فيما تتوالى ردود الفعل الدولية والعربية المرحبة بإعلان حركة "حماس" موافقتها على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن إنهاء الحرب في غزة، وتفاؤل أبناء القطاع المدمر بوقف آلة الحرب الإسرائيلية ضدهم، جاءت ردود الفعل الحوثية ممتعضة.
وفور إعلان ترمب خطته لإنهاء المأساة الدامية في القطاع والتعاطي الدولي الإيجابي معها، كان رأي الجماعة المدعومة من إيران مغايراً، وأعلنت، اليوم السبت، استمرار تنفيذ عملياتها العسكرية ضد إسرائيل، وعدم التوقف إلا في حال طلبت حركة "حماس" ذلك منها.
وفي بيان لها قالت، "لإخواننا في حركة حماس والجهاد الإسلامي نقول، نحن غير معنيين بتفاصيل المفاوضات لأن قرارها بيدكم، ولكننا على العهد ماضون، وكما بدأت عملياتنا العسكرية المساندة بطلب منكم فإنها لن تتوقف إلا بطلب منكم".
وأضافت، أن "العمليات العسكرية ستعود متى ما طلبت حركة حماس ذلك"، وقالت، إن "مصيركم مصيرنا ونحن معكم".
ويأتي هذا عقب ساعات من إعلان حركة "حماس" موافقتها على الإفراج عن جميع الرهائن الأحياء والأموات، وفق خطة الرئيس، مؤكدة استعدادها للدخول فوراً من خلال الوسطاء في مفاوضات لمناقشة تفاصيل ذلك.
بيئة الحروب
والثلاثاء الماضي، استبق الحوثيون الفترة المقررة لإنهاء الهدنة المعلنة مع الولايات المتحدة بتأكيد عزمهم على "معاودة استهداف شركات النفط الأمريكية الكبرى"، في إشارة إلى استمرار عبثهم في المياه الدولية، وهي بهذا تؤكد ما حذر منه مراقبون توقعوا بحثهم عن حجج جديدة بديلة عن قضية "نصرة غزة" لاستمرار مشروع الحرب الذي يعيشون في ظله وسط تحذيرات من تعريض البلاد لمزيد من الدمار والمقامرة بمقدراتها وما بقي من منشآتها.
وفي حال تنفيذ الميليشيات لتهديدها، ستكون المرة الأولى، منذ الإعلان عن اتفاق سابق بين الولايات المتحدة والجماعة تعهدوا فيه عدم مهاجمة السفن المرتبطة بالولايات المتحدة التي تبحر في البحر الأحمر وخليج عدن، مقابل وقف "البنتاغون" ضربات جوية استهدفت معاقل الجماعة وتحصيناتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمالي البلاد.
ووفقاً "لخبرة اليمنيين بهذه الجماعة"، يرى الباحث السياسي محمد الصعر أنها "غير قادرة على البقاء من دون حرب ومواجهات وأي خطط سلام سواء في القضية اليمنية أو إقليمياً تهدد بقاءها كميليشيات مسلحة عجزت إلى اليوم أن تقدم خدمات، فيما تدير مناطق سيطرتها بالقمع والترهيب".
يضيف لـ"اندبندنت عربية" أنه منذ اشتعال حرب غزة "سارعت الميليشيات لتحولها إلى فرصة للمتاجرة بالشعارات وصارت المحرر لفلسطين وحامية الأقصى بينما هي في الحقيقة تنهب حتى لقمة الخبز عن أطفال اليمن".
في مجمل مساعي الجماعة "استغلال مأساة غزة لتحجب ورائها جوع الناس والرواتب المنهوبة والخدمات المنعدمة واختلاق معارك لتثبت أنها تبقى ببقاء الحرب".
واليوم وحرب غزة تلفظ أنفاسها الأخيرة يتساءل الصعر: "ما هي الحجة القادمة التي سيتذرع بها الحوثي ليستمر في مهمة اشعال الحرائق واستدعاء المقاتلات لقصف اليمن، لا شك أنه لن يعدم حيلة سنسمع بها في قادم الأيام ويستمر مسلسل تدمير ما بقي من اليمن".
وفي ما يتعلق بربط قبولهم خطة ترمب ووقف إطلاقهم الصواريخ بطلب "حماس" منهم بالتوقف، يقرأه في سياق "مساعي الحوثي ذر الرماد على العيون ليظهر كجندي مقاومة حتى زوال إسرائيل كما يدعي بينما ينفذ ما تمليه الجهة التي تحركه".
شماعة البقاء
موقف الحوثي في نظر المراقبين "مغامرة تتكسب منها خارجياً لخدمة إيران ومواصلة فرض أجنداتها الداخلية"، وفقاً للخبير العسكري محمد الكميم، الذي قال لـ"اندبندنت عربية"، إنه "بمجرد أن بدأت بوادر زوال شبح الحرب والقتل والتدمير تغادر غزة ومن ثم انتفاء حجج المزايدة التي يسوقها الحوثي حتى أعلن عن انتهاء الهدنة مع الولايات المتحدة بحجة الرد على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأمريكية على شخصيات تابعة للجماعة".
يهدف الحوثي من ذلك لإيجاد "شماعة لاستمراره خوض الحروب وادعاء البطولات في البحر الأحمر للهرب من الالتزامات الداخلية لملايين الجوعى والمرضى والنازحين في مناطق سيطرته".
وذلك لأن "قضية غزة مثلت له فرصة ليروج من خلالها عن نفسه ببعض العنتريات التي لوحظ عليها التصعيد في القدرة الصاروخية والمدى كون إيران بهذا حاولت تجريب صواريخها ومدى دقتها وإمكانية اختراقها للدفاعات الجوية الإسرائيلية وابتزاز العالم بتلك المناوشات فيما الضحية هي اليمن".
للهجوم لا الدفاع
يعد الكميم أن الجماعة المنقلبة على الحكومة الشرعية في عام 2014 تمثل "مشروعاً إيرانياً ضمن استراتيجيتها في المنطقة كذراع متقدمة في الإقليم والممرات المائية لتهديد وابتزاز العالم، ومن ثم كلما يصدر من الميليشيات هو في حقيقته مرتبط مباشرة بالنظام الإيراني الذي يواجه شبح ضربات إضافية ستطاله". ووفقاً لذلك فالحوثي "أداة جاهزة للتهديد والابتزاز".
يستدل الكميم بالدعم الإيراني للحوثي ويتساءل عن الترسانة التي وفرتها للميليشيات "وجميعها يغلب عليها النوعية الهجومية بعيدة المدى، فهل هذه الترسانة لأجل معاركه الداخلية؟ ويجيب، "قطعاً لا".
وأمس، أعلنت حركة "حماس" الفلسطينية موافقتها على الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء والجثامين في قطاع غزة، وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مطالبة بتوفير الظروف الميدانية لعملية التبادل، بما يحقق وقف الحرب والانسحاب الكامل من القطاع.
إجراءات دولية
السلوك الحوثي قوبل بمطالبات رسمية للحكومة الشرعية دعت فيها الاتحاد الأوروبي لتحرك عاجل لتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، محذرة من تنامي خطرهم وذلك عقب أيام من طلب رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي للمجتمع الدولي عبر منصة الأمم المتحدة الأسبوع الماضي بتشكيل تحالف دولي للقضاء عليهم.
وفي لقاء اليوم السبت، جمعه مع نائب مدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية السفير أليكسيس أندريس، ومسؤول مكتب اليمن بالخارجية الفرنسية بيير بيجارد، طالب وزير الإعلام والثقافة معمر الإرياني، الاتحاد الأوروبي بسرعة تصنيف ميليشيات الحوثي جماعة إرهابية، أسوة بالولايات المتحدة وعدد من الدول، مؤكداً أن الميليشيات باتت تشكل تهديداً مباشراً للأمن والسلم الدوليين، وأن التهاون في مواجهتها يمثل ضوءاً أخضر لمواصلة أنشطتها الإرهابية.
وكشف عن أن قدراتهم العسكرية والتقنية في تطور مستمر بدعم وتسليح إيراني، وأن المعلومات المتوافرة لدى الحكومة تؤكد امتلاك الميليشيات مكونات من أسلحة كيماوية وبيولوجية، وهو ما يشكل تهديداً غير مسبوق يتجاوز حدود اليمن إلى المنطقة والعالم.
(اندبندنت عربية)