تحوّل قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش في السودان تركيزها شرقاً بعد أن أحكمت قبضتها على إقليم دارفور الشهر الماضي، مصعدة بذلك من جديد أعمال العنف والهجمات بالطائرات المسيرة في المناطق الجنوبية المنتجة للنفط.
ويشير تصاعد هجمات قوات الدعم السريع والجيش بالطائرات المسيرة وقيامهما بعمليات نشر جديدة للأفراد والأسلحة إلى أن كليهما يركز جهوده الآن على كردفان، وهي منطقة تتألف من ثلاث ولايات تشكل منطقة عازلة بين معاقل قوات الدعم السريع في دارفور غرب السودان والولايات التي يسيطر عليها الجيش في الشرق.
وكانت "الدعم السريع" وافقت على مقترح وقف إطلاق النار الذي قدمته الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بعد احتجاج دولي أثارته روايات عن قتلها مجموعات كبيرة من المدنيين أثناء اجتياحها مدينة الفاشر، آخر المناطق التي كان الجيش يسيطر عليها في دارفور، لكن الجيش لم يوافق على وقف إطلاق النار الذي يمكن أن يوفر فرصة لإيصال مزيد من المساعدات الإنسانية بعد مرور عامين ونصف العام على اندلاع الصراع، والذي لم تتراجع حدته حتى الآن.
روايات شهود عن هجمات انتقامية
بدأت قوات الدعم السريع التحرك في كردفان في الوقت نفسه الذي استولت فيه على الفاشر أواخر الشهر الماضي، إذ استولت على بلدة بارا في ولاية شمال كردفان، وهي حلقة وصل إستراتيجية بين دارفور ووسط السودان، وكان الجيش استعاد السيطرة على البلدة قبل شهرين فقط، وتقول رئيسة المنظمة الدولية للهجرة، إيمي بوب، إن ما يصل إلى 50 ألف شخص نزحوا من كردفان منذ ذلك الحين.
وتأكيداً للتقارير الواردة من الفاشر، حيث نزح عشرات الآلاف أيضاً ولكن لا يزال كثير منهم في عداد المفقودين، وصف ناجون من بارا لم يذكروا سوى أسماءهم الأولى خوفاً من الانتقام من عائلاتهم، الهجمات الانتقامية على المتهمين بدعم الجيش وعمليات إعدامهم من دون محاكمة، وقال أحد الهاربين ويدعى خليل، متحدثاً إلى وكالة "رويترز" وذراعه معلقة بحمالة طبية في أم درمان التي يسيطر عليها الجيش وتشكل جزءاً من العاصمة السودانية "قالوا لنا: احتفلتوا مع الجيش واحتفلتوا مع البرهان، صفّوهم كلهم"، وذكر أنه جلس في صف مع ثمانية رجال آخرين قُتل اثنان منهم عندما أطلق جندي من قوات الدعم السريع النار عليهم.
ووصف رجل آخر يُدعى إسماعيل كيف اختبأ داخل منزل خلال إطلاق النار على الرجال في شارع إلى أن تمكن من دفع مبلغ مالي لمقاتل ليصطحبه هو وعائلته إلى خارج المدينة، فيما وصف رجل ثالث يُدعى محمد أنه عند وصول قوات الدعم السريع إلى منزله سمع والده وهو يقاوم ويتعرض لإطلاق نار أودى بحياته خارج الباب، مضيفاً أن مجموعات من مقاتلي "الدعم السريع" دخلوا المنزل وضربوه وآخرين وطالبوه بالمال والذهب، فغادر المدينة سيراً على الأقدام متخفياً من المقاتلين والمركبات، وقد ذكرت مجموعة "محامو الطوارئ"، وهي جماعة ناشطة سودانية، أن المئات قتلوا في بارا، فيما لم يتسن لـ"رويترز" التحقق من روايات العنف على نحو مستقل.
ورداً على سؤال للحصول على تعليق، قالت قوات الدعم السريع إن الجيش منع كل محاولة للسلام، وذكر أحد قادتها أن "أية منطقة يوجد فيها الجيش فهي هدف مشروع بالنسبة إلينا وسنهاجمه في جميع المناطق في كردفان أو الخرطوم أو بورتسودان".
ولم ترد قوات الدعم السريع على طلب للتعليق على روايات القتل في بارا، وتقول إن التقارير التي تتحدث عن انتهاكات واسعة النطاق في الفاشر وأماكن أخرى مبالغ فيها، وإنها تحقق في أية انتهاكات قد تكون حدثت.
مؤشرات على حشد عسكري
وقد يتحول القتال الآن إلى مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان، وهي واحدة من كبرى مدن السودان، وقال شاهدان لـ "رويترز" إنهما شاهدا الجيش والقوات المتحالفة معه يحشدان قوات وعتاداً داخل المدينة هذا الأسبوع، بينما انتشرت قوات الدعم السريع في الشرق، وأوضح سكان لـ "رويترز" أن "الدعم السريع" تحاصر أيضاً مدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان التي تضم قاعدة رئيسة للجيش، وكان معظم المدنيين قد فروا منها أثناء قتال سابق.
أما في جنوب كردفان فتحاصر قوات الدعم السريع والمقاتلون المتحالفون معها في "الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال" الجيش في مدينتي كادوقلي والدلنج القريبة، وذكر مصدر في الحركة الشعبية لتحرير السودان -الشمال أن القتال يتصاعد، فيما قدّر مرصد عالمي لمراقبة الجوع الأسبوع الماضي أن كادوقلي تعاني المجاعة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، وأن الدلنج تعاني أيضاً على الأرجح مجاعة، مما يعكس تأثير الحصار على الفاشر، وأيضاً أشار شهود ومصادر إلى وجود مؤشرات على حشد عسكري أوسع نطاقاً.
وقال مصدر في الجيش ومصدر مقرب من "الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال" إن الجماعة المسلحة حصلت على أسلحة جديدة عبر جنوب السودان، وأشار شاهد في مدينة بورتسودان الساحلية، عاصمة الجيش في زمن الحرب، إلى أن هناك زيادة في وصول طائرات الشحن، وذكر مصدران في الجيش أن الطائرات تحمل شحنات عسكرية، بينما لم يتسن لـ"رويترز" التحقق من هذه المزاعم على نحو مستقل.
وتسببت الحرب التي اندلعت بسبب صراع على السلطة في إراقة دماء على أساس عرقي ودمار واسع النطاق ونزوح جماعي، مما جذب قوى أجنبية وهدد بانقسام السودان، واعتمد الطرفان على نحو متزايد على غارات الطائرات المسيّرة خلال الأشهر القليلة الماضية، مما أدى إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين.
وفي الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري أدى هجوم بطائرات مسيّرة في محلية شيكان شمال كردفان إلى مقتل 49 شخصاً بينهم نساء وأطفال، بحسب ما ذكر محامو الطوارئ، من دون أن يسموا الجهة التي تقف وراء الهجوم.
وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك الجمعة الماضي إن "التطورات على الأرض تشير إلى استعدادات واضحة لتكثيف الأعمال القتالية، بكل ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى شعب السودان الذي عانى طويلاً".