تعمل شركة الفضاء الأمريكية الخاصة "بلو أوريجن" المملوكة لرجل الأعمال جيف بيزوس هذه الأيام بجهد كبير، لاستثمار فرصة تاريخية لها لتقويض نفوذ منافستها "سبيس أكس" أمام وكالة الفضاء الحكومية الأمريكية "ناسا"، فالشركة الصاعدة بقوة في مجال الفضاء تستعد لكسب شيء من النفوذ من خلال رحلة إلى سطح القمر على متن مركبة "بلو مون"، التابعة لها خلال عام 2027.

يُذكر هنا أن إيلون ماسك مالك شركة "سبيس أكس" حاول قبل أشهر قليلة تفكيك وكالة الفضاء الحكومية "ناسا"، ومارس كثيراً من الضغوط لتغيير وجهة مشاريع الفضاء الأميركي لتذهب مباشرة إلى استعمار كوكب المريخ.

فرصة ذهبية

تأتي هذه الفرصة الذهبية لـ"بلو أوريجن" في خضم الصراع الطويل بينها و"سبيس إكس" على الفوز بتعاقدات الفضاء الحكومي الأمريكي، الذي تديره "ناسا" حتى الآن.

وهو صراع قديم، لكن "سبيس أكس" ظلت متقدمة فيه باستمرار خلال العقود الأخيرة الماضية.

والمفارقة خلال هذا التوقيت تكمن في حال الفضاء الأمريكي المتناقضة تماماً أثناء هذه الفترة. فـ"ناسا" خلال الوقت الحالي تستهدف العودة في رحلات مأهولة إلى القمر، وهو الحلم الذي تشاركها "بلو أوريجن" حالياً فيه وبكل قوة، بينما مشاريع شركة "سبيس أكس" تتبع أحلام مالكها إيلون ماسك الذي يراهن بكل ما يملك على الذهاب بالبشرية في اتجاه معاكس تماماً، وهو استعمار الكوكب الأحمر.

طريق وعر

وفي هذا السياق، تناقلت مواقع علمية أميركية أخيراً أخباراً وردت ضمن مقالة بقلم الصحافي مايك وول، نشرت في مجلة علمية أميركية خلال الـ19 من سبتمبر/ أيلول الماضي تحت عنوان "فايبر لا يزال حياً! ستنزل ’بلو أوريجن‘ التابعة لجيف بيزوس مركبة ’ناسا‘ الفضائية المخصصة للبحث عن الجليد على سطح القمر عام 2027".

وأكد الكاتب أن طريق مركبة "ناسا" المسماة "فايبر" الطويل والمتعرج سيتضمن رحلة إلى سطح القمر على متن مركبة "بلو مون" التابعة لـ"بلو أوريجن".

ولتوضيح الرحلة نشرت المواقع العلمية رسماً توضيحياً وصوراً، قالت إن مصدرها هو موقع "بلو أوريجن"، والصور لمركبة قمرية صغيرة ذات شكل صندوقي ومركبة هبوط بيضاء أكبر على سطح القمر.

ويظهر هذا التصميم الفني مركبة الهبوط "بلو مون مارك 1" التابعة لشركة "بلو أوريجن"، ومركبة "فايبر" التابعة لـ"ناسا" على سطح القمر.

عودة من العدم لـ"فايبر"

تحت عنوان فرعي هو "عادت مركبة ’فايبر‘ رسمياً من العدم" كتب وول "أعلن مسؤولو ’ناسا‘ أن روبوت القمر التابع للوكالة (فايبر) والذي اسمه اختصار لعبارة ’مركبة استكشاف المواد المتطايرة القطبية‘ سينطلق إلى سطح القمر مع مركبة ’بلو أوريجن‘ التابعة لجيف بيزوس أواخر عام 2027".

وأكد القائم بأعمال مدير "ناسا" شون دافي ضمن بيان خاص بهذا الحدث أن "’ناسا‘ تقود العالم في استكشاف مزيد من أجزاء القمر أكثر من أي وقت مضى".

وأضاف دافي "هذه الرحلة مجرد واحدة من عدد من الطرق التي نستغل بها الصناعة الأمريكية لدعم وجود أميركي طويل الأمد على سطح القمر".

مهمة نحو الماء والطاقة

وفي التفاصيل ذكرت المقالة أن مهمة "فايبر" تبلورت كجزء أساس متوقع من برنامج "أرتميس" التابع لـ"ناسا"، والذي يسعى إلى ترسيخ وجود بشري مستدام طويل الأمد على سطح القمر وحوله بحلول عام 2030 تقريباً.

وسيتركز هذا الوجود في منطقة القطب الجنوبي للقمر، والتي يعتقد أنها تحوي كميات كبيرة من الجليد المائي، لذلك صممت مركبة "فايبر" للتحقق من وفرة هذا المورد المهم وسهولة الوصول إليه، والذي يمكن استخدامه لدعم الحياة البشرية على ذلك الكوكب، إضافة إلى تحليله إلى ذرات الهيدروجين والأوكسجين المكونة له لصنع وقود الصواريخ.

وكان من المفترض في الأصل أن تهبط مركبة "فايبر" التابعة لـ"بلو أوريجن" على القمر أواخر عام 2023 على متن مركبة "غريفين"، وهي مركبة هبوط أنشأتها شركة "أستروبوتيك" ومقرها بيتسبرغ.

ووقعت "أستروبوتيك" عقداً في هذا الشأن مع برنامج خدمات الحمولة القمرية التجارية (CLPS) التابع لـ"ناسا".

لكن التأخيرات في كل من "غريفين" و"فايبر" أجلتا الموعد المستهدف مرات عدة. ثم، خلال يوليو/ تموز 2024، أعلنت "ناسا" إلغاء المهمة التي "تجاوزت موازنتها"، على رغم أن المركبة الجوالة بحجم سيارة كانت جُمعت بالكامل بالفعل.

وأعلنت "ناسا" سابقاً وقبل التعاقد رسمياً مع "بلو أوريجن" أنها تخطط لطلب عروض من شركات خاصة أخرى، لمعرفة ما إذا كانت أية منها ترغب في التعاون لإطلاق مركبة "فايبر" إلى القمر و"تحمل بعض الكلفة".

وفي حال عدم نجاح ذلك، قالت الوكالة إنها تنوي الاستفادة من المركبة عبر قيام المهندسين التابعين لها بتفكيكها ووضع أجهزتها الرئيسة على روبوتات قمرية أخرى مستقبلاً.

وعلى عكس "سبيس أكس" لا تهتم "بلو أوريجن" بالوجهات الفضائية التي تحددها "ناسا" وعلماؤها بصورة حصرية.

ولا تتدخل الشركة في مسألة غزو واستعمار الفضاء. ومن المعروف أنه منذ بداية عمله في مجال الفضاء الأمريكي لا يتدخل بيزوس كثيراً في عمل "ناسا" العلمي. وفي المقابل، صرح إيلون ماسك أكثر من مرة بأنه لا يؤيد طريقة عمل "ناسا"، مؤكداً أنه لا ينوي الاستثمار بأية مشاريع فضاء أمريكية تتجه إلى القمر، وجاء ذلك إبان عمله داخل البيت الأبيض وفي ذروة تحالفه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي كان يشاطر ماسك الفكرة ذاتها.

استراتيجية "بلو أوريجن"

الترويج للدقة المتناهية في تنفيذ المهام الطموحة وبكلفة معقولة هي استراتيجية "بلو أوريجن" في العمل، خلافاً لـ"سبيس إكس" التي تهتم كثيراً بالترويج الإعلامي والبهرجة في كثير من أعمالها.

وفي هذا السياق نشر موقع "بلو أوريجن" جملاً مختصرة حول ميزات المركبة "بلو مون" التي ستنقل عربة "ناسا" إلى القمر.

ووفق موقع الشركة "ستتيح قدرة المركبة (بلو مون) هبوطات دقيقة وناعمة لمركبات ’ناسا‘، ووجوداً بشرياً مستداماً على القمر".

أما مركبة الهبوط والشحن القمرية أحادية الإطلاق "بلو مون مارك 1MK1" فستوفر بدورها نقل البضائع، مستفيدة من غطاء مركبة الإطلاق "نيو جلين" بطول سبعة أمتار، لنقل ما يصل إلى ثلاثة أطنان مترية إلى أي مكان على سطح القمر.

و"مارك 1" هي مركبة هبوط شحن قمرية أحادية الإطلاق تبقى على سطح القمر، وتوفر وصولاً آمناً وموثوقاً إلى البيئة القمرية.