5 ديسمبر 2025
4 ديسمبر 2025
يمن فريدم-فخر العزب
جامع ومدرسة المظفر في مدينة تعز (عامر الصبري)


يحتلّ جامع ومدرسة المظفر في مدينة تعز جنوب غربي اليمن مكانة كبيرة لدى أبناء المدينة، حيث يُعدّ واحداً من أبرز معالمها التاريخية والدينية، وهو يقف شامخاً منذ مئات السنين في وسط المدينة، أو كما تُعرف لدى الأهالي بـ"المدينة القديم"، بتأنيث الاسم وتذكير الصفة. ومنذ قرون طويلة، تتردّد آذان الجامع ويصل صداه إلى قلوب الناس، وتحيط به معالم تاريخية عديدة، مثل قلعة القاهرة، ومسجد الأشرفية، وقبة الحسينية، وغيرها الكثير.

ولا يكتسب جامع ومدرسة المظفر أهميته من كونه واحداً من أكبر وأقدم مساجد تعز على الإطلاق، بل تأتي أهميته من الرمزية التاريخية التي يتمتع بها، باعتباره أحد أبرز معالم الدولة الرسولية التي أسسها عمر بن رسول، واتخذت من تعز عاصمة لها، وامتدّ حكمها من العام 626 إلى العام 858 هجري (من العام 1229 إلى العام 1454 ميلادي)، ليشمل مساحة شاسعة امتدت من الحجاز حتى ظفار.

وتُعدّ فترة الدولة الرسولية التي امتدت لقرونٍ أزهى الفترات في تاريخ الجزيرة العربية، نتيجة النهضة العلمية التي أسّسها ملوك الدولة، والذين اهتمّوا بإرساء العِلم ومحاربة الجهل. ومن أجل هذا الغرض، بادروا إلى إنشاء المساجد التي كانت تجمع بين دور الجامع والمدرسة، وقدّموا العلماء على ما سواهم، فكانوا يجزلون لهم بالعطاء، ويمنحونهم أعلى المراتب، وكان للرسوليين دور كبير في إثراء المكتبة العربية بالكتب المتنوعة في مختلف العلوم، سواء العلوم الشرعية التي اهتمّت بتثبيت المذهب الشافعي في اليمن، بوصفه المذهب الرسمي للدولة، أو العلوم الأخرى مثل الطب والفلك والصناعة والزراعة واللغة وغيرها.

وقد شُيّد جامع المظفر في عهد الدولة الرسولية، إذ بناه ثاني مُلوكها، الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي الذي تولّى الحكم بين عامَي 647 و694 هجري (بين 1249 و1295 ميلادي)، وسُمّي الجامع باسمه. بينما تشير مراجع عدّة إلى أنّ تأسيس الجامع كان في العام 663 هجري (1265 ميلادي).

وخلال الدولة الرسولية خضع الجامع لأكثر من عملية توسعة وترميم، أهمّها تلك التي نُفّذت بأمر من الملك المجاهد علي بن داود بن يوسف بن عمر، وتلك التي نُفّذت في الجهة الشرقية من المدرسة، بأمر من السلطان الرسولي الملك الأشرف الثاني إسماعيل بن العباس بن علي بن داود، كما أن بعض القباب أُعيد تشييدها في عهد الدولة الطاهرية.

وقد جاء بناء جامع ومدرسة المظفر في سياق الاهتمام بالعِلم والبنيان الذي امتاز به الرسوليون، والذين شيّدوا أيضاً حصن تعز المعروف بقلعة القاهرة، بالإضافة إلى مساجد ومدارس الأشرفية والمعتبية والأسدية والجبرتية والياقوتية وغيرها. ويتألّف صحن الجامع أو ما يُعرف ببيت الصلاة من جناحَين، شرقي وغربي، ومساحة مركزية تُتوّجها قبّة مركزية فوق منطقة المحراب، تدعمها أعمدة وحنايا ركنية.

وهناك ستّ قِبَاب صغيرة جانبية تدعمها عقود نصف دائرية ضخمة، ودعامات متعدّدة الأضلاع، كما أنّ الجامع مزيّن بالزخارف التي تُجمّل الجدران وباطن القباب، وتمتاز بمنحوتات جصّية ونقوش كتابية وهندسية ونباتية، مشابهة للزخارف الموجودة في كل الجوامع التي تعود للدولة الرسولية. وبين الركن والسطح، ثمّة ما يُسمّى بالمثمنات، فيها نوافذ مُحاطة بحنايا معقودة، وتُضبط بفتح نوافذ تؤطّرها زخارف هندسية ملوّنة.

وللجامع مئذنة شاهقة ترتفع نحو 45 متراً، لها قاعدة مربّعة قوية بجدران سميكة، مكسوّة بما يُعرف بـ"حجارة حبشيّة" سوداء، استُخدمت لحماية الأساس من التآكل أو الرطوبة. كما أنّ للمئذنة ثلاث شرفات، وتُتوّج بقبّة بيضاء تلمع تحت أشعة الشمس. وللجامع مُلحقات تتمثل بالمدرسة التي تُعرف بالمدرسة المظفرية، بالإضافة إلى حمّام بخاري. ويعتقد بعض السكان المحليين أنّ الاغتسال بماء هذا الحمّام يقي من الأمراض، كما يتبرّك به البعض.

واليوم، يعاني جامع ومدرسة المظفر من تدمير مُمنهج يهدف إلى طمس معالمه التاريخية، ومن إهمال متعمّد يهدّد بقاءه نتيجة عدم الاهتمام بترميمه وبالحفاظ على طابع بنائه القديم الذي يأتي على النسق الإسلامي المميّز للدولة الرسولية.

وتشير الكثير من المصادر إلى أنّ المئذنة الخاصة بالجامع تهدّمت قبل العام 1963 وأُهملت مسألة إعادة بنائها حتى العام 1984، وهو العام الذي بُنيت فيه منارة الجامع. لكن عملية البناء لم تتمّ على نسق المنارة الأصلية المتوائمة مع تصميم الجامع، بل جرى بناء المئذنة بالطابع الصنعاني الحديث الذي طمس معالم المنارة التاريخية للجامع، وهو تدمير مُمنهج لواحد من أهم معالم المدينة التاريخية الذي يعود تاريخ بنائه لما يقارب ثمانية قرون.

ونتيجة الإهمال يعاني الجامع من مشاكل هيكلية، وتشققات في عقود الجدران، وبطون القِبَاب، نتيجة تآكل مادة البناء (القضاض) والرطوبة. كما أنّ بعض النقوش أُزيلت من سقف الجامع جراء الإهمال واستخدام مواد بناء محلية بشكل عشوائي في معالجة الأضرار التي لحقت بسقف الجامع.

ويرى الأهالي في تعز أنّ الفساد المستشري في الدولة حال دون استفادة الجامع من عائدات الأوقاف التي خُصّصت لصالحه منذ قديم الزمان، حيث تُنهب من المسؤولين. بينما في حال الاستفادة منها، فإنّها تكفي لتحويل الجامع إلى جامعة متكاملة لتعليم العلوم المختلفة، وفقاً للمبدأ الذي جرى على أساسه تشييد الجامع. كما أنّ عائدات الوقف الخاصة بالجامع تكفي لترميمه على يد خبراء دوليّين بما يحافظ على تصميمه المعماري الأصلي.

(العربي الجديد)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI