3 ديسمبر 2025
آخر الاخبار
2 ديسمبر 2025
يمن فريدم-مجلة المجلة-أنور العنسي


يكاد لا يمر الكثير من الوقت، أسابيع أو أقل، حتى يتكشف المزيد من خفايا وأسرار التدخلات الخطيرة والمتعددة لإيران و"حزب الله" اللبناني في دعم جماعة الحوثيين في اليمن، في محاولة لتحويل هذه الجماعة إلى (كيان ميليشياتي مسلح) خاص موالٍ لهما داخل اليمن يمنع استعادة الدولة في هذا البلد المنهك، وإلى خنجر مسموم في خاصرة الإقليم العربي وإلى خطر دائم على خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

‏يوم الجمعة الماضي، وفي حفل تأبين لرئيس أركان "حزب الله" اللبناني، هيثم علي الطباطبائي، الذي اغتالته إسرائيل في ضاحية بيروت الجنوبية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، اعترف "الحزب" على لسان أمينه العام، نعيم قاسم بالدور الذي اضطلع به "القيادي الجهادي الكبير" في وما وصفه قاسم بـ"التصدي للمد التكفيري في سوريا" وكذلك في أن "يذهب إلى اليمن ويساعد في التدريب والإعداد" في دعم جماعة الحوثيين والمشاركة في إدارة عملياتها العسكرية طوال 9 أعوام من الحرب في اليمن والمنطقة منذ 2015 حتى 2024.

زعم قاسم أن الطباطبائي "ترك بصمة، وأن اليمنيين أحبوه- الطباطبائي- لأنهم يعرفون من هو هذا النموذج الإلهي المقاوم الشجاع الذي يريد العمل من أجل نصرة فلسطين وتحرير الأرض والإنسان"، على حد قوله.

الطباطبائي لم يكن أول قائد عسكري "ميداني وعملياتي" رفيع تقتله إسرائيل بعد أن كان "حزب الله" قد انتدبه للدعم والتدريب والقتال مع جماعة الحوثيين في اليمن، فقد استهدفت إسرائيل عددا آخر من ضباط وخبراء "الحزب" العائدين من مهام عسكرية طويلة ومعقدة في اليمن، كانوا، على ما يبدو مطلوبين لإسرائيل والولايات المتحدة اللتين كانتا تعرفهم اسما اسما أكثر مما يعرفهم اللبنانيون، وتراقب تحركاتهم بين كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن.

إيران وصناعة المخدرات في اليمن

كشف المقدم مراد الردواني، منسق الأمن الداخلي التابع للإنتربول والمقيم في اليمن، مؤخرا عن تفكيك "أول مصنع ينشأ في اليمن ومزود بأحدث الأجهزة الحديثة" مؤكدا في حديث لوكالة "فرانس برس" بقوله: "تمت السيطرة على المصنع وتفكيكه قبل أن يبدأ عملياته ويشرع في تصدير المخدرات والمنشطات إلى الخارج"، وأنه تم القبض على "خبراء" سوريين وإيرانيين قال منسق الإنتربول إن "إيران هي من قدمت الدعم المالي والمعدات الحديثة لهؤلاء الخبراء، وقد أثبتت التحقيقات ذلك، بالإضافة إلى اعترافات الخبراء أنفسهم" بأن ذلك يتم بهدف تصدير تلك العقاقير المخدرة إلى دول الجوار وتحويل عائداتها لتمويل إيران و"حزب الله" اللبناني.

يعتبر الحوثيون هذا، كما قال منسق الإنتربول "مصدر دخل، ويسهلون عمليات التهريب إلى البلدان المجاورة. كما تستفيد إيران من ذلك". وفي المقابل، نفى مسؤول في وزارة الخارجية الإيرانية هذه الاتهامات بشدة، وقال إن "هذه الادعاءات لا أساس لها على الإطلاق".

لكن رئيس قسم التحقيقات في الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (وادا)، غونتر يونغر، أكد صحة تلك التقارير، موضحا أن المداهمة التي نفذتها أجهزة إنفاذ القانون اليمنية أسفرت عن ضبط 447 كيلوغراما من المخدرات والمواد المنشطة. ومعظمها من الأمفيتامينات.

من الواضح أن إيران ومعها "حزب الله" والحوثيون لن يتركوا ساحة رخوة أمنيا بسبب الحرب في اليمن إلا حاولوا استغلالها، أو مصدرا لتعويض خسائرهم المادية إلا سعوا للاستفادة منه، حتى لو كان ذلك من خلال إنتاج وتصدير المخدرات، وليس ذلك بجديد بل يضاف إلى سجل "حزب الله" والنظام البائد في سوريا لإنتاج وتسويق حبوب (الكبتاغون) فضلا عن شبهات كثيرة حول أنشطة عديدة لإيران و"حزب الله" في هذا المجال تجري حتى في بعض دول أميركا اللاتينية كفنزويلا وكولومبيا والأرجنتين وغيرها.

هكذا إذا كان لا حديث جرى أو يجري تداوله في وسائل إعلام المنطقة وحتى العالم منذ سنوات إلا عن إيران التي تكاد لا تلبث أن تنكفئ على نفسها قليلا، وتتفرغ لإصلاح أمورها الداخلية بعد الأحداث الجسام التي شهدتها خلال العامين الماضيين حتى يخرج أحد قادتها ليثير زوبعة جديدة، إما بشأن برنامجها النووي المثير للجدل وإما عن تدخلاتها الإقليمية سيما في لبنان الذي يشهد تحركات دبلوماسية حثيثة ونقاشات ساخنة بشأن نزع السلاح "الإيراني المصدر" الموجود لدى "حزب الله"، وعن اليمن حيث راجت توقعات بأن تُقْدم جماعة الحوثيين الموالية لطهران على مهاجمة إسرائيل ردا على اغتيالها رئيس أركان "حزب الله"، هيثم علي الطباطبائي، في الضاحية الجنوبية لبيروت، خصوصا بعد تهديدات "الحرس الثوري" الإيراني بالانتقام، الأمر الذي قد يفهم على أنه رسالة إلى الحوثيين، الذين أوفده "الحزب" إليهم في مهمات تدريبية لهم، وقيل إن علاقة نسب ربطته ببعض قادتهم، وذلك لتحريضهم على الانتقام من جهة أنهم قد يكونون أقل من "حزب الله" تضررا من أي رد فعل إسرائيلي مهما كانت قوته أو أنهم أساسا لن يكونوا مكترثين كالعادة بأي خسارة.

حرب إسرائيل وإيران الجديدة في لبنان

الأسبوع الماضي أثار علي أكبر ولايتي، المستشار السياسي للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي موجة من ردود الفعل على تصريحاته لوكالة "تسنيم" الإيرانية، التي اعتبر فيها أن "حزب الله" كان "منقذا للشعب اللبناني" وأن "وجود (حزب الله) ضرورة لا غنى عنها للبنان" بالغا حد القول إن "حزب الله" اليوم "أكثر ضرورة للبنان من الماء والخبز"، مضيفا أن إيران التي دعمت "حزب الله" في السابق "سوف تواصل دعم الحزب" في المستقبل.

حديث المسؤول الإيراني عن أن "الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، تنذر بالنتائج الكارثية لنزع سلاح (حزب الله)"، ليس وجيها تماما رغم تمادي إسرائيل في انتهاكاتها لسيادة لبنان، لكن الأمر متروك في النهاية للبنانيين أنفسهم بأن يقرروا مصير ذلك السلاح، كما أن تلك التصريحات تهدد بإفشال الجهود المصرية-السعودية للحيلولة دون انزلاق لبنان "إلى مواجهة ثانية أكثر خطورة مع إسرائيل".

في الوقت نفسه، لم تفلح تصريحات وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقي، في استدراك ما ذهب إليه كلام (ولايتي) أو توضيحه عندما قال الوزير عراقجي إن القرار في "يد الجيش اللبناني و(حزب الله)" إذ لو كان بيد الجيش اللبناني شيء لفرض قراره ولما هددت إسرائيل بالتدخل لنزع سلاح "حزب الله" بـ"القوة" نتيجة عجز الجيش والدولة اللبنانيين عن إقناع "الحزب" بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين الحكومة وإسرائيل قبل عام، مع أن هذا لا يبرئ ساحة إسرائيل من الرغبة في تصعيد التوتر وربما الذهاب إلى جولة أخرى من الحرب لها علاقة بالخلاف السياسي داخل حكومة نتنياهو أكثر من صلتها بمسألة نزع سلاح "حزب الله".

تحريض عن بُعد

إن دعوة مسؤولين آخرين في طهران "حزب الله" لمراجعة "سياسة الصبر الاستراتيجي مع إسرائيل" تمثل نوعا من صب المزيد من الزيت على نار لم تنطفئ أصلا، فضلا عن أنها تقدم دليلا صارخا على التدخلات السياسية لإيران في الشؤون اللبنانية، ويشكل محاولة لخلط الأوراق لمنع الفرقاء في هذا البلد من الحوار الهادئ والجاد نحو التوصل إلى تفاهم لبناني-لبناني بشأن معضلة سلاح "حزب الله" الذي تهدد إسرائيل بأنها سوف تستخدم كل وسائل الضغط القصوى لحصر هذا السلاح بيد الدولة اللبنانية حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن "بيروت لن تعرف الهدوء ولبنان لن ينعم بالأمن دون ضمان أمن إسرائيل"، على حد قوله.

ومن بيروت، أكد السفير السوري في لبنان، مجتبى أماني، على "حتمية" رد "حزب الله" على اغتيال رئيس أركان حزبه هيثم الطباطبائي قائلا إن هذا الرد "آت لا محالة" بالطريقة وفي الوقت الذي يراه الحزب مناسبا.

يتحجج مناصرو "الحزب" بشرعية سلاح "الحزب" كأداة لمقاومة إسرائيل، وهذا أمر تم غض النظر عنه في مراحل سابقة، بل وجرى تأييده والثناء على دوره كرمز في مقاومة إسرائيل والتصدي لاعتداءاتها على لبنان، لكن هذا الأمر تغير عندما أريد لهذا السلاح أن يتحول إلى وسيلة تتعدى فكرة إيجاد توازن داخلي بين "الحزب" وبقية مكونات لبنان إلى جعل "الحزب" دولة داخل الدولة، ثم إلى رافعة تخدم السياسات الخارجية لإيران أكثر من مصالح لبنان وتتجاوزها إلى لعب أدوار ومغامرات عسكرية خارج حدود لبنان كما حدث خلال مشاركة "الحزب" في قتال الشعب السوري إلى جانب النظام السوري البائد أو في تبني تسليح وتدريب جماعة الحوثيين وتحريضها على التمرد والانقلاب على الدولة اليمنية وما بعد ذلك من حرب ضروس لاستعادة هذه الدولة.

رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، الذي طالما شكا من عرقلة "حزب الله" تنفيذ الاتفاق المبرم مع إسرائيل لوقف إطلاق النار، أقر من جانبه بأن سلاح "حزب الله" "لم يحم قادة (الحزب) ولا اللبنانيين أو ينتصر لغزة"، كما قال. ا

حصار عالمي

تجد إيران نفسها أمام تضييق من كل الجهات فأستراليا أدرجت "الحرس الثوري" الإيراني ضمن المنظمات الداعمة للإرهاب، وأمهلت السفير الإيراني لديها سبعة أيام لمغادرة البلاد، وذلك في سابقة وصِفت في (كانبيرا) بأنها الأولى في تاريخ العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك بدعوى وقوف "الحرس الثوري" الإيراني وراء "أنشطة إرهابية في أستراليا" هذه القارة البعيدة عن حدود إيران بآلاف الكيلومترات.

من الثابت، بشهادة تقارير موثوقة لوكالة الطاقة الذرية الدولية التابعة للأمم المتحدة وغيرها أن إيران التي استثمرت مليارات الدولارات في بناء مشروعيها النووي والصاروخي قطعت خطوات أبعد من منتصف الطريق في سيرها نحو تخصيب اليورانيوم الذي تقول إنها نقلت مخزونها منه إلى مكان آمن قبل الحملة العسكرية الإسرائيلية والأمريكية على مفاعلاتها النووية الرئيسة في (بوشهر ونطنز وفوردو وأراك) وأنها لا تستطيع التراجع عن السير في هذا المضمار، ما يعني أن النزاع معها بهذا الشأن سيظل طويل الأمد من دون التوصل إلى صفقة تاريخية تحقق لها بعض ما تبتغيه منه دون رفع يدها عن نفوذها الإقليمي الذي تعتبره هو الآخر استثمارا استراتيجيا لا يمكنها التخلي عنه، وهنا تكمن معضلات أخرى في علاقاتها الخارجية، العربية على وجه الخصوص.

كل ذلك يطرح أسئلة المطلوب الإجابة عليها، مؤداها: ما مصلحة إيران من وراء هذه التوترات التي تصطنعها في علاقاتها الدولية بامتداد لا يتوقف عند الشرق الأوسط بل يصل حتى أميركا اللاتينية وأستراليا؟

بات واضحا إذن، أن إيران لا تزال متمسكة باستراتيجيتها المتمثلة في أن أفضل وسيلة لدرء الخطر المباشر عنها هي إشغال خصومها الغربيين بتحديات ومشكلات أمنية خارج حدودها أصبحت تتجاوز أذرعها في البلدان القريبة منها إلى أماكن أخرى أبعد عنها في قارات عدة.

ما يبعث على الاستغراب هو ما الذي يهم إيران أكثر، شأنها الداخلي وهمومها الاقتصادية والاجتماعية أم دورها الإقليمي والسعي وراء مصادر تمويل غير مشروعها في شتى أقاصي الأرض؟ وما الذي تخفيه وراء تضحيتها بأمن واستقرار ومعيشة مواطنيها من أجل نفوذ إقليمي أخذ يتضاءل ويواجه بالكثير من الرفض والكراهية كما نشهده اليوم في العراق ولبنان وأكثر منه في اليمن رغم انقسامات هذا البلد حول ملفات كثيرة إلا أن إجماع غالبيته يتركز على أن إيران هي السبب وراء كل حروب وأزمات المنطقة.

بالتأكيد لا أحد يمكنه تقرير ماذا تريد أن تختاره إيران لنفسها في الحاضر والمستقبل غير ما يختاره شعبها، قبل فوات الأوان، وفقا لإرادته وقناعاته ومصالحه الاستراتيجية العليا.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI