لا تزال عمليات الاعتقالات في إيران جارية في مناطق عدة، في إطار محاولة السلطات إخماد الاحتجاجات التي انطلقت في 16 سبتمبر، كرد فعل على وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) بعد توقيفها من قبل "شرطة الأخلاق" في طهران، بدعوى عدم التزامها القواعد الصارمة للباس في البلاد.
وأفادت شبكة " إيران إنترناشيونال" بأن قوات الأمن اعتقلت الجمعة أكثر من 113 شخصاً، بينهم عشرات الأطفال والمراهقين والشباب في زاهدان بإقليم بلوشستان، مشيرة إلى أنها قررت ترحيل بعض المعتقلين الذين لا يحملون بطاقات هوية من زاهدان إلى أفغانستان، و"ضغطت على آخرين لانتزاع اعترافات قسرية".
وأوضح موقع "حال وش" و"حملة نشطاء البلوش"، أن من بين المعتقلين في زاهدان، طفلين يبلغان من العمر 14 عاماً الأول يدعى إحسان إيدون، والثاني عمر كبداني، وهو شقيق نعمة الله كبداني أحد ضحايا ما بات يعرف باسم "جمعة زاهدان الدامية" في إشارة إلى المواجهات الدامية التي وقعت في 30 سبتمبر، بين محتجين في المدينة، وقوات "الباسيج".
ونقل الموقع عن الموقع والحملة، قولهما إن هناك عشرات الأطفال والمراهقين دون سن الـ18 اعتقلوا، وكثير منهم "لا يملكون شهادات ميلاد". وحذرت "حملة نشطاء البلوش" من أن العديد من هؤلاء الأطفال والمراهقين المحتجزين يتعرضون لضغوط "لأخذ اعترافات قسرية"، وإصدار أحكام قاسية ضدهم.
يذكر أن نحو 100 ألف شخص في مدن وقرى مختلفة بإقليم بلوشستان لا يحملون شهادات ميلاد إيرانية، على الرغم من أنهم من أهالي بلوشستان إيران.
وفي السياق نفسه، أعلنت منظمات حقوقية إيرانية أنّ قوات الأمن اعتقلت الأربعاء، الطاهي الشهير نوّاب ابراهيمي الذي يتابعه الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي، وأغلقت مقهاه في طهران، من دون توضيح أسباب.
وقالت منظمة "هرانا" الحقوقية إنّ إبراهيمي اقتيد إلى سجن "إيوين" في طهران.
ولم يتّضح سبب اعتقال الطاهي الذي لديه 2.7 مليون متابع على موقع "إنستغرام" يشاهدون مقاطع الفيديو التي يشرح فيها بسهولة كيفية تحضير أشهى وصفات المطبخ الإيراني التقليدي.
لكنّ متصفّحين للإنترنت قالوا إنّ اعتقاله تمّ في أعقاب نشره على حسابه في "إنستغرام" مقطع فيديو لكيفية تحضير "الكوتليت"، الطبق الإيراني التقليدي الشبيه بالكباب وقوامه خصوصاً اللحمة المفرومة. وبحسب هؤلاء فإنّ ابراهيمي نشر هذه الوصفة في نفس اليوم الذي أحيت فيه إيران ذكرى قتل قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" قاسم سليماني قبل 3 سنوات في غارة جوية أميركية في العراق.
وفي ذكرى قتل سليماني من كل عام، دأب إيرانيون معارضون للنظام على نشر صور لطبق الكوتليت، في إشارة منهم إلى الطريقة التي قتل بها هذا الجنرال في غارة شنّتها طائرة أميركية دون طيار.
بدوره قال "مركز حقوق الإنسان في إيران" ومقرّه في نيويورك، إنّ "الشيف والمؤثّر نوّاب إبراهيمي اعتُقل في طهران، ويطرح مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي فرضية أنّ اعتقاله مرتبط بشرحه عبر (إنستغرام) طريقة تحضير طبق الكباب التقليدي".
ولم تقدّم المنظمة الحقوقية غير الحكومية أيّ تفاصيل أخرى بخصوص هذه الوصفة، كما أنّ حساب إبراهيمي على "إنستغرام" لم يعد متاحاً للاطلاع على الفيديو المشار إليه.
وفي تغريدة على "تويتر" قال المخرج والمصوّر الإيراني نيك يوسفي الذي اعتُقل في أكتوبر، قبل أن يُطلق سراحه لاحقاً، إنّ ابراهيم اعتُقل ومقهاه في طهران ويدعى "نوج"، أُقفل.
وفي الوقت الذي كانت فيه السلطات الإيرانية تنظّم مراسم إحياء لذكرى قتل سليماني، كان معارضون لها ينشرون على الإنترنت مقاطع فيديو وصوراً لمحتجّين يضرمون النيران في لافتات في مناطق إيرانية مختلفة عليها صورة سليماني.
ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد المعتقلين بسبب الاحتجاجات التي تخللها رفع شعارات مناهضة للسلطات ويعتبرها مسؤولون إيرانيون "أعمال شغب" يقف خلفها "أعداء" إيران، إلا أن تقديرات المنظمات غير الحكومية تشير إلى اعتقال نحو 20 ألف شخص، وسقوط مئات الضحايا.
وفي سياق متصل، ذكرت "إيران إنترناشيونال" أن عدداً من أهالي المعتقلين تجمعوا أمام سجن كجويي بمنطقة كرج لمتابعة أوضاع أبنائهم، تزامناً مع بدء بعض المعتقلات في هذا السجن إضراباً عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقالهن، وعدم تحديد مصيرهن.
ومع تزايد الضغط على المعتقلين، تنتشر موجة الإضراب عن الطعام في السجون، وتشير التقارير إلى أن صحة العديد من السجناء في خطر.
وأعلنت والدة أرميتا عباسي، إحدى المعتقلات، في 2 يناير من خلال منشور على "إنستغرام"، إضراب ابنتها عن الطعام بسبب "عدم معالجة قضيتها وإطالة أمد سجنها" في سجن كرج، وقالت إن السجينات الأخريات مع أرميتا بدأن إضراباً عن الطعام.
وأشارت تقارير لاحقة من سجن كجويي إلى أن 15 سجينة أضربن عن الطعام لأسباب منها ظروف السجن وطول فترة الاعتقال، ورفض قبول محام، وعدم تحديد الكفالة.
إلى ذلك، أكدت " إيران انترناشيونال " نقلاً عن مصادر وصفتها بـ"الموثوقة داخل إيران"، بأن "الحرس الثوري" قتل قائد مقر "باسيج ثار الله" قاسم فتح اللهي أمام منزله في طهران، الثلاثاء.
وكانت وكالتا "فارس" و"تسنيم" نشرتا الثلاثاء، خبراً قصيراً عن سقوط أحد أعضاء فيلق "محمد رسول الله" التابع لـ "الحرس الثوري". وبحسب هاتين الوكالتين التابعتين لـ"الحرس الثوري"، فإن مهاجماً على دراجة نارية أطلق الرصاص على قاسم فتح اللهي، الثلاثاء، أمام منزله في طهران.
وتفيد المعلومات التي تلقتها "إيران إنترناشيونال"، بأن منظمة استخبارات "الحرس الثوري" اشتبهت في قاسم اللهي منذ بضعة أسابيع، ووضعته تحت المراقبة، مشيرة إلى أنه "امتنع عن مواجهة المتظاهرين وقمعهم".
وأضافت الشبكة أن استخبارات "الحرس الثوري" توصلت إلى أن فتح اللهي لم يكن وحيداً، وهو مرتبط بجزء من القوات الأمنية التي تمتنع عن إطلاق النار على المحتجين وقمعهم.
وبحسب مصادر "إيران إنترناشيونال" في إيران، فإن منظمة استخبارات الحرس الثوري قلقة للغاية من تنامي اتجاه امتناع قوات الأمن عن مواجهة المحتجين، وبدأت إجراءات للتعامل مع هذا الاتجاه.
وتقول مصادر "إيران إنترناشيونال" إن قاسم فتح اللهي كان على اتصال بشبكة من المتظاهرين عبر جهاز "بلاي ستيشن". وأخذ المهاجم أو شخص آخر كان معه، جهاز "البلاي ستيشن".
وفي الأشهر الماضية، أفادت عدة تقارير في وسائل الإعلام بأن المحتجين في مدن مختلفة من إيران يستخدمون غرف الدردشة الخاصة المتاحة في الألعاب عبر الإنترنت على "البلاي ستيشن"، لتنسيق مظاهرات الشوارع.
ووفقاً للشبكة، فإنه لم يتضح بعد ما إذا كان قتل قاسم فتح اللهي نتيجة محاولة للاستيلاء على "البلاي ستيشن" ومصادرته وأن العملية خرجت عن السيطرة، أم كانت هجوماً متعمداً ومحسوباً.
وأشارت وكالة أنباء "تسنيم"، في خبر تكميلي الأربعاء، إلى أن قاسم فتح اللهي قتل على يد لص مسلح حاول السطو على منزل شقيقه. كما ذكرت كذلك أن قضية القتل أحيلت إلى شرطة تحري طهران، وما زال التحقيق مستمراً.
وتعتبر إحالة قضية مقتل أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني إلى دائرة التحري إجراءً غير عادي.