أصبحت إثيوبيا دولة غير ساحلية عام 1993، في أعقاب استقلال إريتريا بعد حرب استمرت 3 عقود، مما جعل أديس أبابا تعتمد منذ ذلك الحين على موانئ جيرانها.
لكن في عام 2023، حدد رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، استعادة الوصول إلى منفذ بحري كهدف استراتيجي، وحذّر من أن "الفشل في ذلك قد يؤدي إلى صراع".
وفي الأول من يناير الماضي، أبرمت إثيوبيا اتفاقا لتأمين الوصول إلى البحر الأحمر من خلال منفذ ساحلي عبر أرض الصومال (صوماليلاند)، وهي منطقة شبه مستقلة في الصومال.
وأدى الاتفاق إلى تأجيج التوترات في واحدة من أكثر مناطق العالم "تقلبا"، وفق وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، حيث طرد الصومال السفير الإثيوبي وأغلق قنصلياته، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، وهدد بمعاقبة الشركات التي تعامل أرض الصومال كدولة مستقلة.
ماذا يتضمن هذا الاتفاق؟
تتضمن مذكرة التفاهم المبرمة بين أديس أبابا وأرض الصومال، حصول إثيوبيا على إمكانية الوصول إلى خليج عدن عبر منفذ بحري تستأجره من أرض الصومال لمدة 50 عاما، فضلا عن إنشاء قاعدة عسكرية ومرافق تجارية.
في المقابل، ستحصل أرض الصومال على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، أكبر شركة طيران في القارة الأفريقية.
وبينما قال رئيس أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، إن إثيوبيا ستعترف رسميا بأرض الصومال كدولة ذات سيادة، قالت أديس أبابا إن هذه القضية لا تزال قيد التقييم.
هل أرض الصومال دولة قادرة على التوقيع؟
كانت أرض الصومال محمية بريطانية سابقة، وشكلت اتحادا مع الصومال في عام 1960 وأعلنت استقلالها عام 1991 بعد اندلاع حرب أهلية.
وتُجري أرض الصومال، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 5.7 مليون نسمة، انتخابات وتُصدر جوازات سفر خاصة بها وتطبع عملتها الخاصة. كما توقع صفقات استثمارية دولية، بما في ذلك مع شركة موانئ دبي العالمية لتوسيع مينائها الرئيسي ومع شركة جينيل إنرجي التي تتخذ من لندن مقر لها لاستكشاف النفط.
وقالت المبعوثة الخاصة لأرض الصومال، إدنا عدنان في تصريحات لها إن المنطقة لديها السلطة لتوقيع أي اتفاقيات تريدها وأنها لا تحتاج إلى إخطار، أو طلب موافقة أي شخص آخر.
ولكن أرض الصومال فشلت في الحصول على الاعتراف الدولي الذي يسمح لها بتلقي التمويل والمساعدات من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي. ولم تعترف باستقلالها سوى تايوان، التي تربطها علاقات دبلوماسية مع 12 دولة فقط.
ماذا يقول الصومال؟
يعتبر الصومال أرض الصومال جزءا من أراضيه ويقول إنها لا تستطيع التفاوض بشكل مستقل على الاتفاقيات الدولية.
ووصف رئيس الوزراء الصومالية، حمزة عبدي بري، الصفقة مع إثيوبيا بأنها "عمل عدواني ضد سيادة الصومال وسلامة أراضيها" وتهديد مباشر لمواردها البحرية، مشيرا إلى أن حكومته ستدافع عن حقوقها.
ومع ذلك، فإن الصومال لديه "فرصة محدودة" للقيام بذلك، وفق "بلومبيرغ"، حيث استُنزفت قدراته العسكرية بسبب القتال الذي دام 17 عاما ضد جماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي، فيما تمتلك إثيوبيا جيشا قويا.
من يعارض الاتفاق؟
تعارض حركة الشباب الإرهابية، التي تسيطر على أجزاء من الصومال وتهدف إلى الإطاحة بالحكومة، الاتفاق.
كما أعربت الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيقاد)، وهي مجموعة إقليمية تضم 8 دول، عن قلقها العميق بشأن الآثار المحتملة للاتفاق على الاستقرار الإقليمي ودعت إلى حل أي خلافات وديا.
ورفضت أرض الصومال محاولات تركيا للتوسط في إنهاء النزاع بين الصومال وإثيوبيا، متهمة إياها بالتدخل والافتقار إلى الحياد.
فيما تشعر مصر أيضا بالقلق إزاء احتمال حصول إثيوبيا على قاعدة بحرية، حيث وقعت القاهرة في أغسطس الجاري اتفاقية مع الصومال تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني.
ووفقا لوزير الخارجية الصومالي، علي محمد عمر، بدأت القاهرة في توريد الأسلحة إلى الصومال وستوفر التدريب لقواتها.
ونقلت وكالة رويترز هذا الأسبوع عن 3 مصادر دبلوماسية وحكومية صومالية قولها إن مصر سلمت مساعدات عسكرية للصومال، هي الأولى منذ أكثر من 4 عقود.
في المقابل، ذكرت وزارة الخارجية الإثيوبية التي لم تشر إلى مصر أو إرسالها أسلحة إلى الصومال، في بيان إن أديس أبابا "لا يمكنها أن تظل ساكنة بينما تتخذ جهات أخرى تدابير لزعزعة استقرار المنطقة"، قائلة إنها عملت على ترويج السلام والأمن في الصومال والمنطقة، بما في ذلك إجراء مناقشات لحل الخلافات مع الصومال.
وأضافت الوزارة "بدلا من بذل هذه الجهود من أجل السلام، تتواطأ حكومة الصومال مع جهات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة".
ووفق "بلومبيرغ"، هناك مخاوف بشأن احتمال أن تتمكن إثيوبيا، من خلال اتفاقها مع أرض الصومال، من الوصول إلى مضيق باب المندب المؤدي إلى قناة السويس المصرية.
ويعتبر مضيق باب المندب شريانا حيويا للتجارة العالمية، حيث يشهد مرور ما يقرب من 9 بالمئة من حركة السفن العالمية. كما نشرت العديد من البلدان قوات بحرية هناك لحماية مصالحها التجارية، وقد "يختل توازن القوى الحالي" إذا انضمت إثيوبيا إليها، وفق "بلومبيرغ".
وإذا نجحت إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري عبر أرض الصومال، فقد تخسر جيبوتي اقتصاديا أيضا، حيث يستخدم الإثيوبيون أراضيها في الوقت الحالي للوصول إلى المحيط عبر الطرق والسكك الحديدية.