شهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور أمس الجمعة يوماً دامياً بتعرضها لقصف مدفعي من قبل قوات "الدعم السريع" هز عدداً من أحيائها السكنية، في وقت أوشكت فيه المساعي الدولية للتوصل إلى هدنة إنسانية موقتة بالمدينة، لكن الأخيرة رفضت هذه الهدنة على رغم موافقة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان عليها.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أعلن خلال اتصال هاتفي بالبرهان عن هدنة إنسانية لمدة أسبوع في محلية الفاشر، لتسهيل وصول الإغاثة للآلاف من المحاصرين.
ورأى المستشار في قوات "الدعم السريع" الباشا طبيق أن "أي حديث عن هدنة إنسانية موقتة في الفاشر لا يعدو أن يكون محاولة يائسة من الجيش لإدخال ذخائر ومواد غذائية إلى ميليشياته المحاصرة داخل هذه المدينة التي تلتقط أنفاسها الأخيرة بعدما فشلت كل محاولاتهم العسكرية عبر متحرك الصياد الذي تم سحقه وتدميره في مدينة الخوي".
وأضاف طبيق في منشور بمنصة "إكس"، "هذه الهدنة لا علاقة لها بالعمل الإنساني، كما أن ما تقوم به قوات تأسيس من فتح للمسارات الآمنة وتأمين خروج المواطنين من مدينة الفاشر هي الخطوات الجادة لإخراجهم من الجيش والحركات المتحالفة معه، والتي تستخدمهم دروعاً بشرية طوال الفترة الماضية لتأخير سيطرة (الدعم السريع) على المدينة".
وحض مستشار "الدعم السريع" الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في الحقل الإنساني للتواصل المباشر مع قوات تأسيس والوكالة السودانية للمساعدات الإنسانية للتنسيق حول كيفية توصيل المساعدات الإنسانية للمواطنين في المناطق الآمنة خارج الفاشر، وألا تستجيب لما وصفه بـ"دعوات الهدنة المفخخة".
وكانت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر أشارت في بيان لها أمس الجمعة إلى أن القصف الذي نفذته قوات "الدعم السريع" أسفر عن مقتل عدد من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة، نقل بعضهم إلى المستشفى الرئيس وسط نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.
ووفقاً لشبكة أطباء السودان فإن 13 شخصاً بينهم ثلاثة أطفال قتلوا وجرح 21 آخرون جراء القصف المدفعي المتعمد من قبل "الدعم السريع" بعد هدوء نسبي بالمدينة دام لأكثر من أسبوعين.
وتتعرض الفاشر لحصار خانق من قبل قوات الدعم السريع منذ أبريل/ نيسان 2024، كما تشهد مواجهات دامية بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة، ضد "الدعم السريع"، تسببت في قتل أعداد كبيرة من المدنيين وتدمير للمنازل والمنشآت الخدمية.
وتسبب الحصار في خلق أزمات وشح شديد في السلع والأدوية، حيث تفاقم الوضع بعد توقف الجيش عن إسقاط السلع عبر الطيران الحربي منذ أبريل الماضي بعد تعرض طائرة شحن تابعة له لاستهداف من قبل قوات "الدعم السريع" أدى إلى سقوطها.
استهداف الجنينة
وفي أول هجوم من نوعه قصفت طائرة مسيرة تابعة للجيش أهداف محددة لـ"الدعم السريع" في منطقة السيسي جنوب شرقي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، أسفرت عن مقتل ثلاثة من عناصر قوات "الدعم السريع" وإصابة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
وأشارت مصادر عسكرية لوسائل إعلام محلية إلى أن الطائرة المسيرة حلقت لأكثر من ساعة فوق الطريق الرابط بين ولايتي وسط وغرب دارفور، قبل أن تطلق أربعة صواريخ دقيقة التوجيه استهدفت وحدة ميدانية لقوات "الدعم السريع" كانت متمركزة على جانبي الطريق.
وبينت المصادر أن القصف أدى إلى تدمير سيارتين عسكريتين بالكامل، في حين تم نقل المصابين إلى مستشفيات مدينة الجنينة لتلقي العلاج.
ويشير هذا الهجوم الذي استهدف للمرة الأولى منطقة في ولايتي غرب ووسط دارفور، إلى اتساع رقعة العمليات الجوية التي ينفذها الجيش ضمن استراتيجيته للحد من تحركات "الدعم السريع" في غرب البلاد.
محور كردفان
في هذا المحور تتواصل المواجهات العسكرية بين طرفي النزاع في جبهات القتال بولايات كردفان الثلاث، جنوب وشمال وغرب، فضلاً عن استمرار عمليات التحشيد والتعزيزات العسكرية.
وبحسب شهود، تتعرض مدينة كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان إلى حصار شامل أدى إلى شلل شبه كامل للمدنية وتهديد مباشر لحياة أكثر من مليوني مدني.
وأشار الشهود إلى أن هذا الحصار الذي تفرضه "الدعم السريع" والحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو تسبب في انقطاع كلي للإمدادات الغذائية والطبية، وتوقف كامل للخدمات الصحية والتعليمية والمياه، لافتين إلى أن الوضع تجاوز حدود الأزمة ليتحول إلى كارثة إنسانية حقيقية تتطلب تدخلاً عاجلاً.
في حين أفادت مصادر محلية بارتكاب "الدعم السريع" انتهاكات واسعة النطاق بعدد من المناطق في محلية بارا بولاية شمال كردفان، منوهة بأن وجود هذه القوات في تلك المناطق تسبب في تفاقم معاناة السكان، إذ تم تسجيل حالات وفاة نتيجة انعدام الرعاية الطبية، لا سيما بين المرضى وكبار السن.
كما أبلغ الأهالي عن حالات لنساء في مرحلة الولادة من دون توفر أي صورة من صور العناية الصحية اللازمة في ظل غياب الكوادر الطبية وانعدام الأدوية.
جسر مساعدات
في الأثناء هبطت أول رحلة جوية تحمل مساعدات إنسانية في إقليم دارفور غرب السودان منذ اندلاع النزاع بين الجيش و"الدعم السريع" في الـ15 من أبريل/ نيسان 2023، بعد تعطل عمل المطارات قبل أن تتمكن الأخيرة من إعادة تشغيل مطار نيالا لاستقبال العتاد العسكري.
وأفاد مكتب منظمة الهجرة الدولية التابع للأمم المتحدة في بروكسل، في منشور بمنصة "إكس"، بأن "أول رحلة من أصل ثلاث رحلات جوية لجسر المساعدات الإنسانية التابع للاتحاد الأوروبي هبطت في دارفور هذا الأسبوع، إذ تم توزيع 21 طناً مترياً من المساعدات المنقذة للحياة في منطقة يصعب الوصول إليها".
وأشار المكتب إلى وجود 35 طناً مترياً من المساعدات في الطريق إلى الإقليم الذي يؤوي نصف إجمالي النازحين البالغ عددهم 10 ملايين.
وبحسب الأمم المتحدة فإن إقليم دارفور يعاني أزمة عميقة، حيث يحتاج 79% من سكانه إلى مساعدات إنسانية وحماية.
وترتفع معدلات سوء التغذية في السودان، بخاصة في دارفور، خلال موسم الأمطار من يونيو حزيران إلى أكتوبر/ تشرين الأول، والذي يعرف بموسم الجفاف، ويأتي بعد استنفاد معظم الأسر مخزوناتها الغذائية من المحاصيل التي تحصد في خواتيم كل عام.
وتعد دارفور أكثر مناطق السودان تأثراً بالأمطار، التي تكون مصحوبة بسيول غزيرة تؤدي إلى انقطاع الطرق نظراً إلى رداءة البنية التحتية، مما يقوض الوصول إلى الغذاء، على رغم أن موسم الخريف يشهد انتشاراً واسعاً للأمراض المنقولة بالمياه والحشرات.
ضبط الأمن
في ولاية الخرطوم اتخذت لجنة الأمن حزمة إجراءات صارمة لضبط الجوانب الأمنية في ظل كثرة شكاوى سكان الولاية من انتشار ظاهرة التفلتات الأمنية.
ودعت اللجنة المواطنين إلى الالتزام الصارم بقرار حظر التجوال بعد الساعة الـ11 مساء، وشددت على إيقاف جميع الحافلات العامة والخاصة، مطالبة بالزمن المحدد للحركة في الطرق الرئيسة والأسواق على مستوى محلياًت الولاية كافة.
واتخذت اللجنة جملة قرارات أيضاً من بينها إنشاء قوة جوالة مشتركة للعمل على تعزيز الأمن والحد من الجريمة بمحليتي الخرطوم وجبل الأولياء لمحاربة الظواهر السالبة والحد من الجريمة.
وكانت السلطات المتخصصة بالولاية نفذت عدداً من الحملات الأمنية أسفرت عن ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى جانب إيقاف عدد من المتعاونين مع قوات الدعم السريع ومعتادي الإجرام حيث تم اتخاذ الإجراءات القانونية في حقهم.
وقال مدير شرطة ولاية الخرطوم المكلف اللواء عبدالكريم حمدو محمد خير إن هذه الحملات الأمنية والمنعية للجريمة ستتواصل لتشمل جميع محليات ولاية الخرطوم، وذلك لبسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون.