في مطلع فبراير/ شباط الماضي، عيّن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اللواء إيال زامير، المدير التنفيذي لوزارة الدفاع، رئيساً لأركان الجيش الـ24، على وقع الحرب التي يشنها على قطاع غزة وما نجم عنها من تداعيات لاهبة وتحديات مركبة تشهدها المنطقة على نحو غير مسبوق.
ومثلما أثارت الخلفية المهنية لزامير، النقاش خصوصاً أن التعيين يأتي في فترة مفصلية تعيشها إسرائيل، كذلك برزت الخلفية العرقية للرجل الآتي من سلاح المدرعات بسيرة مهنية رفيعة، لأب ينحدر من محافظة عمران المحاذية للعاصمة اليمنية صنعاء (شمال اليمن).
الدفاع عن إسرائيل
كان لافتاً الكشف عن أصول الرجل الأول في الجيش الإسرائيلي الذي سيخوض عقب أشهر من تعيينه حرباً ضروساً مع إيران، فضلاً عن التحديات القائمة التي فرضتها الأذرع التابعة لها في المنطقة العربية، وتقع في طليعتها ميليشيات الحوثي التي تسيطر على أرض أبيه وجده في عمران، إضافة إلى العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات المجاورة لها.
ولم يكُن غريباً دخول اليهود اليمنيين في السلك العسكري والسياسي الإسرائيلي، ولكن المفارقة أن زامير (59 سنة)، المنحدر من المنطقة التي هاجر منها جده إلى فلسطين عام 1920 والتي باتت تشكل اليوم واحدة من أكبر المخازن البشرية التي تمد ميليشيات الحوثي الموالية لإيران بالمقاتلين، سيتولى ضربها بنفسه، كما حدث مطلع مايو/ أيار الماضي، رداً على ضربات الحوثيين الصاروخية نحو إسرائيل بحجة مناصرة الفلسطينيين، قبل أن يتولى قيادة معركة "الأسد الصاعد 3" التي انطلقت ضد إيران فجر الـ13 من يونيو/ حزيران الجاري.
إلمام تاريخي
وُلد زامير في مدينة إيلات، حيث يقيم والده الضابط في الجيش الإسرائيلي برتبة مقدّم، ونشأ هناك حتى سن الـ14. أما جده، فجاء من اليمن وخدم مقاتلاً في صفوف منظمة "إيتسل"، وأُصيب مرتين خلال مشاركته في عملياتها. أما والدته، فوُلدت في إسرائيل وعاشت في القدس وتنحدر من عائلة العبادي، وهي عائلة يهودية ذات أصول سورية من مدينة حلب.
هذه الخلفيات العائلية تطرح تساؤلات حول مدى استفادة زامير من أصوله في الحرب الدائرة ضد الحوثيين التي تتّسع معها رقعة السخط الشعبي اليمني. فهل تمنحه جذوره معرفة اجتماعية وفكرية تؤهله لفهم خصمه سواء عبر ما ورثه عن والده وجده، أو من خلال ما قد توفره له الجالية اليهودية اليمنية التي تنحدر من المناطق ذاتها التي شكلت لاحقاً منبعاً للفكر الحوثي المتشدد الذي خاض أولى معاركه المسلحة ضد الدولة اليمنية عام 2004، وأعقبها بخمس جولات قتال أخرى خلال عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح؟
لا يُعرف بدقة مدى استمرار أو تطور العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الحوثيين، إلا أن الجماعة عاودت إطلاق عدد من الصواريخ إيرانية الصنع باتجاه إسرائيل "تضامناً مع الأشقاء في إيران"، بحسب ما ورد على لسان القيادي الحوثي مهدي المشاط. وقابلت إسرائيل هذا التصعيد بتحرك عسكري بحري غير مسبوق قبالة سواحل مدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر، تبعته غارات متكررة استهدفت مواقع داخل ميناء الحديدة، يعتقد بأنها تستخدم لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين.
ودفعت هذه التطورات الحكومة اليمنية الشرعية يوم الأربعاء إلى تحذير الحوثي من "مغبة الاستمرار في ارتكاب أعمال عدائية"، محملة "الجماعة وداعميها" (في إشارة إلى النظام الإيراني) كامل المسؤولية عن العواقب والتداعيات الوخيمة لأية أعمال متهورة تنطلق من الأراضي اليمنية، واعتبرت أن من شأن هذه الأفعال أن تغرق البلاد في مزيد من الأزمات، بما في ذلك عسكرة الممرات المائية وتهديد حركة الملاحة، فضلاً عن تفاقم المعاناة الإنسانية للشعب اليمني وتقويض ما بقي من فرص للعيش.
علاقة خاصة بنتنياهو
على رغم بقاء زامير خارج منظمة الجيش، فإنه قوبل بثقة ومكانة خاصة من نتنياهو الذي تربطه به علاقة خاصة واحترام متبادل استمر منذ عمله سكرتيراً عسكرياً سابقاً لرئيس الوزراء، ثم مديراً عاماً لوزارة الأمن، وأخيراً أُنيطت به مهمة شراء كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر بتنسيق يومي مع نتنياهو كما تشير بعض المصادر، ولهذا لم يكُن مستغرباً وقوفه إلى جانب نتنياهو خلال تصاعد خلافاته الأخيرة مع وزير الأمن السابق يوآف غالانت.
هجرات سرية
ومعلوم الأثر الكبير الذي أحدثه اليهود الآتون من اليمن في نسيج المجتمع الإسرائيلي جيلاً بعد جيل، وكان آخرهم وصول 17 يهودياً إلى تل أبيب عام 2016، جرى تهريبهم من اليمن إلى إسرائيل خلال عملية سرية للوكالة اليهودية بالتعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية ضمن عملية معقدة وسرية استمرت لمدة عام، واستقبلهم حينها نتنياهو عقب سنوات من المضايقات الحوثية بحقهم. ويومها قالت القناة الإسرائيلية إن الحاخام سليمان داهري جلب معه كتاب توراة نادراً يعود تاريخه لنحو 800 عام، كُتب على جلود حيوان وحُفظ طوال مئات السنين.
وكشفت القناة الإسرائيلية عن أن هذه العملية ليست الأولى التي تتم على الأراضي اليمنية خلال السنوات الأخيرة، إذ شهد عام 2013 استقدام مجموعة مكونة من نحو 20 يهودياً من اليمن ضمن عملية تمويه، من خلال دولة ثالثة، على إثر مقتل شخصين من الجالية اليهودية في اليمن، ونقلت إلى المدينة الجنوبية في إسرائيل، بئر السبع، فيما وصلت إلى إسرائيل عام 2009 مجموعة مكونة من 10 يهود من اليمن.
وللمرة الأولى أحيت الحكومة الإسرائيلية في مايو الماضي الذكرى السنوية لهجرة يهود اليمن بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي قانوناً جديداً يعتبر هذا التقليد "تكريماً للإسهام الفريد الذي قدمته جالية يهود اليمن في تأسيس الدولة وصياغتها الاجتماعية والثقافية"، مما سيوفر مزيداً من المعلومات عن هجرات اليهود اليمنيين والعرب إلى إسرائيل.
يمنيون في اليمين
وتشير المعلومات العامة عن النشاط السياسي لليهود اليمنيين إلى أنهم شكلوا في فترة ما حزباً سياسياً خاصاً بهم قبل أن يتلاشى ذلك المشروع السياسي لأسباب غير معلومة، ونشط بعضهم في عدد من الأحزاب اليمينية كالليكود ومفدال.
ومع اتساع نشاطهم الاجتماعي، تفيد معلومات بأن نسبة الزواج المختلط بينهم واليهود من الطوائف الأخرى تصل إلى نحو 30%.
نهج المفاجأة
في مقالة كتبها عام 2007 في مجلة "معراخوت"، لسان حال الجيش الإسرائيلي، كشف زامير عن نهجه العسكري، الاستباق الخاطف، وهو الأسلوب الذي جسّده في العمليات الأولى ضد إيران قبيل أيام، ويقول إن "منطق الحرب الوقائية هو أنه من الأفضل والأصح استباق الضربة والتحرك ضد العدو قبل أن تنشأ ظروف أكثر صعوبة في ظل عدوانه المتوقع، وفي مثل هذه الحال سيكون من الصواب عدم الانتظار".
ولزامير ثلاثة أبناء، الأكبر يعمل رائداً في ناقلة جند مدرعة، قاتل في غزة منذ بداية الحرب، وحصل في وقت سابق على وسام التميز من رئيس الأركان، وشقيقه يعمل ضابطاً في دورية في قوات الاحتياط، أما الابن الثالث فلا يزال على مقاعد الدراسة، إذ يبلغ من العمر 16 سنة.
(اندبندنت عربية)