ترافق فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الثلاثاء الماضي، مع كثير من المتغيرات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، ما يطرح تساؤلات عن السياسة التي ستنتهجها إدارته تجاه أزمات الشرق الأوسط. وبرز في السياق الأزمة اليمنية في ظل التصعيد العسكري المستمر للحوثيين من خلال هجمات الجماعة التي استهدفت السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وقيام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشن غارات جوية استهدفت أهدافاً ذكرت الإدارة أنها تابعة للحوثيين، بما في ذلك استخدام قاذفات بي 2 الشبحية لأول مرة في هذه الغارات.
ما بعد فوز دونالد ترامب
تتداخل الأزمة اليمنية مع أزمات الشرق الأوسط، ما يعني أن التعامل معها سيكون ضمن السياسة العامة للإدارة الأمريكية للتعامل مع الأزمة في الشرق الأوسط المتمثلة بالحرب في غزة، والعدوان الإسرائيلي على لبنان، والتصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، خصوصاً أن الحوثيين أعلنوا أنهم جزء من حرب غزة، وأن هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن مستمرة حتى رفع الحصار عن غزة، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على لبنان.
كما أن فوز دونالد ترامب جاء في ظل توقف المشاورات السياسية الخاصة بالأزمة اليمنية، بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن، بعد أن قطعت شوطاً من خلال توصّل كل الأطراف إلى مجموعة من التدابير، المتعلقة بتنفيذ وقف إطلاق نار في كل أرجاء اليمن، وتنفيذ إجراءات لتحسين الظروف المعيشية في البلاد، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، غير أن توقف هذه المشاورات زاد من حجم التعقيد في الملف السياسي للأزمة اليمنية.
وبحسب بعض التوقعات فإنّ الأزمة اليمنية مقبلة على مزيد من التعقيد خلال إدارة ترامب العتيدة، خصوصاً أن له موقفا عدائيا من الحوثيين، إذ سبق أن اتخذ في الأيام الأخيرة لولايته الرئاسية السابقة، بين عامي 2017 و2021، قراراً بتصنيفهم جماعة إرهابية، غير أن بايدن أزال هذا التصنيف في الأيام الأولى لولايته في فبراير/ شباط 2021، بحجة أن إدراج الجماعة المسلحة في القائمة السوداء سيمنع منظمات الإغاثة والشركات من خدمة السكان.
لكن إدارة بايدن أعادت تصنيف جماعة الحوثي جماعة إرهابية دولية، وهو القرار الصادر في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي، الذي دخل حيز التنفيذ في 16 فبراير الماضي، وجاء هذا التصنيف رداً على هجمات الجماعة المستمرة على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.
والخيار العسكري بات أحد البدائل التي يمكن أن تتعامل معها إدارة ترامب مع الأزمة اليمنية من خلال استهداف الحوثيين، وفي إمكان هذا الخيار أن يتضمن أشكالاً متعددة بالتنسيق مع شركاء الإدارة الأمريكية في المنطقة، ومن المرجح أن تتجاوز الغارات الجوية التي بدأتها إدارة بايدن.
وتعليقاً على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، غرد القيادي الحوثي نصرالدين عامر على منصة إكس (تويتر سابقاً)، بالقول: "بعد انتخاب ترامب في الفترة السابقة وعند زيارته للسعودية استهدفنا المطار الذي كان من المقرر أن يصل إليه قبل وصوله بدقائق"، مضيفاً: "للعلم أقوى الضربات ضد أرامكو كانت في عهد ترامب".
من جهته، اعتبر الباحث السياسي، اليمني سيف المثنى، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الجمهوريين سيميلون إلى التهدئة في اليمن، ولن تظهر بوادر عودة الحرب إلى اليمن إلا في حال إذا كانت السعودية ستدفع كلفتها، وإذا وجد ترامب وحزبه (الجمهوري) من يدفع الكلفة ويكون في الصفوف الأمامية حينها سيتوجهون إلى الحرب، لكن التوقعات حتى هذه اللحظة مفادها أن الأمر سيبقى كما هو عليه، وربما يكون هناك تحركات داخلية لا تعني الولايات المتحدة ولا تعني السعودية، أي قد يكون دعماً فنياً أو دعماً لوجستياً".
ولفت المثنى إلى أن "التسوية السياسية الموجودة في اليمن ما زالت نهجاً أمريكياً، ورغبة سعودية أيضاً، لكن هناك تحركات بدأت قبل الانتخابات الأميركية، وتمّت عرقلتها من قبل مجلس الشيوخ الذي كان بيد الديمقراطيين، لكن الآن هناك شبه سيطرة للجمهوريين على الكونغرس بشقيه النواب والشيوخ، وهناك ستعاد مسألة إعادة تصنيف الحوثي جماعة إرهابية، الذي قدمه الجمهوريون".
وتوقع المثنى أن "ينتهج ترامب سياسة تهدف لفرض عقوبات أكبر من الناحية الاقتصادية على جماعة الحوثيين، وإعادة تصنيف الجماعة جماعة إرهابية، ومحاولة تقويض قدراتهم العسكرية بشكل أكبر وبحدة أكثر مما كان عليه إدارة بايدن، لكن ترامب في النهاية يعتمد على السعودية وما تقدمه في الملف اليمني".
متغيرات في غزة ولبنان
أما المحلل السياسي اليمني سعيد عقلان، فرأى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "فوز دونالد ترامب سيؤثر في الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية، خصوصاً أنه يأتي في ظل العديد من المتغيرات وفي مقدمتها حرب غزة والعدوان على لبنان، والتصعيد الإسرائيلي ضد إيران، والهجمات التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر".
وأضاف عقلان أن "ترامب سبق أن قام بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، ومن المحتمل أن يقوم بتحرك عسكري ضد الجماعة بعد أن أصبحت تستهدف المصالح الأمريكية بشكل مباشر في البحر الأحمر وخليج عدن، فهو معني أمام الأميركيين بشكل مباشر بالدفاع عن المصالح الأمريكية في المنطقة، ولذا فأنا أعتقد أنه سيصعّد اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً ضد الحوثيين، لكن هذا التصعيد سيكون بالتنسيق مع الشركاء في المنطقة وفي مقدمتهم السعودية والإمارات".
وأوضح عقلان أنه "من المؤكد أن يعيد ترامب تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وأن يفرض عقوبات اقتصادية على شخصيات قيادية في الجماعة، كما أنه قد يستهدف قيادات حوثية بغارات جوية في إطار التوجه لإضعاف الجماعة.
وبشكل عام فإن فوز دونالد ترامب سيعرقل جهود التسوية السياسية التي توقفت بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، وسيكون هناك تصعيد عسكري ضد الحوثيين، وهذا يعتمد أيضاً على ما يمكن تقديمه في هذا الجانب من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية، وعلى مدى استعداد الحكومة الشرعية لاستئناف العمليات العسكرية في ظل الانقسام الذي تعانيه عسكرياً، نتيجة وجود أكثر من جناح عسكري بولاءات متعددة لم يتم توحيدها حتى الآن. وبالمجمل فترامب قد يلجأ إلى الخيار العسكري، لكن الأقل كلفة".
(العربي الجديد)