تزايدت المخاوف حيال إمدادات النفط العالمية وسط ارتفاع وتيرة التوقعات بانزلاق منطقة الشرق الأوسط في حرب شاملة نتيجة اتساع رقعة الصراع بين إيران وإسرائيل، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أكبر لأسعار الخام واحتدام التوترات بدرجة أكبر، بحسب ما أفاد به محللون نفطيون إلى "اندبندنت عربية".
وبحسب المتخصصين حول سيناريو تداعيات الحرب على سوق النفط، أشاروا إلى أن التوقعات تشير إلى أن الأسعار ستتخطى الـ100 دولار إذا تعرضت المنشآت النووية الإيرانية لهجوم إسرائيلي، بعد أن
أطلقت إيران سلسلة من الصواريخ على إسرائيل مساء أول من أمس الثلاثاء، بعد ساعات من شن القوات الإسرائيلية هجوماً برياً ضد "حزب الله" في جنوب لبنان، مما من شأنه توسعة رقعة الحرب الدائرة في الشرق الأوسط.
وقالت طهران في بيان أول من أمس إن أي رد من قبل إسرائيل سيقابله "دمار واسع النطاق"، وسط مخاوف أن يطاول رد تل أبيب منشآت نفطية في الداخل الإيراني.
وكانت تعاملات أمس الأربعاء شهدت قفزات سريعة مع تزايد التوترات بعد بدء الضربات الإيرانية ثم هدأ الارتفاع بنهاية الجلسة، لتسجل العقود الآجلة لخام "برنت" تسليم ديسمبر/ كانون الأول المقبل ارتفاعاً بـ0.45% إلى 76.14 دولار للبرميل، وصعدت عقود خام "نايمكس" تسليم نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل بـ0.4% إلى 70.10 دولار للبرميل، وجاء هذا بعد صعود الأسعار بأكثر من خمسة في المئة خلال وقت سابق من الجلسة.
وقال مسؤولون إن الهجوم الذي شنته إيران من خلال ضربات صاروخية على إسرائيل من شأنه أن يعرض بعض البنية التحتية النفطية في الأقل، بما في ذلك 287 ألف برميل يومياً من طاقة التكرير الإسرائيلية لخطر أكبر، وهو ما سينعكس على أسعار الخام والطاقة العالمية بالصعود والتأثيرات السلبية.
نطاق الحرب
إلى ذلك، ارتفعت أسعار النفط اليوم الخميس مدعومة بتوقعات باتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى تعطل إمدادات الخام من منطقة التصدير المهمة، وفاق تأثير ذلك توقعات أقوى بخصوص الإمدادات العالمية.
وارتفعت العقود الآجلة لخام "برنت" 94 سنتاً بـ1.27% إلى 74.84 دولار للبرميل، وصعدت العقود الآجلة لخام "غرب تكساس" الوسيط 99 سنتاً أو 1.41% إلى 71.09 دولار للبرميل، وقفز الخامان بأكثر من دولار للبرميل خلال وقت سابق من الجلسة.
وبحسب وكالة "رويترز" أكد محلل استراتيجيات السوق في "آي جي" ييب جون رونغ "بعد التوتر الأولي الناجم عن الأخطار الجيوسياسية في الشرق الأوسط، شهدنا عودة بعض الهدوء إلى الأسواق العالمية"، مستدركاً "لكن بالطبع مع استمرار المتعاملين في السوق في مراقبة أي رد فعل إسرائيلي مقبل".
مرمى النيران
وأضاف رونغ "السؤال الآن في ما يتعلق بالنفط هو ما إذا كانت البنية التحتية للطاقة في إيران ستكون في مرمى نيران إسرائيل".
وقال محلل السوق لدى "آي جي" إنها "لعبة انتظار لمعرفة كيفية الرد الإسرائيلي، وأعتقد أن ذلك سيأتي بعد انتهاء عطلة رأس السنة العبرية غداً".
وأضاف "أشك في أن إسرائيل ستستهدف البنية التحتية النفطية الإيرانية، لأن مثل هذه الخطوة من المرجح أن تدفع أسعار النفط نحو 80 دولاراً، وهو ما قد يثير حنق حلفاء إسرائيل الذين يحاولون السيطرة على التضخم".
وفي غضون ذلك قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية إن مخزونات الخام داخل الولايات المتحدة ارتفعت 3.9 مليون برميل إلى 417 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في الـ27 من سبتمبر/ أيلول الماضي، مقارنة مع توقعات استطلاع أجرته وكالة "رويترز" بهبوط قدره 1.3 مليون برميل.
وقال محللون في بنك "أي أن زد" في مذكرة "أضاف ارتفاع مخزونات الولايات المتحدة مؤشراً إلى أن السوق تتلقى إمدادات جيدة ويمكنها الصمود في وجه أية اضطرابات".
وتملك منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" ما يكفي من الطاقة الاحتياطية من النفط لتعويض فقدان الإمدادات الإيرانية بالكامل، إذا قامت إسرائيل بضرب منشآت هذا البلد.
لكن المتعاملين يخشون أن تواجه "أوبك" صعوبات إذا ردت إيران بضرب منشآت لدى جيرانها في الخليج.
مخاوف على إمدادات النفط
بدوره، أكد وزير البترول المصري السابق أسامة كمال أن "هناك مخاوف على إمدادات النفط والخوف من انزلاق الشرق الأوسط للحرب الشاملة، وذلك لأن 60% من استهلاك العالم يأتي من المنطقة".
وأوضح أن "اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى ارتفاع أكبر لأسعار النفط، والذي قد يدوم في حال تأثير الحرب في حركة الملاحة أو توقف إنتاج إيران أو العراق أو الكويت".
وتابع كمال "لا تزال علاوة الأخطار الجيوسياسية على أسعار النفط متواضعة على رغم تصاعد التوترات في الشرق الأوسط وذلك بسبب التدخل الأميركي لتعويض أوروبا بأية كميات بترول من مخزونها الاستراتيجي".
علاوة الأخطار
وذكر محللو بنك "غولدمان ساكس" في مذكرة حديثة للعملاء أن علاوة الأخطار الجيوسياسية على أسعار النفط لا تزال متواضعة على رغم تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
وأوضحوا أن "أدواتهم تشير إلى أن هذه العلاوة لا تزال معتدلة وهو ما يرجع للطاقة الاحتياطية المرتفعة وانقطاعات الإنتاج الفعلية المحدودة أخيراً"، بحسب ما نقلت "وول ستريت جورنال".
وأشار المحللون إلى أنه على رغم ذلك لا تزال الأسعار حساسة للأخطار من جانب العرض، مع تركيز المستثمرين على الاضطرابات المحتملة التي قد تحدث في الإمدادات الإيرانية أو تراجع تدفقات النفط عبر البحر الأحمر إلى جانب أية تهديدات للتجارة بمضيق هرمز.
وتأتي التطورات الأخيرة بعد ما بلغت توقعات مديري الأموال وصناديق التحوط بتراجع أسعار النفط أعلى مستوياتها، وفق سجلاتهم التاريخية في أواخر شهر سبتمبر الماضي بسبب المخاوف المتعلقة بالطلب والزيادة في العرض.
عواقب وخيمة
في السياق ذاته، قال مدير عام تسويق النفط والغاز بوزارة الطاقة والمعادن بسلطنة عمان سابقاً علي الريامي إن "تطورات الأحداث الجيوسياسية الجديدة ما بين إيران وإسرائيل انعكست بسرعة على أسعار النفط العالمية ودفعتها للصعود بنسبة تراوحت ما بين ثلاثة وخمسة في المئة".
وأشار إلى أن "أي اتساع لرقعة الصراع سيكون له عواقب وخيمة على أسعار الخام العالمية، مما من الممكن أن يحدث في ظل تهديدات إسرائيل برد فعل قوي ومن ثم رد فعل إيراني آخر".
وأوضح الريامي أن تصاعد الضربات قد يؤدي إلى حرب شاملة ومن ثم إلى ارتفاعات بأسعار برميل النفط، لافتاً إلى أنه إذا لم تتم أية إغلاقات بالمعابر المائية كمضيق جبل هرمز وباب المندب فإن الارتفاعات ستكون غير قوية.
وذكر الريامي أن سعر برميل النفط قد يصعد إلى مستوى 90 دولاراً للبرميل في حال استمرار الاضطرابات الحالية وردة الفعل من الطرفين، إضافة لغلق أحد المعابر المائية.
ولفت إلى أن الهجوم على أية منشأة نفطية إيرانية سيزيد من نقص سوق الإمدادات العالمي وبخاصة التي تصدرها طهران إلى دول آسيا، والتي تقدر بنحو 1.5 مليون برميل يومياً أو يزيد قليلاً مما سينعكس أيضاً بالصعود على أسعار الخام بصورة ملحوظة.
وأكد الريامي أن علاوة الأخطار الجيوسياسية على أسعار النفط لا تزال متواضعة بسبب أن السوق النفطية تعودت على تلك التطورات الحالية، متوقعاً ارتفاع تلك العلاوة في حال تصاعدت تلك التوترات.
حجم الأضرار
وبدوره، أكد المتخصص في اقتصادات الطاقة نهاد إسماعيل صعوبة تحديد تأثير التوترات الحالية في أسواق الطاقة من دون معرفة حجم الأضرار التي قد تلحق بالمنصات أو المنشآت "بصورة دقيقة".
ويرى إسماعيل أن التوقف التام لتصدير الغاز أو الإغلاق لفترة طويلة يبدو غير محتمل في ظل التطورات الجيوسياسية الحالية، مؤكداً أن جميع الأمور تعتمد على التطورات العسكرية المرتقبة خلال الساعات المقبلة، مشيراً إلى أنه في حال توسعت المواجهة إلى حرب شاملة فقد تتغير الصورة تماماً، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الخام مع تزايد الأخطار.
ورجح إسماعيل أنه إذا اندلعت حرب لفترة طويلة قد تضطر إسرائيل إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة من الغاز لتلبية حاجاتها المحلية، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب تفعيل حال القوة القاهرة في أي ظرف استثنائي خارج سيطرة الدولة المصدرة للغاز، مما يعني خفض أو إيقاف التصدير كلياً لفترة معينة.
تجاهل الأخطار الجيوسياسية
ومن جهته أشار رئيس شركة "رابيدن إنرجي غروب" بوب ماكنالي إلى أن "المستثمرين قلصوا مراكزهم بشدة في السوق، وسط تجاهل للأخطار الجيوسياسية".
وأضاف متحدثاً إلى وكالة "بلومبيرغ"، "لن ترتفع علاوة الأخطار على النفط إلا إذا شهدت السوق تصعيداً يؤثر مباشرة في البنية التحتية للطاقة أو التدفقات، أو إذا هاجمت إسرائيل البنية التحتية الحساسة التي تهدد وجود النظام الإيراني".
اختبار توقعات هبوط أسعار الخام
وبحسب وكالة "بلومبيرغ"، فإن الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل تختبر التوقعات بهبوط أسعار النفط، إذ زادت المخاوف من اضطرابات في الإمدادات إذا تصاعدت التوترات.
وعلى رغم ذلك لم تأخذ السوق بالكامل في الحسبان احتمال زيادة الأسعار إذا تعرضت منشآت نفطية إيرانية لهجمات أو إذا أغلقت طهران مضيق هرمز، وقد تؤدي العقوبات الأميركية أو الهجمات الإسرائيلية إلى ارتفاع الأسعار بمقدار يراوح ما بين سبعة إلى 28 دولاراً للبرميل، وفق تقديرات "كليرفيو إنرجي بارتنرز".
وتؤدي الجغرافيا الإيرانية دوراً كبيراً في التحكم بمضيق هرمز الذي يمر عبره 30% من تجارة النفط العالمية، وفي حال حدوث اضطرابات طويلة الأمد، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى احتياطها الاستراتيجي من النفط.
ويتجنب عديد من التجار دخول السوق انتظاراً لتهدئة الأوضاع، مما يزيد من تقلب الأسعار ويعزز دور مستشاري تداول السلع في توجيه تحركات السوق خلال الفترة المقبلة.