بعد مرور 10 سنوات على سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء يستمر السكان في التعبير عن معاناتهم في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
كانت بداية سبتمبر (أيلول) بمثابة تذكير بمآسي السنوات الماضية، إذ كان من المفترض أن يكون شهراً يحتفل فيه اليمنيون بذكرى ثورة الـ26 من سبتمبر 1962، لكن هذه الذكرى جاءت في أجواء متوترة تعكس الانتهاكات والفساد المستشري في البلاد.
يصف المواطن يحيى البالغ من العمر 39 سنة واقع الحياة تحت حكم الحوثيين قائلاً إنهم "أعادوا البلاد 50 سنة إلى الوراء". ويشير إلى فقدان الأمل في مستقبل مشرق، إذ كان المواطنون في السابق يتطلعون إلى امتلاك سيارات ومنازل، بينما أصبح التفكير الآن يتركز حول كيفية تأمين لقمة العيش.
أما أبو جواد (45 سنة) فيعبر عن قلقه من أن تفكيرهم تحول إلى كيفية الحصول على الطعام، وهو ما يعكس التحول المأسوي الذي شهدته حياة الناس. ويرى الحوثيون أن البلاد تحت حكمهم استعادت هويتها، في إشارة إلى نهجهم المتشدد، الميال للأيديولوجية الإيرانية.
الاحتفال بسبتمبر
على رغم الظروف القاسية بدأت الاحتفالات بسبتمبر تشهد زخماً جديداً. وتتزايد الأنشطة الشعبية التي تخلد ذكرى الثورة، إذ يقوم اليمنيون في مختلف المناطق بتنظيم فعاليات ثقافية وفنية تعكس تاريخهم ومنجزاتهم.
ويتحدث الناشط الإعلامي عبدالله أبو سعد عن أهمية إحياء هذه الذكرى، مشيراً إلى أنها تمثل رمزاً للكرامة والحرية، ويحث الناس على تعزيز شعائر سبتمبر في قلوبهم.
ولقد أصبح الاحتفاء بذكرى الثورة وسيلة للتعبير عن رفض الحوثيين، إذ يشعر المواطنون بأنهم يحافظون على هويتهم الوطنية. ويعبر وكيل وزارة الثقافة زايد جابر فإن ثورة الـ26 من سبتمبر تمثل أهم حدث في تاريخ اليمن، ويعدها الشعب بمثابة درع لحماية منجزاتهم من محاولات الحوثيين لإعادة الإمامة. الاحتفالات تظهر مدى تعلق الشعب بذكرياتهم التاريخية، وعمق الإيمان بالقيم التي تمثلها الثورة.
العنف والاعتقالات والانهيار الاقتصادي
مع ذلك، تستمر ميليشيات الحوثي في قمع هذه الاحتفالات، فقامت باعتقال عدد من الناشطين الذين حاولوا إحياء ذكرى الثورة في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ووفقاً لمصادر متعددة واجه عديد من الشبان الاعتقال بسبب مشاركتهم في فعاليات الاحتفال بسبتمبر.
وهذا يظهر الأخطار الكبيرة التي يتعرض لها من يحاول التعبير عن رأيه في ظل حكم الحوثيين، إذ لا يسمح بأي شكل من أشكال المعارضة، وفق المسؤولين اليمنيين في الحكومة الشرعية.
وتسببت الحرب والأزمات الإنسانية في انحدار كبير بالوضع الاقتصادي، مما جعل الحياة أكثر صعوبة. ويعيش معظم السكان تحت وطأة الفقر والجوع، إذ يعد اليمن من أفقر دول العالم.
يقول وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني إن انقلاب الحوثيين كان "يوم النكبة المشؤوم"، حين اجتاحت الميليشيات العاصمة وأقامت نظاماً يقوم على الفساد والانتهاكات.
اليوم، يعيش اليمن في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية، إذ فقد كثر الأمل في تحسن أوضاعهم. وتعيش غالبية السكان ظروفاً غير إنسانية، إذ يعاني الأطفال سوء التغذية، وتفتقر المستشفيات إلى الأدوات الطبية الأساسية.
الباحثة ميساء شجاع الدين من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية تشير إلى أن الحياة الاجتماعية والسياسية أصبحت أكثر انغلاقاً، مما يجعل من الصعب تحقيق التقدم، والأجواء السياسية المنغلقة تؤدي إلى استحالة التفكير في مستقبل أفضل، إذ تسيطر على المجتمع شعارات الحوثيين التي تنادي بـ"الموت لأميركا وإسرائيل"، مما يزيد من حدة التوتر والقلق بين السكان.
الأمل في المستقبل
على رغم الأوضاع الصعبة يبقى الأمل في التجديد والتغيير حاضراً. فالاحتفالات بذكرى الثورة تظهر رغبة الناس في استعادة هويتهم الوطنية ومواجهة القمع الحوثي. ويؤكد الناشط عامر دعكم أن "سبتمبر هو شهر الكرامة والحرية". ويرى كثر أن الاحتفال بذكرى الثورة يعكس تصميمهم على المقاومة والنضال من أجل استعادة الجمهورية التي تمثل كل ما هو عادل ومحرر.
وتسعى الحركة الشعبية إلى إعادة إحياء الثقافة والفن كوسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية. ففي السنوات الأخيرة ارتفعت وتيرة نشر الأغاني الوطنية والقصائد التي تحث على العودة للثورة ومبادئها. ويعمل الفنانون والنشطاء على تجديد الذاكرة الوطنية وتعزيز الشعور بالفخر والانتماء، مما يعد جزءاً أساساً من عملية المقاومة ضد محاولة طمس الهوية.
وفي المجمل يرى المراقبون أن البلاد تعيش حالة من الاستقطاب الشديد، إذ يسعى الحوثيون إلى تثبيت سيطرتهم، بينما يرفض الشعب العودة إلى الماضي المظلم. والاحتفاء بذكرى ثورة الـ26 من سبتمبر يعكس إرادة الشعب في استعادة حريته وكرامته، حسب حكومة عدن، ويدل على أن الأمل في غد أفضل لا يزال حاضراً رغم كل الصعوبات، ويرون أن "هذه الروح المقاومة تعكس قوة الشعب اليمني، وتؤكد أن قضية الحرية والعدالة ستظل محور نضالهم المستمر، مهما كانت التضحيات".
وبهذه الروح يقولون، "يتجدد العهد بين الأجيال على استكمال مسيرة الثورة، معبرين عن التزامهم بناء يمن مستقر وآمن للجميع، يتجاوز العقبات والصعوبات التي وضعها الحوثيون، ويعيد إليه مجده الذي يستحقه"، وفق الأطراف الموالية للحكومة الشرعية.