مع وصول المواجهات بين إسرائيل وإيران إلى مرحلة "الحرب المفتوحة"، على إثر الهجوم الواسع الذي شنته إسرائيل ضد إيران في 13 يونيو الجاري، واستهدف منشآت نووية وعسكرية، فضلاً عن اغتيال عدد من القادة الإيرانيين، بات الباب مفتوحاً على مصراعيه في منطقة الشرق الأوسط أمام العديد من التداعيات والسيناريوهات التي يغلب عليها سيادة أنماط من عدم الاستقرار.
تُثار العديد من التساؤلات بخصوص موقف ميليشيا الحوثيين في اليمن، من الحلقة الراهنة في مسار التصعيد، خصوصاً مع تحول جبهة الحوثيين إلى جبهة رئيسية بالنسبة لإسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، فضلاً عن علاقة الارتباطية والتبعية بين الحوثيين في اليمن وبين إيران، وهي التساؤلات التي ستحاول هذه الورقة الإجابة عنها، من خلال التركيز على السمات الرئيسية التي حكمت تعامل التنظيم اليمني مع الأحداث الأخيرة، فضلاً عن طبيعة المحددات التي تحكم تعاطيه مع دورة التصعيد الراهنة.
أولاً: كيف تعاطى الحوثيون مع التصعيد الراهن؟
أصبح الحوثيون في اليمن أحد المحاور الرئيسية بالنسبة لما يُعرف بـ "محور المقاومة" من خلال التصعيد ضد إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، وزادت أهمية هذه الجبهة باعتبارها الجبهة الوحيدة التي لم يتم حسم مآلاتها على مستوى التصعيد مع إسرائيل، خصوصاً وأن الجماعة استمرت في تبني ما تسميه بـ "سياسة الإسناد لغزة"، وفي هذا السياق يمكن رصد أبرز السمات التي غلبت على تعاطي الحوثيين مع التصعيد الإيراني الإسرائيلي الجاري في ضوء الآتي:
التلويح بـ "التصعيد النوعي": بالتزامن مع بروز مؤشرات عديدة على توجه إسرائيل نحو توجيه ضربات نوعية ضد إيران وبرنامجها النووي، خرجت جماعة الحوثيين في 11 يونيو الجاري، بتصريح لوحت فيه بامتلاكها صواريخ أكثر تطوراً وفاعلية، قالت إنها لم تستخدمها حتى الآن، ولوح رئيس ما يعرف بـ "المجلس السياسي" للجماعة مهدي المشاط، بأن الهجمات الجديدة ستكون أكثر عشوائية، محذراً سفارات الدول في إسرائيل من إبقاء مقارها جوار الأهداف التي ستتعرض للهجوم، مع دعوته للتنسيق مع جماعته لمعرفة هذه الأهداف.
رغم تزامن هذه التصريحات مع مؤشرات تعكس نوايا إسرائيل بتوجيه ضربات لإيران، إلا أن هذه التصريحات كانت مرتبطة إلى حد كبير باعتبارات أخرى مرتبطة بجبهة الحوثيين نفسها مع إسرائيل، وذلك في ضوء بعض الاعتبارات الرئيسية، فقد جاءت تلك التصريحات في أعقاب هجمات إسرائيلية عنيفة على ميناء الحديدة، استخدمت فيها تل أبيب صواريخ السفن الحربية للمرة الأولى، فضلاً عن تلويح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بفرض حصار بحري وجوي على مناطق سيطرة الجماعة، ما يجعل تلك التصريحات مجرد رد فعل على الهجمات الإسرائيلية، وسعياً لرفع معنويات أنصار الجماعة، فضلاً عن أن هجمات الحوثيين السابقة، حتى وإن أثرت نسبياً على إسرائيل، إلا أنها لم تسبب خسائر بشرية كبيرة، وبالتالي سعت الجماعة إلى بعث رسائل بأنها تملك المزيد من الأدوات العسكرية التي يُمكن أن تمثل تهديداً كبيراً لإسرائيل.
يوم السبت 14 يونيو، بموقف داعم لإيران، حيث أعلن عبد الملك الحوثي، أن جماعته تؤيد الرد الإيراني "وهي شريكة مع إيران في الموقف بكل ما تستطيع"، معتبراً أن "العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية يأتي في سياق استهداف غربي يرى فيها أنموذجا مستقلاً داعماً للقضية الفلسطينية"، ووصف الحوثي العدوان الإسرائيلي على إيران بأنه "مكشوف، بلطجي وقح، لا يراعي أي اعتبارات" وأنه "اعتداء ظالم وإجرامي استهدف قادة عسكريين إيرانيين وعلماء في المجال النووي وأبناء الشعب الإيراني" وفق تعبيره.
اعتبر الحوثي أن إجماع الدول العربية والإسلامية على إدانة العدوان الإسرائيلي على إيران، "شيء جيد وإيجابي، ويجب أن يكون الموقف السياسي والإعلامي وكل المستويات مسانداً للجمهورية الإسلامية باعتبارها معتدى عليها"، مؤكداً أن "العدوان على إيران يحمل مخاطرة على مستوى المنطقة بكلها"، وكان المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين قد دان بأشد العبارات ما وصفه "بالعدوان الصهيوني السافر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، مؤكداً حق إيران في الرد الرادع على العدوان الأرعن"، ومعتبراً أنه "يأتي نتيجة لمواقف إيران المشرفة والداعمة لفلسطين وقضيتها العادلة".
في سياق متصل، أشار القيادي الحوثي محمد البخيتي، في تصريحات بتاريخ 17 يونيو الجاري، إلى أن الجماعة ستتدخل لدعم إيران ضد إسرائيل، مثلما فعلت لدعم الفلسطينيين في قطاع غزة، مشيراً إلى وجود تنسيق مع طهران خلال تصعيدها العسكري المستمر مع إسرائيل، وعلى نفس المنوال أكد مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، إن "لإيران الحق الكامل في ضرب مصالح أي دولة تشارك العدو الصهيوني في اعتداءاته" وفق تعبيره، وأضاف أن "إيران ليست لقمة سائغة، ولديها القدرة الكافية للرد، وعلاقات واتفاقيات واسعة مع دول كثيرة"وفق تعبيره في تصريحات نشرتها منصات تابعة للحوثيين.
تعكس التصريحات السابقة مجموعة من الدلالات المهمة، خصوصاً فيما يتعلق بإرجاء ورقة تدخل الحوثيين بشكل كبير في التصعيد الجاري، وهو أمر يأتي في إطار المقاربة الإيرانية التي تُركز حالياً على ما يمكن تسميته بـ "الاقتصاد والتدرج في توظيف أوراق الضغط"، وهي الأوراق التي تشمل المجموعات المسلحة المنتشرة في المنطقة وخصوصاً الحوثيين، بمعنى أن إيران تُرجئ استخدام هذه الأوراق لمراحل لاحقة.
محاولة إسرائيل اغتيال رئيس أركان الحوثيين: جاءت أهم تجليات التصعيد الإيراني الإسرائيلي ذات الارتباط بالجبهة اليمنية، بعدما أفادت وسائل إعلام عبرية بأن القوات الجوية الإسرائيلية نفذت عملية اغتيال في اليمن، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول قوله إنه إذا نجحت العملية في اليمن فستكون بالغة الأهمية، ونقلت تقارير عن مسؤولين إسرائيليين أن إسرائيل حاولت اغتيال رئيس هيئة الأركان العامة للقوات التابعة لجماعة الحوثيين، محمد عبد الكريم الغماري، وجاءت هذه الغارات الإسرائيلية في اليمن بالتزامن مع غارات أخرى في إيران.
ارتبطت أهمية هذه العملية بمجموعة من الاعتبارات الرئيسية: أولها أن هذه هي العملية الأولى الإسرائيلية تجاه الحوثيين منذ بدء التصعيد الإسرائيلي الإيراني؛ وثانيها أن هذه العملية هي الأولى أيضاً على مستوى محاولة اغتيال إسرائيل لقيادات حوثية؛ وثالثها أن العملية جاءت لتحقيق أحد أمرين، فإما أن إسرائيل وصلتها معلومات استخباراتية بخصوص قيادات حوثية فأرادت عدم تضييع الفرصة، أو أنها أرادت - عبر العملية - جر الحوثيين إلى التصعيد إلى جانب إيران، بما يدفع الإدارة الأمريكية نحو التدخل في التصعيد الراهن.
ثانياً: المحددات الخاصة بموقف الحوثيين
تبنت جماعة الحوثيين (حتى وقت كتابة هذه الورقة) مقاربة حذرة إلى حد كبير تجاه التصعيد الراهن بين إسرائيل وإيران، وهي المقاربة التي ترتبط بجملة من الاعتبارات والمحددات الرئيسية، وذلك على النحو التالي:
حالة الارتباك التي أصابت إيران: تحقق في الهجوم الإسرائيلي الأخير عنصر "المفاجأة" وذهبت أكثر التقديرات إلى أن إيران قد "خُدعت استراتيجياً"، الأمر الذي أدى إلى اغتيال العديد من القادة الإيرانيين العسكريين خصوصاً، ويبدو أن الجماعة الحوثية لم تتلقَ بعد تعليمات جديدة بخصوص التصعيد المرتقب والمنتظر منها، سواء على صعيد تكثيف إطلاق الصواريخ والمسيّرات، أو على صعيد العودة للهجمات في البحر الأحمر وخليج عدن، ويبدو أن هذا الأمر أيضاً له ارتباط بمجموعة الاغتيالات التي جرت للعديد من القادة الإيرانيين العسكريين، خصوصاً وأن الاغتيالات شملت قادة عسكريين كانوا مسؤولين عن الارتباطات الخارجية والأذرع الإيرانية في المنطقة لا سيما اللواء حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري الإيراني.
المقاربة الإيرانية تجاه التصعيد الإسرائيلي: لا يمكن الفصل بين هذا الموقف الحوثي الحذر تجاه التصعيد الراهن وبين المقاربة الإيرانية إجمالاً للتعامل مع التصعيد الإسرائيلي الأخير، خصوصاً وأن كافة المؤشرات تكشف أن إيران تعتمد على جملة من الركائز الأساسية: أولها الاستمرار في سياسة "الصبر الاستراتيجي" و"التدرج في التصعيد" بما يضمن تقليل تكلفة المواجهة، وعدم الدخول حالياً في مرحلة المواجهة الشاملة التي تتجاوز كل المحاذير؛ وثانيها أن الحوثيين كأقرانهم من الأذرع الإيرانية في المنطقة، لا يملكون مساحة للمناورة خارج إطار التوجيهات الإيرانية، بمعنى أن الجماعة بانتظار تحديث الأوامر الإيرانية؛ وثالثها أن إيران تريد الاحتفاظ ببعض أوراق الضغط وكذا بعض الأدوات النوعية في إطار التصعيد الراهن، ما يعني عملياً إرجاء الاعتماد ورقة الأذرع في المنطقة حالياً.
الاعتبارات المرتبطة بالعامل الأمريكي: يرتبط الموقف الحوثي الحذر حتى اللحظة تجاه التصعيد الإيراني الإسرائيلي الراهن، بالعامل الأمريكي أيضا، وذلك على أكثر من مستوى، خصوصاً فيما يتصل بعدم سعي الحوثيين حالياً إلى خرق الاتفاق الذي توصلوا إليه مع الإدارة الأمريكية بوساطة عمانية، من خلال عمليات غير محسوبة في منطقة البحر الأحمر، فضلاً عن أن التدخل والتصعيد الحوثي في البحر الأحمر أو تجاه المصالح الأمريكية سوف يتبعه عملياً عودة الهجمات الأمريكية، وربما بشكل أكثر عنفاً تجاه الحوثيين.
التخوف من الانكشاف الاستخباراتي: في ضوء الاختراق الإسرائيلي الكبير لإيران، الذي تجلى بشكل واضح في الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، وما شملته من عمليات اغتيال، فضلاً عن تجربة حزب الله اللبناني وعملية الاختراق التي تمت للحزب، يبدو أن الحوثيين يتخوفون حالياً من فكرة "الانكشاف الاستخباراتي" أمام إسرائيل، بما يعرض قادة الصف الأول والثاني في الجماعة لتهديدات كبيرة وعمليات اغتيال محتملة، وهي التخوفات التي تنعكس في إحجامها عن الانخراط بشكل كبير في التصعيد الراهن، فضلاً عن أنها تدفع باتجاه المزيد من الإجراءات الاحترازية والأمنية لتأمين قيادتها.
بشكل عام، يبدو أن مسألة انخراط الحوثيين في التصعيد الجاري بين إيران وإسرائيل، سوف تكون محكومة ببعض المحددات الرئيسية، خصوصاً ما يتصل بمدى الانخراط الأمريكي المباشر في الحرب الجارية، ومدى قدرة إيران على الصمود دون استخدام كل أوراقها، بما في ذلك ورقة الوكلاء في المنطقة وعلى رأسهم الحوثيون، لكن المؤكد أن إيران في حالة الوصول إلى ذروة الضغوط والاستنزاف سوف تلجأ إلى تحريك كافة أذرعها وأدواتها، على اعتبار أن الحرب في هذه اللحظة سوف تكون حرب وجود بالنسبة لنظام الملالي في إيران.
المصدر: مركز اليمن والخليج للدراسات