12 يونيو 2025
آخر الاخبار
10 يونيو 2025
يمن فريدم-إنجي مجدي


في صباح الجمعة السادس من يونيو/ حزيران الحالي، نفذت وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية مداهمات في مناطق تسويق في مدينة لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا بحثاً عن عمال يشتبه في كونهم مهاجرين غير شرعيين، في إطار التركيز الجديد لإدارة الرئيس دونالد ترمب على مداهمة أماكن العمل وترحيل المهاجرين، في إطار تعهده بالتصدي للهجرة غير الشرعية.

جرى تنفيذ هذه المداهمات بصورة أساس في ضواحي ويستليك وباراماونت جنوب لوس أنجليس، ذات الغالبية اللاتينية التي تمثل نحو 82% من السكان، وسرعان ما خرج مئات إلى الشوارع للاحتجاج ضد عمليات الشرطة في حق المهاجرين، ورددوا هتافات وألقوا البيض قبل أن يجري تفريقهم من قوات إنفاذ القانون باستخدام رذاذ الفلفل.

وتدريجاً توسعت هذه الاحتجاجات في الولاية المعروفة بأنها ملاذ آمن للمهاجرين لا سيما من يعيشون داخل الولايات المتحدة من دون وثائق، واستمرت المظاهرات يوم السبت، في كل من وسط مدينة لوس أنجليس وفي ضاحية باراماونت.

وأجرت قوات إنفاذ القانون اعتقالات، واستخدمت في بعض الحالات ذخائر للسيطرة على الحشود والغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت ضد المتظاهرين.

وفي محاولة للسيطرة على الأمر سريعاً، وقع ترمب مذكرة مساء السبت، يأمر فيها بنشر 2000 من أفراد الحرس الوطني في لوس أنجليس لحماية الضباط الفيدراليين الذين يجرون المداهمات الخاصة بالهجرة، على رغم اعتراضات حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم وعمدة مدينة لوس أنجليس كارين باس.

عنف وفوضى

ومع تواصل الاحتجاجات الأحد، كانت المواجهات بالقرب من مركز احتجاز في وسط المدينة سلمية إلى حد كبير وفق وصف صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، ومع ذلك فإن بعض المتظاهرين أطلقوا ألعاباً نارية على الشرطة تحت جسر على الطريق السريع الأمريكي 101.

وأضرمت النيران في عدد من سيارات وايمو ذاتية القيادة في وسط مدينة لوس أنجليس، وتحدثت تقارير عن عمليات نهب.

وأفادت صحف أميركية نقلاً عن شرطة لوس أنجليس، بأن مجموعة ما ألقت مفرقعات نارية على الضباط، بينما نهبت مجموعة أخرى محال تجارية بالقرب من شارعي السادس وبرودواي. وقال رئيس شرطة لوس أنجليس جيم ماكدونيل، وفقاً لشبكة "إن بي سي"، "نحن غارقون في الفوضى"، وأضاف "الليلة رأينا أفراداً يطلقون ألعاباً نارية على ضباطنا، هذا كفيل بقتلك".

بحلول الأحد كان قد جرى اعتقال أكثر من 150 شخصاً في لوس أنجليس، إذ تفاقمت الاحتجاجات وازدادت عنفاً، بسبب "الفوضويين" و"من يفعلون ذلك باستمرار"، وليس من المحتجين على مداهمات الهجرة، وفق تصريحات ماكدونيل للصحافيين. كما ألقي القبض على نحو 60 آخرين في مدينة سان فرانسيسكو التي تقع شمال ولاية كاليفورنيا وتبعد نحو 380 ميلاً من لوس انجليس، إذ اشتبك المتظاهرون ورجال الشرطة في أحد شوارع وسط المدينة مساء الأحد.

هجوم ديمقراطي على ترمب

وفي خضم هذا المشهد، دان قادة الحزب الديمقراطي في كاليفورنيا قرار ترمب بنشر الحرس الوطني، ووصفه نيوسوم بأنه "تحريض متعمد"، داعياً وعمدة لوس أنجليس إلى إلغاء الأمر. لكن ماكدونيل، أبدى موقفاً مختلفاً، قائلاً إن الشرطة لم تكن لتطلب المساعدة من الحرس الوطني، لكن "بالنظر إلى العنف الذي وقع اليوم، أعتقد أنه يتعين علينا إعادة تقييم الوضع".

ودعت باس، إلى احتجاجات سلمية مساء الأحد، وفي الوقت نفسه نفت ادعاءات الرئيس ترمب بأن مداهمات إدارة الهجرة والجمارك تستهدف فقط المهاجرين ذوي السوابق الإجرامية.

وقالت باس إن "ما نشهده في لوس أنجليس هو فوضى تثيرها الإدارة، عندما تداهمون متاجر هوم ديبوت وأماكن العمل، وعندما تفرقون بين الآباء والأبناء، وعندما تسيرون قوافل مدرعة في شوارعنا، فإنكم تثيرون الخوف والذعر".

وانتقدت منظمة العفو الدولية أمر ترمب بنشر قوات الحرس الوطني في لوس أنجليس، وقال المدير التنفيذي للمنظمة في الولايات المتحدة بول أوبراين إن القرار "يظهر أن إدارة ترمب مستعدة لفعل كل ما يلزم - بما في ذلك نشر قوات عسكرية - لاستهداف ومعاقبة من يدافعون عن حقوق الإنسان"، معتبراً أن الأمر يمثل "عسكرة" في إنفاذ قوانين الهجرة "في الرد على ممارسة الناس لحقهم في حرية التعبير"، وهو "ما لا يجب أن يكون له مكان في بلد يدعى قيم العدالة وحقوق الإنسان".

دور الحرس الوطني

ويتمثل دور الحرس الوطني في حماية العملاء الفيدراليين، بمن فيهم موظفو وكالة الهجرة والجمارك ووزارة الأمن الداخلي، أثناء قيامهم بأداء مهماتهم، إذ لن تجري القوات مداهمات خاصة بها للتفتيش عن المهاجرين غير الشرعيين أو ممارسة أعمال الشرطة الاعتيادية، وهو دور شرطة لوس أنجليس.

ووفق شبكة "سي بي أس" الأمريكية، يحظر القانون عموماً الاستخدام المحلي للقوات الفيدرالية لإنفاذ القانون المدني، ما عدا بعض الاستثناءات مثل قانون التمرد. وعلى رغم أن ترمب هدد باستخدام هذا القانون سابقاً خلال احتجاجات "حياة السود مهمة" عام 2020، إلا أنه لم يفعل ذلك خلال الاحتجاجات الحالية.

استدعاء الحرس الوطني هو الأول منذ احتجاجات رودني كينغ عام 1992، وهي من أشهر المظاهرات في تاريخ لوس أنجليس والولايات المتحدة. واندلعت الاحتجاجات وأعمال الشغب المميتة بعد تبرئة أربعة ضباط بيض في إدارة شرطة لوس أنجليس من الضرب الوحشي الذي تعرض له السائق الأسود رودني كينغ عام 1991، واستمرت أعمال الشغب نحو أسبوع وخلفت أكثر من 50 قتيلاً وأكثر من ألفي جريح.

وأمر الرئيس جورج بوش الأب آنذاك بنشر آلاف من أفراد الحرس الوطني، إلى جانب آلاف الجنود ومشاة البحرية الأمريكية، لكن بموجب توافق مع حاكم الولاية.

ضبط الفوضى

ودافع حلفاء ترمب عن قراره بنشر الحرس الوطني باعتباره ضبطاً للنظام، كما دعوا إلى تنفيذ القانون في مواجهة مشاهد العنف والفوضى من المحتجين. ونشرت الصحف الأمريكية المحافظة صوراً لمشاهد حرق السيارات وعنف المتظاهرين، ومن بين الصور الأكثر تداولاً شاب ملثم عاري الصدر يعتلي سيارة وايمو مطلية بالطلاء ويلوح بعلم المكسيك، بينما تشتعل النيران ويتصاعد الدخان خلفه. ونشر الملياردير الأمريكي إيلون ماسك على حسابه على منصة "أكس"، مرفقاً بتعليق "هذا غير مقبول".

وأفادت صحيفة "نيويورك بوست"، بأن شركة وايمو، المملوكة للشركة الأم لـ"غوغل"، أوقفت خدمة مشاركة الركوب بعد عمليات التخريب، إذ تقدر كلفة سيارة ذاتية القيادة واحدة ما لا يقل عن 150 ألف دولار.

ووفق الصحيفة الأمريكية، ظهر عدد من المشاركين في الاحتجاجات وهم يرتدون رموزاً غير أمريكية، منها أعلام المكسيك وفلسطين، وحملوا لافتات تندد بإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، بينما تعالت هتافات مثل "ارحل!" في الشوارع.

وقال وزير الدفاع بيت هيغسيث بأنه سيجري إرسال مشاة البحرية الأميركية العاملين في الخدمة الفعلية المتمركزين في معسكر بندلتون القريب إذا لزم الأمر، وأنهم في "حالة تأهب قصوى".

3 آلاف عملية اعتقال يومياً

وتعد المداهمات الأخيرة جزءاً من سعي ترمب إلى تنفيذ "أكبر عملية ترحيل" في تاريخ الولايات المتحدة، وكانت لوس أنجليس، حيث ولد أكثر من ثلث سكانها خارج الولايات المتحدة، هدفا رئيساً للعمليات.

ومطلع مايو/ أيار الماضي، أعلنت إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية، أنها ألقت القبض على 239 مهاجراً غير موثق خلال عملية استمرت أسبوعاً في منطقة لوس أنجليس، إذ قل إجمالي عمليات الاعتقال والترحيل عن توقعات ترمب.

والشهر الجاري، رفع البيت الأبيض سقف هدفه بأن يجري مسؤولو إدارة الهجرة والجمارك ما لا يقل عن 3 آلاف عملية اعتقال يومياً.

وسّعت السلطات نطاق بحثها بصورة متزايدة لتشمل أماكن العمل مثل المطاعم ومتاجر التجزئة، وشملت حملة الترحيل الطموحة نقل المهاجرين إلى سجن كبير في السلفادور، بمن فيهم مهاجر واحد في الأقل كان موجوداً في الولايات المتحدة بصورة قانونية، وقوبل عدد من إجراءات ترمب بطعون قانونية.

انقسام مجتمعي

ووفق وسائل إعلام أمريكية، فإنه لا توجد مؤشرات تذكر على أن الاحتجاجات التي اندلعت في مناطق بوسط مدينة لوس أنجليس والضواحي المجاورة، وكذلك في سان فرانسيسكو، ستهدأ سريعاً.

وفي مقاله بمجلة "ذا أتلانتيك"، أعرب الكاتب الأمريكي كونور فريدرسدروف عن خشيته من احتمال تصاعد الاحتجاجات، بالنظر أولاً إلى حالة الاستقطاب والانقسام الواسعة في المجتمع الأمريكي بين مؤيدي ترمب، كما أن بيئة وسائل التواصل الاجتماعي اليوم تسهل نقل المعلومات بسرعة عن أماكن مداهمات الترحيل، مما يمكن ليس فقط المتظاهرين السلميين، بل أيضاً من قد يكونون مثيري فوضى من التوجه إلى موقع الحدث.

كما يعتقد الكاتب أن ترمب لديه دافع قوي لتحويل انتباه الرأي العام بعيداً من خلافه مع إيلون ماسك، ونسبة تأييده المتدنية في ما يتعلق بالاقتصاد، والصراع حول مشروع قانون الإنفاق الذي أحدث انقساماً داخل تحالفه، كما أن إنفاذ قوانين الهجرة هو موضوع ما زال يحظى فيه بتأييد نسبي. علاوة على ذلك، يتعلق هذا الصدام بعمليات ترحيل تبدو قانونية، على عكس عمليات الترحيل غير الدستورية التي نفذها ترمب سابقاً بإرسال أجانب إلى سجن في السلفادور.

ومن جانب آخر، يشير الكاتب إلى أن مسؤولي كاليفورنيا لديهم أيضاً دوافع للتركيز على معارضة ترمب بدلاً من إعادة الهدوء لحماية الأبرياء. وتظهر استطلاعات الرأي في الولاية التي يسيطر عليها الديمقراطيون، أن ترمب أكثر كرهاً فيها منه في بقية البلاد، وأن قضية الهجرة تمثل نقطة ضعف كبيرة له محلياً.

ويقول فريدرسدروف إنه من المؤكد أن المشاعر في لوس أنجليس أكثر عداء لموقف ترمب، وتكمن الأخطار لسكان المدينة الذين لديهم أفراد عائلة وأصدقاء يعيشون هناك من دون وضع قانوني، ففي احتجاجهم، سواء داخل إطار القانون أم خارجه، يسعى كثيرون إلى حماية مجتمعاتهم أو حتى أسرهم ذاتها.

وجعلت تصرفات ترمب غير القانونية عدداً منهم يخشون ألا تتم فقط إعادة أحبائهم لبلادهم الأصلية، بل أن يكون "اختفاؤهم" داخل نظام سجون نظام استبدادي.

وفي حين قد ينجح ترمب في كسب الرأي العام، لكن إذا بدا أنه يتسبب في تصعيد غير ضروري يتبعه سفك للدماء، فقد يدرك مزيد من الأميركيين أن الرجل نفسه كان رئيساً خلال عنف صيف 2020 وعنف السادس من يناير/ كانون الثاني 2021، وعنف اليوم. فسواء ألقي باللوم على ترمب نفسه أم على كارهيه، يقول الكاتب إن هذا المشهد المحزن والخطر، إذ يتصارع الأمريكيون في ما بينهم، يحدث كثيراً بصورة مثيرة للقلق عندما يكون ترمب في البيت الأبيض، فأي رئيس يضع في اعتباره مصلحة أميركا طويلة الأجل والتحديات العالمية العديدة التي تواجهها، كان سيحاول خفض حدة التوتر، بدلاً من إشعال صراع قد يؤدي إلى نتائج مميتة.

(اندبندنت عربية)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI