تواصل خروج عشرات المحتجين في عدن جنوبي اليمن، الذين جابوا بعض شوارع المدينة، أمس الخميس، وأضرموا النيران في الإطارات، وقطعوا بعض الطرق الرئيسية، ونزعوا لافتات وصور قيادات المجلس الانتقالي (الانفصالي) ودولتي التحالف، احتجاجًا على التوقف الكلي لمنظومة الكهرباء، واستمرار تدهور قيمة العملة الوطنية، وسط استنفار قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وعرباته المدرعة تأهبًا لتوسع الاحتجاجات.
وشملت احتجاجات، مساء الأربعاء والخميس، مديريات المعلا والمنصورة وكريتر والشيخ عثمان وغيرها؛ تعبيرًا عن تصاعد السخط الشعبي، الذي من المتوقع أن يمتد لبقية المديريات، تنديدًا بتوقف الخدمات وتجلي الانهيار المعيشي في صورة مأساوية، كان آخر مشاهدها الكارثية خروج منظومة الكهرباء عن الخدمة منذ منتصف ليل الثلاثاء/ الأربعاء.
وذكرت تقارير إعلامية محلية ومقاطع فيديو متداولة في منصات التواصل الاجتماعي أن المتظاهرين الغاضبين حمّلوا الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي والتحالف مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في عدن، وبلغ بهم الغضب، وتحديدًا في منطقة المنصورة، لإزالة صور قيادات دولتي التحالف من على أسطح المدارس، مطالبين برحيل التحالف والحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي المسيطر على المدينة.
وندد المتظاهرون بسياسة الحكومة، ونهج التحالف، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والتي أفضت جميعها إلى تكريس معاناة الناس جراء استمرار الفساد والعبث وتوالي الوعود الكاذبة مع استمرار الأزمات.
وكانت عدن قد شهدت، الأربعاء، احتجاجات ليلية غاضبة، تنديدًا بما وصلت إليه حال المدينة، التي تتخذها الحكومة المعترف بها دوليًا عاصمة مؤقتة لها، من انقطاع كلي للكهرباء عن جميع مديريات المدينة، التي تعاني من أزمة مزمنة في الكهرباء منذ عشر سنوات دون حلول جذرية.
وطالبت هتافات المتظاهرين برحيل الحكومة والمجلس الانتقالي والتحالف، لعجزهم عن توفير أي حلول تضع حدًا لمعاناة الناس مع تردي جميع الخدمات وانقطاع كلي للكهرباء وتأثر خدمة ضخ المياه وخدمات المستشفيات، علاوة على الانهيار المستمر في سعر العملة الوطنية وما يترتب على ذلك من انهيار مستمر في الأوضاع المعيشية وصولًا إلى أحوال كارثية صار معها متوسط الراتب الحكومي، في حال التحصل عليه، لا يصل إلى خمسين دولارًا أمريكيًا.
رئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية في عدن، الصحافي عبدالحميد المساجدي، رأى في "الاحتجاجات التي شهدتها مدينة عدن مساء أمس الأربعاء واليوم الخميس تعبيرًا واضحًا عن استياء المواطنين من تردي الأوضاع المعيشية والخدمية. هذه الاحتجاجات، التي دعت إلى رحيل الحكومة والمجلس الانتقالي والتحالف، تُظهر تصاعد الغضب الشعبي نتيجة لتدهور الخدمات الأساسية، خاصة في قطاع الكهرباء والمياه".
وقال لـ "القدس العربي" إن "الوضع بحاجة إلى ثورة ضد الفساد والفشل والعجز على مختلف المستويات. ويبدو أن مسؤولي ملفي الخدمات والاقتصاد في الحكومة اليمنية المعترف بها في معزل عن معاناة الناس وهمومهم، وهذا يفسر البطء في الاستجابة".
يأتي هذا في حين أعلن رئيس مجلس الوزراء في الحكومة المعترف بها دوليًا، أحمد بن مبارك، "متابعة تنفيذ زيادة ضخ النفط الخام من حقول صافر لتغذية محطات الكهرباء في عدن بالوقود اللازم ابتداء من اليوم الخميس"؛ وهو ما يطرح سؤالًا مفاده: لماذا لم تتحرك الحكومة قبل انقطاع الكهرباء كليًا، لا سيما وقد أصدرت مؤسسة كهرباء عدن بيانًا ونداء وقبل ذلك صدر تنبيه عن حلف قبائل حضرموت؟
يقول المساجدي: "فيما يتعلق بتصريح رئيس مجلس الوزراء حول بدء ضخ النفط لمحطات التوليد ورؤيته لمعالجة مشكلة الكهرباء، يبدو أن هناك فجوة في التواصل بين الجهات المعنية. فقد أصدرت كهرباء عدن بيانًا ونداءً قبل التوقف الكلي لمحطة الرئيس، مما يشير إلى أن المشكلة كانت معروفة مسبقًا. ومع ذلك، فإن تصريح رئيس الوزراء يوحي بعدم إطلاعه على هذه التطورات في حينها، أو أنه مشغول بأمور يراها أكثر أهمية من هموم المواطنين؛ مما يثير تساؤلات حول آليات التنسيق وأولويات العمل الحكومي. كما أنه يفسر جانبًا من الصراع ومحاولات تسجيل نقاط، خاصة أن التوجيهات لضخ النفط من مأرب بدلًا عن نفط المسيلة التي أوقفها حلف حضرموت جاءت من رئيس مجلس القيادة لمحافظ مأرب عضو مجلس القيادة".
في كل الأحوال، يعتقد عبد الحميد المساجدي، أن "الوصول إلى الانقطاع التام للكهرباء يفسر إهمالًا ولامبالاة للحكومة تجاه المشاكل والتحديات، فالموضوع واضح من البداية، ابتداءً من احتجاج حلف قبائل حضرموت وتهديده بوقف ضخ النفط ما لم يستجب مجلس القيادة والحكومة للمطالب، ومن ثم إعلانه عن توقيف ضخ النفط وبعدها تحذيرات مؤسسة الكهرباء، وكلها مرت مرور الكرام على المسؤولين دون تحريك ساكن".
ويرى أن "هذه الأحداث بشكل عام تعكس الحاجة الملحة لتحسين التواصل بين الجهات الحكومية وتعزيز الاستجابة السريعة لمشاكل المواطنين، خاصة فيما يتعلق بالخدمات الأساسية مثل الكهرباء".
في الموازاة، سخر القيادي الجنوبي، هاني علي سالم البيض، في "تدوينة" من بيان الانتقالي الصادر، الأربعاء، والذي طالب فيه التحالف بتقديم دعم، محملًا المجلس الرئاسي والحكومة المسؤولية، وقد تناسى الانتقالي بذلك البيان أنه شريك في مجلسي الرئاسي والوزراء.
وقال البيض: "هذا الذي قدر عليه المجلس الانتقالي، ماكنش العشم!! بهكذا خطاب يظهر الانتقالي بشكل علني ورسمي عجزه وعدم مقدرته على فعل أي شيء للشعب الذي فوضه وائتمنه بتحمل المسؤولية ورعاية مصالحه الوطنية بكل الطرق الممكنة والمتاحة".
وأضاف: "التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخرين لن يحدث أي تغيير في تحسين الخدمات والحياة المعيشية للمواطنين، بل سيحدث مزيداً من فقدانه لثقة الناس وتصاعد السخط الشعبي على الجميع. عندما طلب المجلس أن يكون له دور في إطار الشرعية اليمنية وكان له ذلك، ثم قبل بالعمل السياسي والاقتصادي المشترك مع الأطراف السياسية الأخرى. لا أدري كيف فهمتها إدارته السياسية حينها، وعلى ماذا كان يعول، وعلى ماذا يراهن اليوم بهذا الموقف السلبي تجاه الأزمة الاقتصادية الخانقة وتدهور الأوضاع المعيشية والخدماتية لشعبه، وهو في دور المتفرج وحالة صنع التبريرات أحيانًا كثيرة أو إلقاء اللوم على الآخرين وباستمرارية".
إلى ذلك، قال رئيس مجلس الوزراء، أحمد بن مبارك، لوكالة الأنباء الحكومية، إنه "يتابع آليات تسريع وتنفيذ الحلول الإسعافية لتوفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن".
وذكرت الوكالة أن "الخميس سيشهد بدء عودة ضخ النفط الخام إلى محطات توليد الطاقة في عدن، لكن هذا ليس هو الهدف التي تسعى إليه الحكومة، مع حرصها الكامل وتفهمها لمعاناة المواطنين، لكنها تعمل بكل جهدها لتنفيذ إصلاحات حقيقية ومستدامة في هذا القطاع".
ونوه ابن مبارك "بضرورة إنفاق الأموال المخصصة للكهرباء بطريقة صحيحة بعيداً عن الهدر والفساد ومواصلة تفعيل منظومة الرقابة على مشتقات الوقود المخصصة للكهرباء".
وفي اجتماع لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، مع رئيس مجلس الوزراء والقيادات المعنية، الخميس، وجه العليمي، "بتسريع إجراءات توفير الوقود اللازم لإعادة تشغيل المنظومة الكهربائية في العاصمة المؤقتة عدن، والحد من المعاناة التي تسببت بها الانقطاعات المتكررة على كافة المستويات".
مزيد من الدولرة
في الموازاة، خسر الريال اليمني في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًا، الخميس، بعضًا من قيمته، في متوالية من الخسائر التي باتت محطاتها متقاربة، ووصل سعره، في تداولات سوق الصرف مقابل الدولار الأمريكي إلى 2270.
وأوضح الباحث والخبير الاقتصادي اليمنيّ، وحيد الفودعي، في تصريح لـ"القدس العربي"، أنه "مع استمرار غياب الحلول الجذرية وتفاقم الأزمات الاقتصادية، فإن انهيار العملة لن يتوقف عند هذا الحد، بل سيواصل التسارع بوتيرة أشد ضراوة، مما سيدفع الأسعار إلى مستويات خيالية تجعل الحياة شبه مستحيلة للمواطن العادي".
وقال: "السوق السوداء والمضاربات ستلتهم ما تبقى من قيمة الريال، فيما ستظل الحكومة عاجزة عن التدخل الفعلي، مكتفية بالتصريحات الجوفاء والوعود الوهمية، انهيار الثقة بالعملة المحلية سيؤدي إلى مزيد من الدولرة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية سيقود إلى مجاعة شاملة تفتك بالفئات الأشد ضعفًا، بينما سيزداد نفوذ تجار الحروب والمضاربين الذين يستفيدون من هذا الانهيار دون أدنى محاسبة".
وأضاف الفودعي، معتبرًا "الوضع الحالي ليس سوى بداية لمسار أكثر ظلمة، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن الحديث لن يكون عن انهيار العملة فحسب، بل عن انهيار شامل لكل مقومات الحياة الاقتصادية".
كذلك، قال في "تدوينة" إن ما يحصل "ليس سوى نتيجة طبيعية لغياب دور الحكومة وتجاهلها وعدم جديتها في وضع الحلول المناسبة، ونتيجة طبيعية أيضًا للظروف الاقتصادية المتردية التي تعيشها الشرعية، والتي لا يهمها سوى ملء بطونها، بغض النظر عن معاناة المواطن المسكين الذي لم يعد يجد قوت يومه".
(القدس العربي)