تعهدت إيران اليوم الأحد، أنها ستتخذ "ردا حازما ومناسبا" بعد ساعات قليلة على إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة المتعلقة ببرنامجها النووي والتي رُفعت قبل عشر سنوات.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان أن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستدافع بحزم عن حقوقها ومصالحها الوطنية، وستُقابل أي عمل يهدف إلى المساس بمصالح شعبها وحقوقه برد حازم ومناسب".
ودخلت العقوبات حيز التنفيذ تلقائيا بعد عشر سنوات من رفعها بعدما فعّلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا "آلية الزناد" المدرجة في الاتفاق، متّهمة طهران بعدم الإيفاء بالتزاماتها.
ومن المتوقع أن يكون للعقوبات تأثيرات أوسع على الاقتصاد، فما طبيعة هذه العقوبات وما هي "آلية الزناد؟
كيف تُطبّق "آلية الزناد؟"
تعيد هذه الآلية تفعيل قرارات الأمم المتحدة، لكن تطبيقها عمليا يوجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تحديث قوانينها لتمتثل إليها. وسيعود الأمر إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في اتّخاذ قرار بشأن تمرير التشريع ليكون بالإمكان تطبيق العقوبات، لكن أي الطرفين لم يقدّم تفاصيل بشأن هذه العملية. وفي نهاية آب/ أغسطس، أطلقت بلدان الترويكا الأوروبية (أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا) ما يعرف بـ"آلية الزناد" التي تتيح إعادة فرض العقوبات التي رفعت عن الجمهورية الإسلامية بعد اتفاق عام 2015.
ومنح مجلس الأمن الضوء الأخضر لهذه الخطوة، وفشل مسعى روسي-صيني مشترك ليل الجمعة، في تمديد المهلة. ونتيجة ذلك، أعيد ليل السبت الأحد فرض العقوبات.
واحتجاجا على هذه التطوّرات، استدعت طهران سفراءها في فرنسا وألمانيا وبريطانيا "للتشاور" وفق ما أفاد الإعلام الرسمي الإيراني السبت.
بدوره قال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول إن بلاده التي بادرت إلى إعادة فرض العقوبات إلى جانب بريطانيا وفرنسا "ليس لديها خيار" لأن إيران لم تمتثل لالتزاماتها. أضاف "لكن دعوني أؤكد: ما زلنا منفتحين على المفاوضات بشأن اتفاق جديد. ويمكن، بل ينبغي، أن تستمر الدبلوماسية".
العقوبات بالتفصيل
- تستهدف العقوبات شركات ومنظمات وأفرادا يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في برنامج إيران النووي أو تطوير صواريخها البالستية. ويعد تقديم المعدات والخبرات أو التمويل من مبررات فرض العقوبات.
- تشمل العقوبات حظرا على الأسلحة التقليدية مع منع أي بيع أو نقل للأسلحة إلى إيران. وبموجب العقوبات، تحظر الواردات والصادرات أو نقل مكوّنات أو تكنولوجيا مرتبطة ببرنامجيها النووي والبالستي.
- تجمد أصول كيانات وأفراد في الخارج تعود إلى شخصيات أو مجموعات إيرانية على صلة بالبرنامج النووي.
- يمنع الأشخاص الذين يصنّفون على أنهم مشاركون في نشاطات نووية محظورة من السفر إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
- سيتعيّن كذلك على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقييد الوصول إلى منشآت مصرفية ومالية يمكن أن تساعد برنامجي إيران النووي والبالستي. وتُجمّد أصول أي شخص ينتهك نظام العقوبات حول العالم.
عقوبات أوروبية
يمكن حاليا إعادة فرض عقوبات منفصلة حددها الاتحاد الأوروبي إلى جانب تلك الدولية. والهدف من العقوبات ضرب الاقتصاد الإيراني، ليس لعرقلة النشاط النووي فحسب، بل كذلك للضغط على طهران ماليا لإجبارها على الامتثال. وتخشى الدول الغربية من إمكان امتلاك إيران أسلحة نووية، وهو أمر تنفيه طهران بشدة، بينما تدافع عن حقها في تطوير برنامج نووي لأغراض مدنية.
وسبق للولايات المتحدة أن أعادت فرض عقوباتها الخاصة على إيران، بما في ذلك حظر شراء دول أخرى نفط طهران، بعدما انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي في ولايته الأولى.
كيف تُفرض العقوبات؟
تعد قرارات مجلس الأمن والعقوبات المرتبطة بها ملزمة، إلا أنها كثيرا ما تُنتهك إذ واصلت بعض الدول، بما فيها الصين، التجارة مع إيران رغم العقوبات الأمريكية. وتتوقع القوى الأوروبية ألا تمتثل روسيا للعقوبات، لكن رد فعل بكين التي تستورد كمية كبيرة من النفط من إيران غير واضح.
تاريخ العقوبات
أبرمت إيران والقوى الكبرى اتفاقا بشأن برنامجها النووي في عام 2015، أتاح رفع عقوبات اقتصادية كان مجلس الأمن الدولي يفرضها عليها، لقاء تقييد نشاطاتها النووية، إلا أن مفاعيل الاتفاق باتت في حكم اللاغية بعدما انسحبت واشنطن أحاديا منه عام 2018، ما دفع طهران الى التراجع تدريجا عن تنفيذ بنود أساسية فيه.
وحدّد اتفاق 2015 تحت اسم خطة العمل الشاملة المشتركة سقف مستوى التخصيب عند 3,67 %. الا أن إيران باتت الدولة الوحيدة غير المسلّحة نوويا، التي تخصب اليورانيوم بمستويات عالية (60 %)، قريبة من الحدّ التقني اللازم لانتاج القنبلة الذرية (90 %)، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتملك إيران، وفق الوكالة، حوالى 440 كيلوغراما من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 %، وهو مخزون يكفي في حال تخصيبه إلى 90 % لإنتاج ما بين 8 إلى 10 قنابل نووية، بحسب خبراء.
وأجرت الولايات المتحدة وإيران مباحثات بشأن اتفاق جديد في وقت سابق من هذا العام. الا ان طهران انسحبت منها بعد شنّ إسرائيل هجوما واسعا عليها في حزيران/ يونيو الماضي، تدخلت فيه واشنطن باستهداف منشآت نووية أساسية.
وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان السبت إن واشنطن طلبت من طهران تسليمها "كلّ" مخزون اليورانيوم المخصّب لقاء تمديد رفع العقوبات. وصرح لصحافيين في نيويورك حيث شارك في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الولايات المتحدة "تريدنا أن نسلمها كلّ اليورانيوم المخصّب لدينا في مقابل إعفاء من العقوبات لمدة ثلاثة أشهر... ذلك غير مقبول بأي شكل من الأشكال". وأردف بالقول: "بعد بضعة أشهر، سيكون لهم مطالب جديدة وسيقولون (مجدّدا) إنهم يريدون تفعيل آلية العقوبات".
تأثير العقوبات عى الشارع الإيراني
في طهران، تثير عودة العقوبات خشية من صعوبات اقتصادية إضافية.وقال داريوش، وهو مهندس في الخمسين، لوكالة فرانس "الوضع صعب للغاية حاليا، لكنه سيسوء"، مضيفا "تأثير عودة العقوبات ماثل أمامنا: سعر صرف (الريال إزاء الدولار) ارتفع، وهذا يؤدي الى زيادة في الأسعار".
ووصل سعر الصرف السبت الى مستوى قياسي هو 1.12 مليون ريال للدولار. ولاحظ صحافي في فرانس برس إقبالا يفوق المعتاد على شراء الذهب في بازار طهران.
وأضاف داريوش: "تخشى غالبية الناس حربا جديدة بسبب" إعادة فرض العقوبات، في إشارة الى ما جرى في حزيران/ يونيو الماضي.