30 إبريل 2025
25 إبريل 2025
يمن فريدم-اندبندنت عربية-أسامة الطاف


مواجهة جديدة لأسباب قديمة بين الهند وباكستان تثير مخاوف حرب جديدة في إحدى أكثر المناطق مأهولة بالسكان في العالم وبين دولتين نوويتين بعد مقتل 26 سائحاً في كشمير الهندية على يد مسلحين في حادثة مزقت عملياً الصورة المثالية التي رسمتها الحكومة الهندية للمنطقة المتنازع عليها منذ إلغاء الحكم الذاتي للإقليم عام 2019.

وحاولت الحكومة الهندية جاهدة في اختلاق حال طبيعية في المناطق التي تسيطر عليها من كشمير والترويج لها على أنها قصمت ظهر الإرهابيين وحسمت القضية لصالحها. كما أنها كبحت جماح الساسة القوميين لتغلق الطريق أمام أي نقاش عن علاقة كشمير بالهند، لكن الحادثة الأخيرة أثبتت هشاشة هذه الصورة المختلقة ودفعت الجارتين النوويتين مرة أخرى إلى حافة المواجهة العسكرية، فما علاقة باكستان بالعملية الإرهابية؟ ولماذا سببت هذه المنطقة حروباً متتالية بين الدولتين؟ وهل ستقدم الهند على إجراء عسكري ضد باكستان؟

كيف أصبحت كشمير بؤرة الصراع؟

تعود الخلافات حول كشمير إلى عام 1946 عندما تم الاتفاق على أن الولايات الأميرية في الهند لها الحق في الالتحاق بباكستان أو الهند أو البقاء خارجهما ككيانات مستقلة بعد رحيل البريطانيين، وكان مبدأ التقسيم بين الدولتين على أساس ديني، إذ أعلن حكام المناطق ذات الغالبية المسلمة رغبتهم بالالتحاق بباكستان فيما ذهبت غالبية الولايات الأميرية الأخرى للهند.

لكن كشمير كانت تمثل حال استثنائية في هذا السياق، إذ كان غالبية سكانها مسلمون، وهو ما جعل باكستان ترى أنها يجب أن تلتحق بالدولة المسلمة الجديدة، لكن حاكم كشمير المهراجا هاري سينغ لم يكن مسلماً ما فتح الباب أمام قادة الهند أيضاً لإقناعه بالانضمام إلى الهند.

وبين هذا وذاك وتحت الضغوط الممارسة من الجانبين، تردد هاري سينغ في أخذ القرار وأبقى الولاية الأميرية مستقلة، لكن المشاعر الدينية والقومية المتأججة آنذاك في المنطقة لم تحتمل التأخير في حسم الأمر فثار سكان كشمير وظهر تمرد مسلح ضد هاري سينغ في بعض مناطق كشمير، وتزامنت معها مجازر طائفية دامية ضد المسلمين على يد المتطرفين السيخ والهندوس بدعم من المهراجا ليرد المسلمون بدورهم بمجازر مماثلة ضد الهندوس في المناطق التي سيطروا عليها خلال التمرد.

اشتعلت الأمور في كشمير وانطلقت الشرارة التي التهم لهيبها فيما بعد المنطقة كلها في ثلاثة حروب دامية، لجأ هاري سينغ إلى الهند للقضاء على التمرد المسلح مقابل وعد الانضمام ودعمت باكستان في المقابل المتمردين أملاً في الاستيلاء على كشمير، ومن هنا رسمت خطوط المواجهة بين الدولتين في الإقليم ذا الجمال الطبيعي والموقع الاستراتيجي، إذ أدخلت باكستان قواتها الرسمية ومسلحون بشتون إلى كشمير، فيما تولت القوات الهندية مهمة الحفاظ على حكم المهراجا، ومع انتهاء الحرب وتوقيع اتفاق الهدنة بين الجانبين كانت المناطق الشرقية والشمالية، والتي تشمل غيلغت وبلتستان وميربور تحت سيطرة القوات الموالية لباكستان، بينما نجحت الهند في الحفاظ على جامو ولداخ وأجزاء كبيرة من وادي كشمير.

ميدان كشمير مستعر دائماً

هدأت الأوضاع في كشمير موقتاً، وجلس القادة على طاولة الحوار، صمتت البنادق وبقيت مشاعر الغضب مكتومة في قلوب الكشميريين. في الأعوام المقبلة ومع امتناع الهند عن قبول قرارات الأمم المتحدة بإجراء استفتاء شعبي حول مستقبل المنطقة، عادت التوترات مجدداً، لا سيما في ظل محاولات باكستانية طامحة لاسترداد المناطق التي تقع تحت سيطرة الهند عام 1965 مستفيدة من حال الانهاك التي أصابت دلهي بعد حربها مع الصين عام 1962.

باءت محاولات باكستان بالفشل، وبدأت الهند حملة انتقامية شرسة على طول الحدود الباكستانية لتبدأ حرب أخرى بين الدولتين استمرت 17 يوماً وانتهت بمقتل آلاف الجنود من الجانبين. حرب 1965 لم تكن مختلفة عن حرب 1948 في عدم حسمها لقضية كشمير التي بقيت عالقة بين دعاوى الطرفين.

المفارقة العجيبة هي أن كشمير الباكستانية كانت أكثر استقراراً من الناحية الأمنية والسياسية على رغم التغييرات المتكررة في الحكومة المركزية في باكستان، بخلاف كشمير الهندية التي شهدت تحولات سياسية وانقلابات وخلافات الأحزاب المحلية مع الحكومة المركزية على رغم استمرارية النظام السياسي في الهند.

إحدى نتائج الاضطرابات الداخلية في كشمير الهندية كانت صعود المطالبين بالاستقلال وضلوعهم في أعمال عسكرية ضد أفراد الأمن، لا سيما بعد شبهات حول تزوير الانتخابات الإقليمية بكشمير عام 1987 ضد الجماعات الإسلامية، ومع انتشار حال التمرد هناك بدأت باكستان بتسليح ودعم تلك الجهات ضد الإدارة الهندية.

تتهم نيودلهي إسلام آباد بالوقوف خلف الهجمات الإرهابية في كشمير. وعلى رغم تراجع باكستان عن سياسة تسليح ودعم الانفصاليين في كشمير بعد ضلوعهم في هجمات على رؤساء باكستان مطلع القرن الواحد والعشرين إلا أن الهند ما زالت تحشد الدعم الدولي ضد جارتها وتتهمها بدعم العمليات العسكرية الإرهابية العابرة للحدود.

ديناميكيات الصراع تتغير

عقب أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 والإجماع الدولي على مكافحة الإرهاب، أصبح من الصعب على إسلام آباد دعم الجماعات الإرهابية. من جانب آخر، حل الاستقرار السياسي والتحسن الاقتصادي محل قضية كشمير في قائمة الأولويات للدولتين، وحدثت محاولات حقيقية لحل القضية سلمياً وبناء علاقات قوية بين باكستان والهند، لا سيما أن كليهما بات يمتلك السلاح النووي الذي قلل من احتمالية حدوث حرب تقليدية أخرى بينهما.

لكن أحداثاً إرهابية مثل هجمات مومباي عام 2007 واعتقال باكستان لضابط هندي بتهمة التجسس عام 2016 خلقت حال عدم الثقة وأحدثت فجوة بين الجانبين، كما أن حركات احتجاجية كبرى في كشمير الهندية بعد مقتل برهان واني عام 2016 أثبتت أن الغضب الشعبي قائم بغض النظر عن موقف باكستان من القضية.

حاولت الهند في الأعوام الأخيرة بفضل قوتها الاقتصادية ومكانتها المتنامية على الساحة الدولية إنهاء النقاش حول إمكان استرداد المناطق التي تسيطر عليها في كشمير، وقمعت التظاهرات الشعبية بقوة، وكبحت جماح الأصوات المطالبة بالحقوق داخل كشمير.

هجوم بولواما وإلغاء الحكم الذاتي

في ظل محاولات الحكومة الهندية لتسوية القضية لصالحها، حدث هجوم كبير على قوات الشرطة الاحتياط في مقاطعة بولواما في كشمير الهندية، وكاد الهجوم أن يتحول إلى حرب أخرى بين باكستان والهند، لكن الأطراف الدولية تدخلت لتهدئة الأوضاع بعد غارات هندية داخل الأراضي الباكستانية من جهة وإسقاط باكستان لطائرة حربية هندية وأسر طيارها من جهة أخرى.

وبعد تهدئة الأوضاع استمرت الهند في سياستها لخلق واقع جديد ينهي أي نقاش حول علاقة كشمير بالهند وألغت في خطوة غير مسبوقة الحكم الذاتي لإقليم كشمير في 5 فبراير (شباط) 2019 واعتقلت في اليوم نفسه جميع القادة السياسيين في كشمير الهندية وأغلقت الإنترنت والهواتف المحمولة وخطوط الهاتف الثابت.

الهجوم الأخير على السائحين جاء في هذا السياق، إذ مثل تمزيقاً للحالة الطبيعية التي رسمتها الهند في أعقاب إلغاء الحكم الذاتي في المنطقة. واتهمت الهند هذه المرة أيضاً إسلام آباد بالوقوف خلف الهجوم وأعلنت تعليق العمل بمعاهدة تقسيم مياه الأنهار التي حافظ عليها الجانبان حتى أثناء الحروب، كما خفضت تمثيلها الدبلوماسي وألغت تأشيرات الزائرين الباكستانيين.

من جانب آخر ردت الحكومة الباكستانية بإجراءات مماثلة وأعلنت أن قطع المياه ستعدها إسلام آباد إعلان حرب، كما أغلقت حدودها الجوية أمام الطائرات الهندية.

يتوعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحلفائه باتخاذ إجراءات صارمة ضد من "يقف وراء" الإرهابيين في تهديد غير مباشر لباكستان، لكن ليس من الواضح إن كانت نيودلهي ستلجأ إلى عمل عسكري على المصالح الباكستانية أم أنها ستكتفي بالإجراءات التي أعلنت عنها.

ويتوقع المتخصصون أن أي عمل عسكري من أحد الجانبين سيثير رد فعل معاكساً، وقد يجر المنطقة إلى حرب دامية أخرى.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI