أعلنت حركة حماس الفلسطينية مقتل خمسة من أعضائها في غارة جوية إسرائيلية على العاصمة القطرية، لكنها أكدت أن محاولة اغتيال فريقها التفاوضي باءت بـ"الفشل".
وأضافت حماس أن فريق التفاوض اجتمع لمناقشة أحدث مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، عندما شنت إسرائيل هجوماً جوياً مباغتاً بهدف اغتيال وفد حماس التفاوضي في الدوحة.
وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الضربة التي استهدفت مقرات سكنية في قطر "مبررة تماماً" لأنها استهدفت كبار قادة حماس الذين دبروا هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل، وأشعل فتيل حرب غزة، وفقاً لنتيناهو.
وأدانت قطر الهجوم الإسرائيلي، ووصفته بأنه "جبان" و"انتهاك صارخ للقانون الدولي".
مقتل رجل أمن قطري
أعلنت وزارة الداخلية القطرية مقتل أحد عناصر قوى الأمن الداخلي وإصابة آخرين.
وقالت في بيان لها إن "الاعتداء أسفر عن استشهاد (الوكيل عريف/بدر سعد الدوسري) من منتسبي قوة الأمن الداخلي (لخويا) أثناء مباشرته لمهامه في موقع الاستهداف، إضافة إلى عدد من الإصابات المتفرقة بين العناصر الأمنية".
وجاء في بيان لاحق: "في إطار المتابعة المستمرة لمستجدات الاستهداف الإسرائيلي، وفي ضوء قيام الجهات الأمنية المختصة بعملها الميداني وجمع الأدلة والاستدلالات؛ فقد تم التحقق من استشهاد مؤمن جواد حسونه حسونه الذي انتقل إلى رحمة الله جرّاء هذا الاعتداء".
وأضافت وزارة الداخلية القطرية في بيانها أن "عمليات الاستدلال والتحقق الميداني ما زالت جارية للتعرف على باقي المفقودين".
وكانت حركة حماس أعلنت في وقت سابق مقتل ستة في الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، ذكرت أسماءهم على النحو التالي:
"همام الحية (أبو يحيى) - نجل خليل الحية، جهاد لباد (أبو بلال) - مدير مكتب الحية، عبد الله عبد الواحد (أبو خليل)، مؤمن حسونة (أبو عمر)، أحمد المملوك (أبو مالك)"، والقتيل السادس هو العريف بدر سعد محمد الحميدي، أحد أفراد قوى الأمن الداخلي القطرية.
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه "ليس سعيداً" بالغارة الجوية الإسرائيلية على قطر، وأضاف في تصريح لوسائل الإعلام: "نحن نريد عودة الرهائن، لكننا لسنا سعداء بالطريقة التي حدثت بها اليوم".
يشار إلى أن قطر حليف رئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، حيث تستضيف قاعدة جوية أمريكية رئيسية تعرف باسم قاعدة العديد.
لكن تستضيف قطر أيضاً المكتب السياسي لحركة حماس منذ عام 2012، وتوسطت مع الولايات المتحدة ومصر في المفاوضات غير المباشرة بين الحركة وإسرائيل.
وقال شهود عيان في الدوحة إنهم سمعوا ما يصل إلى ثمانية انفجارات منفصلة بعد ظهر الثلاثاء، مع تصاعد أعمدة الدخان فوق حي كتارا شمال المدينة.
وأفادت السلطات القطرية بأن الغارة استهدفت "مباني سكنية تضم عدداً من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس".
وفي غضون دقائق، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن الانفجارات.
وأعلن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) في بيان أنهما نفّذا "ضربة دقيقة استهدفت قيادة حركة حماس".
وفي وقت لاحق، صرّح نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس بأن قوات الأمن الإسرائيلية تلقت أوامر يوم الاثنين بالاستعداد لضربة محتملة "بعد الهجمات القاتلة في القدس وغزة"، في إشارة إلى مقتل ستة إسرائيليين على يد مسلحين فلسطينيين في محطة حافلات في القدس، ومقتل أربعة جنود إسرائيليين في هجوم على معسكر للجيش في مدينة غزة.
وبحسب التصريحات "رأى رئيس الوزراء ووزير الدفاع أن هذا الإجراء مبرر تماماً، نظراً لأن قيادة حماس هي التي بادرت ونظمت مجزرة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف عن شن عمليات إجرامية ضد دولة إسرائيل ومواطنيها".
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن العملية شملت 15 طائرة مقاتلة إسرائيلية، أطلقت 10 قذائف على هدف واحد في غضون ثوانٍ معدودة.
ونُقل عن مسؤول إسرائيلي قوله إن من بين أعضاء حماس المستهدفين القيادي وكبير المفاوضين خليل الحية، والقيادي زاهر جبارين.
"مسؤولية مشتركة"
من جانبها استنكرت حركة حماس في بيان لها الغارات الإسرائيلية، واصفةً إياها بـ"الجريمة البشعة، والعدوان السافر، والانتهاك الصارخ لكافة الأعراف والقوانين الدولية".
وأكدت الحركة "فشل العدو في اغتيال إخوتنا في الوفد التفاوضي".
وأضافت أن "استهداف الوفد التفاوضي، أثناء مناقشته للمقترح الأخير المقدم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن نتنياهو وحكومته لا يريدون التوصل إلى أي اتفاق، ويسعون عمداً إلى إفشال كل الفرص وإحباط الجهود الدولية".
كما حمّلت حماس الإدارة الأمريكية "مسؤولية مشتركة" عن الهجوم بسبب دعمها للجيش الإسرائيلي.
"عملية إسرائيلية بالكامل"
أعلن البيت الأبيض أنه تلقى إخطاراً من الجيش الأمريكي بأن إسرائيل تهاجم حماس.
وصرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، في مؤتمر للصحفيين بأن "القصف الأحادي الجانب لقطر، الدولة ذات السيادة والحليف الوثيق للولايات المتحدة، التي تعمل بجد وشجاعة للتوسط في السلام، لا يخدم أهداف إسرائيل أو أمريكا".
وأضافت: "مع ذلك، فإن القضاء على حماس، التي استفادت من معاناة سكان غزة، هدف نبيل... وجّه الرئيس ترامب فوراً المبعوث الخاص ستيف ويتكوف لإبلاغ القطريين بالهجوم الوشيك، وهو ما فعله".
بعد ذلك، تحدّث ترامب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أبلغه بأنه "يريد تحقيق السلام وبسرعة"، وفقاً لليفيت.
وأضافت أن الرئيس تحدّث إلى أمير قطر ورئيس الوزراء القطري، و"أكد لهما أن مثل هذا الأمر لن يتكرر على الأرض القطرية".
وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أكد في وقت سابق أنها "عملية إسرائيلية مستقلة تماماً".
وقال إن "إسرائيل هي من بادرت بها، ونفّذتها، وإسرائيل تتحمل مسؤوليتها الكاملة".
من جهتها وصفت قطر تقارير تلقيها معلومات عن الهجوم بـ"الكاذبة"، مؤكدة أنها لم تعرف عن الهجوم إلا في وقت حدوثه، وأنَّ الإبلاغ الأمريكي تمَّ بعد وقوع الهجوم بعشر دقائق.
إدانات
ردّت الحكومة القطرية بغضب على الهجوم الإسرائيلي، وقالت: "يُشكّل هذا الاعتداء الإجرامي انتهاكاً صارخاً لجميع القوانين والأعراف الدولية، وتهديداً خطيراً لأمن وسلامة القطريين والمقيمين في قطر".
وصدرت بيانات غضب مماثلة من جميع أنحاء العالم العربي من بينها الأردن ومصر والسعودية والإمارات، واصفين الهجوم بـ"العمل العدواني"، و"العدوان الإسرائيلي الغاشم".
كما أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم، وقال إنه "انتهاك صارخ لسيادة قطر وسلامة أراضيها".
وأضاف أن قطر "لعبت دوراً إيجابياً للغاية للتوصل إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن"، لافتاً إلى أنه "يجب على جميع الأطراف العمل على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وليس تدميره".
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الهجوم "غير مقبول بصرف النظر عن دوافعه"، بينما حذّر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر من خطر "مزيد من التصعيد في المنطقة" ودعا إلى وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن.
وقال البابا لاون الرابع عشر للصحفيين إن "الوضع برمته خطير للغاية".
وبالنسبة لعائلات المحتجزين الثمانية والأربعين الذين ما زالوا في غزة، والذين يُعتقد أن عشرين منهم على قيد الحياة، أثار هذا الخبر موجة جديدة من القلق الشديد بينهم.
وقالت إيناف زانغاوكر، التي يُحتجز ابنها ماتان كرهينة في غزة، عبر منصة إكس: "أرتجف خوفاً... ربما يكون رئيس الوزراء قد اغتال ابني ماتان في هذه اللحظات بالذات. لماذا يُصرّ على تقويض أي فرصة للتوصل إلى اتفاق؟".
وعلّق زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بأنه يُشارك العائلات مخاوفها. وكتب: "أعضاء حماس يستحقون الموت، لكن في هذه المرحلة، على الحكومة الإسرائيلية أن تُوضح كيف أن إجراء الجيش الإسرائيلي لن يؤدي إلى قتل الرهائن، وما إذا كان قد تم أخذ الخطر على حياتهم في عين الاعتبار".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قد حذّر، يوم الاثنين، قادة حماس المقيمين في الخارج من أنهم "سيُبادون"، و"سيُدمرون" غزة إذا لم تُفرج الحركة عن رهائنها وتُلقِ سلاحها.
جاءت تصريحاته بعد يوم من إعلان حماس أن فريقها التفاوضي يتواصل مع وسطاء بشأن أحدث مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
صرّح ترامب حينها بأن إسرائيل قبلت بنوده، دون ذكر أي تفاصيل، ووجّه لحماس ما سماه "إنذاراً أخيراً" لقبول البنود، فيما نفى مسؤولون أمريكيون بعد هجوم إسرائيل على قطر، أن يكون ترامب قصد قيادات حماس في الدوحة في تحذيره.
وقال مسؤول فلسطيني لبي بي سي إن الخطة الأمريكية تهدف لإطلاق سراح جميع الرهائن خلال أول 48 ساعة من هدنة مدتها 60 يوماً، مقابل إطلاق سراح سجناء ومعتقلين فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وإجراء مفاوضات بشأن وقف دائم لإطلاق النار.
وفي حديثه أمام جمهور في السفارة الأمريكية في القدس مساء الثلاثاء، قال نتنياهو إن الخطوة الإسرائيلية في قطر قد "تفتح الباب أمام إنهاء الحرب".
وأكد أن إسرائيل قبلت الخطة الأمريكية، وحثّ الفلسطينيين في غزة على أن يحذوا حذوها، بقوله "دافعوا عن حقوقكم ومستقبلكم. اصنعوا السلام معنا".
فيما علّق محرر الشؤون الدولية في بي بي سي جيرمي بوين في مقال تحليلي على تصريحات نتنياهو قائلاً: "لو تمكن الفلسطينيون في غزة من سماع كلماته، فستبدو لهم فارغة جداً. لقد دمّرت إسرائيل منازل مئات الآلاف منهم، إلى جانب المستشفيات والجامعات والمدارس".
يشار إلى أن إسرائيل قتلت العديد من كبار قادة حماس خلال الأشهر الـ 23 الماضية؛ مثل الزعيم السياسي للحركة إسماعيل هنية الذي لقي حتفه في انفجار بدار ضيافة خلال زيارته إيران في يوليو/تموز 2024. كما قُتل خليفته يحيى السنوار، الذي يُعتقد بأنه العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، على يد القوات الإسرائيلية في جنوب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وقتلت إسرائيل حتى الآن ما لا يقل عن 64 ألف فلسطيني في قطاع غزة المحاصر، غالبيتهم من المدنيين، بحسب إحصائيات وزارة الصحة في القطاع، وذلك ردّاً على هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي أدى لمقتل 1,200 شخص واحتجاز 251 آخرين.