خلال وقت أنهكت فيه السودان الحرب المشتعلة منذ عام 2023 وتنازعت مستقبله جبهات السلاح، يأتي المقترح الأمريكي الأخير بوصفه محاولة لإعادة رسم المشهد السوداني، ولكن عبر مقاربة مختلفة هذه المرة، وهي الرهان على القوى المدنية.
فحين قدم مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا مسعد بولس خريطة طريق من ثلاثة مسارات، عسكري وإنساني وسياسي، كان واضحاً أن المسار الثالث هو جوهر الرؤية الأمريكية، بتصور عملية سياسية تقودها قوى مدنية تستبعد منها عناصر النظام السابق وجماعة "الإخوان المسلمين"، وتناط بها مهمة التفكير في مستقبل الانتقال المدني الديمقراطي، بما في ذلك دعم المسار الإنساني والشروع في خطوات إنهاء الحرب متى ما وافق الجيش و"الدعم السريع" على هدنة تفتح الباب للتفاوض.
لكن هذا الرهان يخفي خلفه سؤالاً مركزياً، من هي القوى المدنية التي يتحدث عنها ترمب؟ فالمصطلح على عموميته يبدو أكثر ضبابية حين يوضع في سياق سوداني مضطرب، حيث تتداخل السياسة بالقبيلة وتتمازج الهياكل المهنية مع المبادرات الشبابية وتولد الكيانات المدنية الجديدة من رحم الحرب نفسها.
فالخريطة السياسية اليوم لا تقتصر على الأحزاب التقليدية مثل "الأمة" و"الاتحادي الديمقراطي" و"الشيوعي" و"البعث العربي الاشتراكي"، بل تمتد إلى تشكيلات جديدة نشأت تحت نيران النزاع.
هناك "تحالف السودان التأسيسي" (تأسيس) برئاسة قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي). وكذلك "التحالف المدني الديمقراطي في السودان" (صمود) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، إلى جانب طيف واسع من الإدارات الأهلية ولجان المقاومة التي تمثل الذاكرة الحية لانتفاضة 2018، ومنظمات المجتمع المدني التي تحاول ترميم ما تبقى من المجال العام.
وما بين هذه الأطراف يبرز أيضاً "الاستثناء الأمريكي" الصريح، إقصاء الإسلاميين من العملية السياسية تماماً، ويطالب ترمب بإبعادهم من الجيش، وهو ما يضيف طبقة إضافية إلى تعريف القوى المدنية ذات الشرعية والقدرة على قيادة الانتقال.
هكذا، يصبح السؤال الحقيقي ليس فحسب، من هم المدنيون؟ بل أي مدنيين تريدهم واشنطن لقيادة السودان؟ وأي مدنيين يمكن للسودانيين قبولهم في لحظة تتشكل فيها البلاد من جديد؟
إرث الأحزاب
منذ استقلال السودان خلال خمسينيات القرن الماضي لعبت الأحزاب العريقة دوراً محورياً في المشهد السياسي، لكنها اليوم تواجه تحديات وجودية تقوض قواعدها الجماهيرية وقدرتها على القيادة السياسية.
"حزب الأمة" الممثل لطائفة الأنصار حافظ تاريخياً على ولائه من خلال البيت المهدوي و"هيئة شؤون الأنصار"، بينما الحزب "الاتحادي الديمقراطي" الموالي لطائفة الختمية ظل رهيناً لعائلة الميرغني مما حد من مرونته السياسية، قبل أن يتعرض الحزبان لانقسامات داخلية.
أما الحزب الشيوعي فقد بسط نفوذه عبر لجان تنظيمية واستقطاب عناصره محلياً، لكنه عانى انقسامات متكررة أيضاً وفقد كثيراً من جذوره الاجتماعية. في المقابل، حزب البعث السوداني المنشق عن الحزب الأم ظل حضوره باهتاً مع ظهور محدود في الحكومة الانتقالية وارتباطه بما وصف بـ"كتائب حنين"، على رغم نفي الحزب لأي دور في العنف السياسي.
أعادت الحروب والصراعات في السودان منذ حرب الجنوب ودارفور والحرب الحالية تشكيل الواقع السياسي، فجعلت هذه الأحزاب تعتمد على الشتات والانقسامات الداخلية، فتراجعت برامجها السياسية العملية مقابل اعتمادها على التعبئة الأيديولوجية، أو على ولاءات مناطقية وقبلية.
اندمج بعضها في كيانات سياسية أخرى مثل مشروع حسن الترابي عام 2015 لتوحيد الإسلاميين مستغلاً الفراغ السياسي، لكن هذه المشاريع ظلت محدودة المدى ومقتصرة على قيادات محددة.
الواقع الحالي يظهر أن الأحزاب العقائدية والعريقة لا تمتلك برامج قابلة للتطبيق على الأرض، وأن نشاطها مرتبط غالباً بالاحتكاك بمشاريع الانتفاضات المختلفة والتنافس على المواقع الحكومية، لا بتطوير سياسات تنموية أو بناء قاعدة انتخابية حقيقية.
وأسهم التشظي التاريخي في ضعف ثقة السودانيين بها، مما يجعل أية محاولة لإعادة هيكلتها أو توسيع حضورها السياسي محفوفة بالأخطار.
وحتى انتفاضة 2018 ثم الحكومة الانتقالية، بدا واضحاً أن هذه الأحزاب تتعامل مع الحشود الشعبية بلا استراتيجية واضحة، مستثمرة في التوتر السياسي والانقسامات.
اليوم، مع خريطة سياسية مفتتة واندماج هذه الأحزاب في تحالفات أكبر تجد الأحزاب العريقة نفسها أمام مفترق طرق، إما العمل بصيغتها التاريخية في محاولة لمخاطبة جماهيرها، أو البقاء ضمن هذه التحالفات في هامش المشهد السياسي.
لاعب الاحتجاجات
ظهرت لجان المقاومة السودانية خلال عام 2012 في أعقاب انفصال جنوب السودان الذي فقدت بموجبه الخرطوم نحو 75% من عائداتها النفطية، لتصبح حركة شعبية غير مسلحة تواجه تدهور الأوضاع الاقتصادية، مستمدة إرثها من مقاومة الاستعمار والنظم الديكتاتورية السابقة.
ارتبطت البذرة الأولى لهذه اللجان بمحاولات مساءلة النظام قبل انتفاضة سبتمبر/ أيلول 2013 التي قمعت في مهدها، لكنها أعادت التشكل لاحقاً في انتفاضة ديسمبر/ كانون الأول 2018 لتصبح اللاعب الأبرز في الاحتجاجات الشعبية، على رغم عدم انضوائها تحت أي حزب سياسي، مع تلاقٍ محدود مع قوى يسارية داخل "تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير".
نزلت اللجان للمرة الأولى إلى الشارع في احتجاجات عام 2013، لكنها قوبلت بقمع عنيف من قوات "الأمن الشعبي" الموازية للنظام. ومع انتفاضة 2018 اكتسبت صيتها، حتى إن "تجمع المهنيين السودانيين" استلم زمام المبادرة لإدارة مطالب الأجور وتحسين الظروف الاقتصادية، بينما حافظت اللجان على حضورها الشعبي كذراع ضغط شعبي.
حاولت حكومة الفترة الانتقالية شرعنة مهام اللجان، وتحويلها إلى ما يعرف بـ"لجان التغيير والخدمات"، لكن لم تؤد المحاولات إلى تقليص دورها "الثوري"، بل أظهرت الازدواجية بين المهام الخدمية والسياسية، إذ استمرت اللجان في ممارسة الضغط على الحكومة والدفاع عن نفوذها في الشارع، مع استمرار التحديات المتمثلة في اللامركزية، وانعدام القيادة الموحدة، والخلافات الفكرية، وموقفها من القوى الخارجية.
على رغم أن لجان المقاومة وصفت بأنها قوة شعبية واسعة غير مسبوقة في السودان، لكنها ظلت تواجه جدلاً واسعاً حول إمكانية تحويل قدرتها الاحتجاجية إلى قوة حكم قادرة على إدارة الدولة. ولكن غياب هيكل قيادي واضح وبرامج سياسية قابلة للتطبيق شكك في قدرتها على الانتقال من الاحتجاج إلى الحكم، كما أن انقسامات داخلية وتحديات تنظيمية قد تحول دون تشكيل قاعدة مؤسساتية متينة.
على رغم ذلك، تمثل هذه اللجان حاضنة اجتماعية قادرة على تعبئة الشارع وممارسة دور رقابي مباشر على السلطة، خصوصاً في مواجهة تنظيم "الإسلاميين" الذين شكلوا ميليشيات مسلحة في عهد نظام البشير. وهي اليوم على رغم كل الانتقادات لسلوكها في بعض المناسبات تمثل ضمانة شعبية لمواصلة الضغط السياسي، مع إمكانية أن تتحول في المستقبل، إذا ما توافرت القيادة والاستراتيجية، من قوة احتجاجية إلى لاعب سياسي مؤثر في حكم السودان.
استعادة الحضور
منذ انتفاضة عام 2018، استعادت النقابات المهنية في السودان (الأطباء والمحامون والمعلمون) حضوراً كان مغيباً لثلاثة عقود من الهيمنة السياسية. وشكل "تجمع المهنيين السودانيين" نقطة التحول الأبرز، إذ أعاد الاعتبار لفكرة التنظيم النقابي المستقل وقاد الحراك الشعبي الذي أطاح نظام عمر البشير خلال أبريل/ نيسان 2019.
بعد ذلك، برزت كيانات مهنية مؤثرة مثل "اللجنة المركزية لأطباء السودان" التي لعبت دوراً محورياً في توثيق الانتهاكات وتقديم خدمات الطوارئ، و"محامو الطوارئ" الذين أعادوا تنظيم الدفاع القانوني وتوثيق الاعتقالات، فيما حاولت نقابة المعلمين التي أعيد إحياؤها عبر انتخابات 2022 قبل تجميدها بسبب الحرب، تأسيس نموذج نقابي ديمقراطي.
وعلى صعيد الحقوق، ازداد تأثير المنظمات المدنية المستقلة وفي مقدمها المبادرة السودانية للتنمية (سوديا) التي أصدرت عام 2021 تقريراً كشف تراجع استدامة المجتمع المدني بسبب الانقسام السياسي وتجميد التمويل الدولي عقب إجراءات الـ25 من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 التي فرضها الفريق البرهان. وعلى رغم الانتكاسة أثبتت الحرب منذ عام 2023 أهمية هذه المنظمات، إذ أدارت مبادرات محلية خطوط الإغاثة في الخرطوم ودارفور وكردفان في ظل تعطل مؤسسات الدولة.
إقليمياً ودولياً، تنظر جهات عدة إلى هذه الكيانات كطرف يمكن أن يحظى بقبول واسع لقيادة مرحلة انتقالية مستقبلية، بفضل استقلاليتها النسبية وقربها من نبض الشارع.
ومع انهيار مؤسسات الدولة في مناطق واسعة من السودان بسبب الحرب، ظهرت مبادرات مدنية وإنسانية جديدة أبرزها "غرف الطوارئ" التي انبثقت من "لجان المقاومة"، وتولت منذ عام 2023 توزيع الغذاء والدواء وتأمين المأوى، وقدمت خدمات لآلاف النازحين، فيما قدرت تقارير أنها صارت شريان حياة لأكثر من 11.5 مليون شخص.
وأطلقت نحو 75 منظمة مدنية ونسوية وشبابية خلال يوليو/ تموز 2023 وثيقة مبادئ مشتركة تدعو لوقف الحرب وبناء حكم مدني ديمقراطي، فيما تواصل بعض المنظمات دعم حوارات شبابية لتعزيز ثقافة التعايش.
يبقى السؤال، هل يمكن لهذه الكيانات التي نشأت في ظروف طارئة وتفتقر إلى هيكل موحد أن تتحول إلى قوة قيادة سياسية، بالنظر إلى أنها تمتلك شرعية اجتماعية واسعة وقرباً من معاناة الناس. ومع ذلك، فهي مرشحة لبناء معادلة سياسية جديدة إذا ما توافرت لها البيئة القانونية والدعم الإقليمي والدولي الكافي.
شبكة تاريخية
تشكل الإدارات الأهلية شبكة تاريخية من السلطات التقليدية يترأسها النظار والعمد والمشايخ والمقاديم والشرتاي، وهي كيانات تجمع بين السلطة القضائية والاجتماعية والإدارية وتعتمد على الأعراف والتقاليد القبلية لحل النزاعات وإدارة شؤون المجتمع المحلي.
جذور هذه الإدارات تمتد إلى سلطنات الفونج ودارفور وتقلي والمسبعات، ثم أدمجت في هيكل السلطة خلال الاحتلال البريطاني - المصري بين 1937 و1942، وفق تقرير مارشال لتطوير الإدارة والخدمة المدنية في السودان، إذ كانت وسيلة لتقليل كلفة الحكم وضمان الامتثال القبلي.
على مر العقود، خضعت هذه الإدارات لتقلبات سياسية حادة. وحافظت بعد الاستقلال على امتيازاتها الاجتماعية والاقتصادية، لكنها فقدت التأثير السياسي المباشر، فيما حاولت بعض الطوائف مثل الختمية والأنصار استخدام زعمائها لتأسيس أحزاب سياسية مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة.
وخلال عام 1973، حل الرئيس جعفر النميري الإدارة الأهلية موقتاً قبل أن تعود بمرونة في عهد الرئيس السابق عمر البشير، الذي وظفها لتعزيز الولاءات القبلية وخدمة مصالح النظام مستفيداً من نفوذها في المناطق النائية مثل دارفور وشرق السودان.
تتمتع الإدارة الأهلية بقدرة كبيرة على فض النزاعات حول الأراضي والمرعى والمياه والحدود بين القبائل، وغالباً ما تلعب دوراً في المجالس القضائية التقليدية المعروفة بـ"الجودية"، التي تضم كبار السن والعقلاء المحليين للفصل في النزاعات.
غير أن هذا الدور الاجتماعي والخدمي يختلط أحياناً بالتوجهات السياسية، إذ ظهرت خلافات داخلية بين زعماء القبائل، مثل الخلاف بين ناظر قبيلة الميما شمال دارفور وناظر عموم قبائل الهدندوة شرق السودان، واستقطابات مع المجلس العسكري أو الأحزاب التقليدية، مما يعكس هشاشة صدقيتها أحياناً.
مع التغيير السياسي في السودان إبان الانتفاضة، ظهرت محاولات لتقنين دورها عبر مشروع قانون تنظيم الإدارة الأهلية لعام 2018، بهدف تحديد صلاحياتها الاجتماعية والخدمية وفصلها عن العمل السياسي المباشر، مع الاستفادة من خبرتها التقليدية لضمان استقرار المجتمعات القبلية.
في المقابل، أطلق بعض الزعماء مبادرات لتشكيل أحزاب سياسية جديدة، مثل الحزب الأهلي السوداني بقيادة الناظر يوسف أحمد أبو روف، لكن الأساس القبلي يثير الشكوك حول قدرتهم على تجاوز المصالح المحلية إلى قيادة وطنية شاملة.
يبقى التحدي الأكبر للإدارات الأهلية في السودان هو التوازن بين تقاليد الحكم القبلي ومتطلبات الدولة الحديثة والديمقراطية، وهو اختبار حقيقي لقدرتها على لعب دور قوة مدنية مستقلة، محافظة على الاستقرار دون أن تتحول إلى أداة للتوظيف السياسي أو توسيع النفوذ القبلي.
إضعاف الجهود
منذ إجراءات البرهان ثم اندلاع الحرب أصبح أي حديث عن انتقال سلطة مدني سلس بعيد المنال. ومع ذلك، طرحت الإدارة الأمريكية رؤية تتضمن قيادة مدنية يمكن أن تمثل "طبقة قيادية بديلة"، شرط ضمان الاستقرار وإرساء هدنة إنسانية.
هذه الرؤية يحيط بها سؤال جوهري وهو ما إذا كان يمكن للطرفين العسكريين قبول قيادة مدنية إذا رافقتها ضمانات أميركية.
يرفض الجيش بصورة شبه مطلقة أي انتقال سلطة كامل للمدنيين، معتبراً أن ذلك قد يؤدي إلى فقدانه للهيمنة على مفاصل الدولة الأمنية والإدارية. وأكد ذلك في مواقف عدة تعكس تمسكه بمكتسباته الميدانية والهيكلية خصوصاً بعد استعادته العاصمة ومؤسسات الدولة.
أما "الدعم السريع"، فاتخذ عام 2025 خطوة تمكينية معلنة عن إدارة موازية داخل مناطق نفوذه، تحت مسمى "حكومة السلام والوحدة"، وأبدى استعداداً محدوداً لقبول المشاركة المدنية ضمن إطاره المحلي، خصوصاً إذا رافقتها ضمانات أميركية لتقاسم النفوذ الإقليمي، مما يعكس استراتيجية الحفاظ على السيطرة دون الاعتراف بحكومة مدنية موحدة.
الطرح الأميركي المبني على المسارات الثلاثة يسعى إلى ضمان هدنة وتخفيف الأزمة الإنسانية، مع إشراك قوى مدنية لإدارة مؤسسات الدولة. وعلى رغم ذلك يبقى الواقع العسكري في السودان حائط صد أمام أية قيادة مدنية شاملة، إذ يصر الجيش على دوره المركزي ويواصل "الدعم السريع" ترسيخ سلطته في دارفور وكردفان.
مستقبل السودان في ظل هذه الدينامية يشير إلى احتمال إقامة حكومة انتقالية مدنية موسعة جزئياً، شرط أن يحصر دور الجيش و"الدعم السريع" في الأمن، وتصاغ آليات دستورية تضمن مشاركة الجميع.
أية محاولة لفرض قيادة مدنية موحدة من دون توافق ميداني ستظل هشة، وقد تؤدي إلى استمرار الانقسام السياسي وإضعاف أية جهود لإرساء استقرار طويل المدى.
سيناريوهات محتملة
يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسة تختلف في بنيتها الاستراتيجية ومدى تأثيرها في الاستقرار الوطني، الأول سيناريو الإدارة التكنوقراطية ويقترح تشكيل حكومة انتقالية قائمة على الكفاءات المهنية تشمل الأطباء والمحامين والمهندسين والخبراء الاقتصاديين وغيرهم، بعيداً من الانتماءات الحزبية التقليدية.
ويعتمد هذا السيناريو على منطق الكفاءة وتقديم خدمات فورية للمواطنين، مما قد يزيد الثقة الداخلية والخارجية بالقوى المدنية. لكنه يواجه عقبة عدم وجود قاعدة شعبية واسعة لأصحاب الكفاءات هؤلاء مقارنة بالكتل السياسية أو الحركات الثورية، مما قد يقلص تأثيرها في الأرض.
والثاني سيناريو الشرعية المحلية، ويتبنى بناء نفوذ تدريجي عبر مجالس مدنية ولائية، تنظم محلياً وتحقق مشاركة مباشرة للمجتمعات في إدارة شؤونها.
هذا السيناريو يستند إلى تجربة مبادرات مثل المجالس المحلية في دارفور وكردفان، ويعزز شرعية القوى المدنية عبر القرب من المواطنين، لكنه يحتاج إلى وقت طويل قبل أن يتحول إلى قيادة مركزية قادرة على إدارة الدولة على المستوى الوطني.
أما الثالث فهو السيناريو الأمريكي المحتمل، ويطرح تكوين جسم مدني موحد يضم ممثلين منتخبين عن كل كتلة مدنية رئيسة، بدعم مباشر لضمان استقرار المرحلة الانتقالية.
هذا الخيار يسعى إلى تحقيق توازن بين التمثيل الشعبي والقدرة على التفاوض مع الجيش و"الدعم السريع"، لكنه يعتمد على ضغط دولي مستمر ومواءمة مع مصالح الفاعلين المحليين، وإلا قد يفشل في فرض شرعية عملية على الأرض.
(اندبندنت عربية)