4 أكتوبر 2025
29 سبتمبر 2025
يمن فريدم-توفيق الشنواح


لم تعلم الضحية "فدى" البالغة من العمر 17 سنة أن وعود العون والعيش الكريم لأسرتها ستتحول إلى كابوس دامٍ بعدما دفعت حياتها ثمناً لوقف مسلسل الابتزاز والتشويه الذي ظلت تتعرض له لأعوام من قيادي حوثي.

الثلاثاء الماضي، أقدمت فتاة في منطقة الهارونية الساحلية بمحافظة الحديدة (غرب اليمن) على شنق نفسها بعد أشهر من وقوعها فريسة للابتزاز على يد شخص يقال إنه قيادي حوثي يدعى يوسف سالم دوم، وهو ضمن أعضاء الجماعة المصنفة على لوائح الإرهاب ويعيش في منطقة حيث قوات الميليشيات موجودة بصورة مكثفة لأنها منطقة تماس مع قوات الحكومة الشرعية.

وقالت الضحية التي فارقت الحياة بحبل أودعته فوق شجرة إن المبتز "وعدها بتوفير قارب صيد ودراجة نارية لشقيقها" طمعاً منها بتحسين حياتهم المعيشية الصعبة، وفق وصيتها الأخيرة.

الرسالة تكشف عن المستور

ووفقاً للناشط مجاهد القب من أبناء المنطقة، فإن الحادثة ظلت محاطة بالغرابة والتكهنات حتى كشفت عن أسرارها رسالة مسربة منسوبة للضحية تدعو أسرتها إلى العفو عنها والانتقام من المبتز وأوضحت فيها دوافع المبتز وطالبت أبويها بأن "يخرجا حقها منه"، وعقبت قائلة "هذه وصيتي لكم كي ترتاح العباد منه"، مما دفع الأهالي إلى الاحتجاج والخروج في تظاهرات تضامنية مع الضحية، مطالبة سلطات الجماعة الحوثية باعتقال المبتز ومحاكمته.

ويوضح القب أن المتهم "ابتزها بصورها وعندما طلب منها أن توقع فتيات في شباكه أقدمت على ربط حبل بشجرة في منزلهم لتغادر الحياة بحسرتها وألمها".

وفي رد فعل سلطات الجماعة المدعومة من النظام الإيراني، أشار إلى أن الحوثيين فرقوا الحشد الاحتجاجي بالقوة ومنعوا التجمع والمطالبة بتوقيف القيادي الذي لا يعرف مكان وجوده ويرجح أنه يقع تحت حماية الميليشيات، مما شجعه على استغلال النساء في المنطقة.

ولم يتسنَّ الحصول على تعليق من الجماعة الحوثية التي ترفض التعليق عادة على مثل هذه التهم.

ووفقاً لصورة عن وصية الضحية نشرت على وسائل التواصل، فإنها خاطبت أسرتها بقولها "أبي الغالي سامحني رضاك هو لي كل الدنيا والآخرة. حبيبي يا أبي، أنا ما عندي طاقة تحمل دخلتُ في طريق لا نهاية له إلا بالموت، هو الحل الوحيد الذي بقي لي مش متحمّلة نظرات أخي ولا تنهيدات أمي الدنيا ضاقت بي الدنيا ورّطتني مع هذا الإنسان، لكن أقسم بالله العظيم ما هانت كرامتي وشرفي كان قصدي لما أخذت وأعطيت معه أني قلت مع الوقت أخليه يسجل أحمد (شقيقها) ويحصل متر (دراجة) وجلبى (قارب صيد)... أخرجوا لي حقي منه هذه وصيتي لكم، وخلوا العباد ترتاح من ضرّه".

شبكات ممنهجة

من جانبها أكدت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات خلال بيان لها اليوم الأحد أن قيادياً في جماعة الحوثي يدعى يوسف سالم دوم، "ارتكب بحق الطفلة القاصر فدى إبراهيم غالب (17 سنة) في قرية الهارونية بمديرية المنيرة، جريمة ابتزاز وتشهير دفعتها إلى الانتحار".

وأكدت الشبكة أن هذه الجريمة المروعة هزت الضمير الإنساني وأثارت غضباً واسعاً، إذ وجدت الطفلة نفسها أمام انتهاك مزدوج لكرامتها وحقوقها الإنسانية لتختار الموت في مشهد مأسوي يكشف عن حجم الانتهاكات التي يعيشها المدنيون، خصوصاً النساء والأطفال تحت سلطة الحوثيين.

وأشارت إلى أن ما حدث للطفلة فدى ليس حادثة فردية معزولة، بل يندرج ضمن نهج تتبعه جماعة الحوثي عبر شبكات دعارة سرية وانتهاكات جنسية منظمة يديرها قادتها الأمنيون، بهدف ترهيب المجتمع وإذلال الأسر وكسر كرامة الإنسان اليمني.

وشدد البيان على أن هذه الجريمة تمثل اغتصاباً واضطهاداً ممنهجاً وانتهاكاً صارخاً لكل المواثيق الإنسانية والقوانين الدولية، وتصنف ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفقاً لاتفاقات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وحملت المنظمة جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة وما سبقها وما قد يليها من انتهاكات بحق النساء والأطفال، داعية إلى ملاحقة الجناة والمتورطين في هذه الشبكات الإجرامية، وعلى رأسهم المدعو يوسف سالم دوم، وكل من وفر له الحماية أو الغطاء.

10 أعوام من الابتزاز

وخلال الأعوام الـ10 الأخيرة تنامت ظاهرة الابتزاز الإلكتروني في اليمن على نحو لافت حتى باتت أخبار ضحاياه تنافس أخبار ضحايا الصراع الذي تسبب بتفشي الظاهرة في المجتمع المتمسك بعاداته التقليدية الصلبة، خصوصاً في المجتمعات الريفية حيث الجهل وسطوة الأعراف الجامدة هي التي تسيّر حياة الناس وتحدد طبيعة علاقاتهم وتضع للمرأة قوالب جاهزة من العادات والتقاليد.

وتوالت بيانات الإدانة، فأعرب مكتب حقوق الإنسان في محافظة الحديدة عن إدانته بأشد العبارات للحادثة المأسوية التي شهدتها مديرية المنيرة شمال محافظة الحديدة، والمتمثلة في انتحار الشابة فدى من قرية الهارونية، جراء جريمة ابتزاز لا أخلاقي ارتكبها أحد عناصر جماعة الحوثي.

وقال المكتب عبر بيان إن المدعو يوسف سالم دوم، وهو أحد مشرفي الميليشيات في المنطقة، ارتكب جريمة الابتزاز التي دفعت الضحية إلى إنهاء حياتها، في انتهاك صارخ لكل القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية والقوانين المحلية والدولية التي تكفل حماية النساء والفتيات وصون كرامتهن.

تقاعس أمني

ومما يزيد من تفشي ظاهرة الابتزاز وقوعها في وسط اجتماعي متشدد يلقي لومه الدائم على الضحية من دون مراعاة لطبيعة الجريمة أو دور الجاني.

كما أن ضعف الحماية القانونية والمجتمعية، وفقاً لمراقبين، تسببت في تفشي الظاهرة لأن ناجيات كثيرات لم يجدن قنوات الإنصاف والعون.

ويقول الخبير التقني فهمي الباحث إن قضايا الابتزاز تمثل تهديداً متصاعداً لأمن المجتمع وخصوصية الأفراد مع استغلال التكنولوجيا في ترهيب النساء والفتيات وابتزازهن الذي يُعد جريمة أخلاقية وقانونية تستهدف أضعف الفئات في المجتمع وتضاعف من معاناتهن في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

ويعزو أسباب تفشي الظاهرة إلى "تقاعس الجهات الأمنية وغياب الجهات المؤهلة للتعامل مع هذه القضايا مع غياب الوعي الأسري والمجتمعي باحتواء الضحايا وتقديم النصح والعون لهن".

ويضيف أن "غياب دور السلطات المنشغلة بالصراع والتقاسم منذ أكثر من 10 أعوام ساعد كثيراً في انتشار الجرائم الإلكترونية واقتحام الخصوصيات، فيما يشدد العالم قوانينه الصارمة في هذا الجانب".

(اندبندنت عربية)

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI