انعكست الخسائر والأضرار التي تعرض لها القطاع المصرفي الرسمي، في البلاد، على مستوى جودة وأداء الخدمات التي يقدمها القطاع البنكي، للعملاء والمودعين، على مدى الفترات الماضية.
ويشكو مواطنون، من تردي الخدمات المقدمة من البنوك، فضلا عن رتابة المعاملات في البنوك، والتي باتت تأخذ وقتاً أطول، خلال إنجاز أدنى معاملة مالية.
وأصبح الكثير من المودعين، والعملاء، غير قادرين على سحب مدخراتهم وودائعهم، من البنوك، بعد أن تعرضت غالبية البنوك، إلى خسائر مباشرة، نتيجة عدم قدرتها الوصول إلى استثماراتها في أذون الخزانة، لدى البنك المركزي اليمني، بصنعاء، عقب 2015، وبعد سيطرة جماعة الحوثي، على إدارة البنك.
وكانت هذه أول ضربة يتلقاها القطاع المصرفي اليمني، حيث حدّت من قدرته بشكل بالغ، على الإيفاء، بالتزاماتها أمام المواطنين، والعملاء.
عجز عن الإيفاء بالالتزامات المالية
وقال المواطن، محمد ناصر، لـ " يمن فريدم"، إنه خلال العامين الأولين من الحرب، سعى كثيراً للحصول على مدخراته، التي كانت لدى أحد البنوك الإسلامية في صنعاء، لكنه لم يتمكن من الحصول عليها، رغم عدم تجاوز المبلغ المليون ريال.
وتابع في حديثه، أنه ذهب إلى فروع مختلفة، للبنك، من أجل الحصول على وديعته المالية، ثم اضطر إلى الذهاب إلى المركز الرئيسي في أمانة العاصمة، ولم بتسطيع أيضا الحصول إلا على مبلغ ضئل، لم يتجاوز 5% من حجم وديعته لدى البنك.
لا تختلف، حكاية المواطن (ع.س) أيضا عمّا حصل من تسويف ومماطلة، من قبل إدارة البنوك، مع كثير من المودعين والعملاء، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين، عن أخذ أموالهم، التي أودعوها لدى البنوك والمصارف الرسمية.
ويوضح في حديثه، لـ "يمن فريدم"، أنه ذهب لاستخراج قسط من إجمالي وديعته لدى البنك الإسلامي، لكنهً فوجئ، بالكثير من الصعوبات والعراقيل، من قبل كادر البنك والإدارة، مضيفاً " أنه بعد محاولات متكررة وعديدة، تمكن بالكاد، على الحصول على جزء من المبلغ، المودع في البنك، والذي كان من قبل الحرب بسنوات.
لم تقتصر التحديات والصعوبات التي واجهت القطاع المصرفي، على العجز في الإيفاء بالتزاماته المالية للمودعين والعملاء، حيث تتابعت الكثير من الإشكاليات والصعوبات، التي كبلت أداء ونشاط القطاع البنكي، الأمر الذي أدى إلى ازدهار شركات ومحلات الصرافة التي انتشرت بطريقة متسارعة، خلال سنوات الحرب، فضلا عن تأثيرات الحرب، وسيطرة مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة، التي أدت إلى عجز البنوك اليمنية، في المراسلات الخارجية، لدى البنوك والمصارف الإقليمية والدولية.
أزمة السيولة
وتعزو البنوك اليمنية، أسباب تراجع النشاط المصرفي، وتدني مستوى الخدمات، إلى سلسلة من العوامل والتأثيرات، التي أصابت القطاع البنكي، منها أزمة السيولة لدى البنوك، وعجزها عن الاستثمار في السندات الحكومية، ناهيك عن تآكل الأصول والاحتياطي القانوني، الذي كان مودع لدى البنك المركزي اليمني بصنعاء.
وقال مدير بنك تجاري، فضل عدم الكشف عن هويته، لمحاذير أمنية، إن الحرب أثرت بشكل بالغ، على القطاع البنكي، وظهرت العديد من التحديات، التي واجهت عمل وأداء البنك، وحدت من نشاطه المصرفي.
وأوضح، في حديثه لـ " يمن فريدم"، أن توغل وتوسع شركات الصرافة على حساب البنوك، ساهم في وضع إشكاليات كثيرة على القطاع المصرفي، كما ساهم أيضا في تدهور قيمة العملة المحلية.
ويشير إلى أنه تم الترخيص، لأكثر من ألف شركة صرافة حلت بعضها مكان القطاع المصرفي وتقوم بتقديم نفس الخدمات من فتح حسابات واستقبال ودائع العملاء، وهذا يؤثر على أداء ونشاط البنوك التجارية، على حد تعبيره.
وطالب بضرورة عودة عمل شركات الصرافة، وفق الإطار الذي يحدده لها القانون، وهي إرسال واستقبال الحوالات النقدية، ومصارفة العملات الأجنبية، فقط، مشيراً إلى أن فتح حسابات أرصدة للعملاء، مخالف للقانون، ويُسهل عملية غسيل الأموال، والمضاربة في العملة، خارج القطاع المصرفي الرسمي.
تآكل الأرصدة
يواجه القطاع المصرفي الرسمي، العديد من التحديات الأخرى، حيث كشفت دراسة حديثة، عن عجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها للقطاع المصرفي والتي بلغت 2.502 تريليون ريال يمني، موزعة بين 798، 1 تريليون ريال يمني، (أذون خزانة) و704 مليار الاحتياطيات القانونية للبنوك التجارية والإسلامية في البنك المركزي، ما أدى إلى عجز البنوك عن الوفاء بالتزاماتها لعملائها.
وأشارت دراسة "النقد والغذاء.. تعزيز الأرصدة"، الصادرة عن منتدى الدراسات والبحوث الاقتصادية، إلى أن توسع عملية الدولرة في مفاصل الاقتصاد الرسمي والعشوائي، نتيجة لضعف العملة الوطنية وفقدان الريال اليمني لقيمته أمام العملات الأجنبية، هي إحدى التحديات التي تواجه القطاع المصرفي اليمني.
كما أن زيادة القروض المتعثرة والتي ارتفعت نسبتها إلى %25 من إجمالي القروض والسلفيات المقدمة من القطاع المصرفي، مع توقعات باستمرارها في الارتفاع الأمر الذي سينعكس على شكل تدمير أو تلف للأصول النقدية.
وساهمت عملية تدهور الريال، ونهب مليشيا الحوثي، للاحتياطي الأجنبي، في البنك المركزي اليمني، بصنعاء، والمقدر بقرابة خمسة مليار دولار، بتآكل أصول البنوك التجارية والإسلامية، من 6 مليارات دولار في العام 2014، إلى مليار و700 مليون دولار، حالياً.
مسار لا متناهي من التعقيدات، مرً بها القطاع المصرفي اليمني، منذ بدء الحرب في أواخر 2014، وسيطرة مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة والبنك المركزي اليمني، بيد أنها لم تتوقف، عند هذا المنعطف، حيث ماتزال الضربات تتوالى تجاه القطاع البنكي، في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.
وبعد تآكل أصول البنوك، وأزمة السيولة، تعرض القطاع المصرفي لأزمة الانقسام النقدي، وازدواج القرارات المصرفية، وهو مايُنذر بانهيار هذا القطاع.
منع فوائد البنوك
مؤخراً، شرعت مليشيا الحوثي، في إعداد تشريع يسمح لها بنهب مدخرات البنوك تحت ستار محاربة قروض القروض الربوية، مما يسمح لها بالاستيلاء على مخدرات البنوك التجارية وودائع المواطنين.
ويقضي التشريع الجديد بإلغاء الفوائد على الودائع في البنوك اليمنية التي تعمل داخل المناطق الخاضعة لمليشيات الحوثي.
ووجهت جمعية البنوك رسالة إلى الحوثيين، حذرت فيها من أن تطبيق هذا الإجراء سيماثل في الخطورة كارثة توقف رواتب الموظفين في مناطق المليشيات الحوثية حيث سيخسر المودعون ما يحصلون عليه من فوائد سنوية يعتاشون منها.
ويرى مختصون، أن مشروع القرار، يصادر بأثر رجعي فوائد المودعين لسنوات ماضية، وهو ما يعد عملية نهب منظمة لأموال المواطنين واستهداف مباشر للبنوك.
ويُنذر مشروع القرار الحوثي، بتدمير القطاع البنكي والمصرفي، الأمر الذي سيكون له تداعيات مباشرة، وخطيرة، على العملية الإنتاجية في البلاد، وحركة التنمية الاقتصادية، فضلاً عن آثاره الخطيرة، في فتح سوق سوداء للمضاربة بالعملة، وانتعاش السوق الموازية التي تعمل خارج إطار الرقابة الرسمية.
وعن أسباب، مساعي الحوثيين، لمنع فوائد البنوك، قالت مصادر مصرفية خاصة، لـ "يمن فريدم"، إن هذه الخطوة الحوثية تستبق أي محاولات للبنك المركزي اليمني في عدن، من إعادة تفعيل أدوات السياسة النقدية، وفتح الاستثمار بأدوات الدين العام، والاكتتاب، وأذون الخزانة والصكوك الإسلامية.
وأوضحت المصادر، أن قيام البنك المركزي اليمني في عدن، بهذه الخطوة، وفتح الاكتتاب بأدوات الدين العام، والسندات، للسيطرة على المعروض النقدي، سيدفع البنوك التجارية والإسلامية، للتجاوب مع البنك المركزي والشروع في الاكتتاب والاستثمار في السندات والصكوك، لا سيما وأن البنك المركزي اعتمد نسبة فوائد عالية، تتراوح ما بين 18 إلى 20 % من قيمة الاكتتاب.
وما بين تدهور بيئة للعمل المصرفي، وتزايد المخاطر المهددة، للاستثمار في القطاع المصرفي، من جهة، وغياب الخدمات المالية تجاه المواطنين، والعملاء، وتدني مستوى جودة الخدمات، وتراجع النشاط المالي، من جهة أخرى، تحضر أسئلة مشروعة، تفرضها تحديات الواقع، حول، مدى إمكانية تعافي القطاع المصرفي، ومتى سيحظى اليمني، بخدمات مالية وأنشطة مصرفية مميزة، تضاهي وتواكب التطورات المالية، التي تشهدها دول الجوار.