يعيش القطاع النفطي اليمني فوضى عارمة، وصلت إلى حد التشكيك بماهية العقود الموقعة مع بعض الشركات الأجنبية المسيرة للحقول، وسط خلافات صعدت إلى السطح وزادت من الشكوك حول التلاعب بالعقود النفطية في بلد يعيش في حرب مستمرة منذ سنوات.
فقد عادت قضية الشركات الأجنبية المرتبطة بالقطاعات النفطية في اليمن إلى الواجهة من جديد على أثر إعلان شركة "زينيث" للطاقة الهولندية استحواذها على حصة الاستثمار في القطاعات النفطية في منطقة العقلة في محافظة شبوة جنوب شرق اليمن.
وكانت الشركة النمساوية (أو إم في) قد أعلنت منتصف العام 2022، انسحابها من الاستثمار في قطاع العقلة ونقل ملكية الشركة إلى مشغل جديد لم يعلن عن هويته حينها.
وسارعت وزارة النفط والمعادن اليمنية في عدن إلى نفي ما تم تداوله من إعلان شركة "زينيث" للطاقة، وقالت في بيان إنها عبارة عن "تصريحات منافية للحقيقة حيث إن للوزارة شروطا تنظمها اتفاقيات المشاركة في الإنتاج، في مقدمتها الالتزام بالمعايير الخاصة بالتخلي أو البيع، والتي تشترط أن تكون الشركة المشترية والمشغلة للقطاع معروفة وعالمية وتتمتع بالقدرات التشغيلية والكفاءة المالية.
ومع ارتفاع حدة الخلاف هذا، وتزايد التساؤلات حول العقود الموقعة مع الشركات الأجنبية، يوضح الخبير في الهيئة اليمنية للاستكشافات النفطية والغازية خالد الحسني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن فترة التوقف التي استمرت لسنوات منذ العام 2015 الناتجة من الحرب في اليمن تسببت بفوضى واضطراب كبير في هذا القطاع وتصاعد التلاعب بالعقود وملكيات الحصص في القطاعات النفطية المنتجة، خصوصاً في شبوة وحضرموت كما هو الحال في قطاعات العقلة و"جنة هنت" القطاع رقم 5 الواقع في نطاق محافظة حضرموت.
ويشير الحسني إلى أن معظم الأراضي اليمنية لا تزال خارج نطاق أعمال التنقيب والاستكشاف بما في ذلك المناطق البحرية وهو ما وضعها في دائرة الاهتمام الدولي المتنامي في قطاع الطاقة منذ مطلع العام الماضي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
عقبات أمام الإنتاج
واستعادت شركة بترومسيلة الحكومية في حضرموت نهاية العام 2021، القطاع النفطي رقم 5 (جنة هنت) مع استئناف الشركة عملية الإنتاج من هذا الحقل الذي كان متوقفا منذ بداية الحرب في اليمن مع تجميد الأعمال من قبل مجموعة المقاول (الشركاء) المشغلة للقطاع بحسب تأكيدات وزارة النفط والمعادن اليمنية.
ويؤكد الباحث الاقتصادي مطهر عبدالله، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الشركة الهولندية "زينيث" استحوذت على قطاع نفطي منتج بمبلغ لا يزيد على 21 مليون دولار، وذلك في سياق انتشار الفوضى والاضطراب والصفقات المشبوهة حول تلزيم الحقول النفطية بمبالغ زهيدة، وذلك يأتي بالتوازي مع ما تعلن عنه الحكومة اليمنية من حيث التركيز على هذا القطاع والعمل على استئناف كامل لإنتاج وتصدير النفط والغاز كأولوية عاجلة لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد.
وينوه إلى نقطة مهمة تغيب عن بال الكثيرين في هذا الجانب تتمثل في عدم وجود أي دائرة عامة أو مؤسسة أو حتى اللجنة المختصة بالمشتريات والمناقصات والمزايدات تتبع الحكومة اليمنية في عدن والتي تعد من الدوائر الحكومية العاملة في اليمن وتتخذ من العاصمة صنعاء مقراً لها منذ ما قبل الحرب، وهي من الجهات المهمة التي تتولى الإجراءات وعمليات البت في المشاريع والأعمال والمشتريات العامة الحكومية. وتعتبر عائدات النفط والغاز أهم مصادر تدفق العملة الصعبة التي تغذي الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي في اليمن، وتمويل واردات السلع الغذائية وغير الغذائية، وتدعم استقرار سعر الصرف.
صفقات شكلية
ويقول خبراء اقتصاد وقانونيون إن وزارة النفط والمعادن اليمنية تعمل على تتويه الرأي العام في البلاد حول يجري من شبهات في هذا القطاع حيث كانت قد أعلنت على أثر انسحاب الشركة النمساوية، عن تشكيل فريق قانوني وفني ومالي وتعزيزه بعدد من الاستشاريين والقانونيين الدوليين لدراسة هذا القرار الذي أقدمت عليه الشركة.
وكررت وزارة النفط في البيان الصادر 4 يناير/ كانون الثاني 2023، أنها ما تزال تدرس قرار الشركة النمساوية وما قدمته من وثائق، في حين أكدت أن شركة "زينيث" ليست لديها الكفاءة والقدرة المالية والفنية المعتمدة لدى الوزارة وهيئة النفط العامة ولا تنطبق عليها المعايير المنظمة لحالات التخلي عن ملكية الحصة المملوكة للشركة النمساوية.
بدوره، يشرح محمد مانع، خبير قانوني في الاستثمارات النفطية، لـ"العربي الجديد"، أن تلاشي حضور المؤسسات الحكومية اليمنية أدى إلى خروج هذه القطاعات عن المنظومة الإشرافية والقانونية والتنظيمية الحكومية في اليمن، إذ ساهم التحالف في هذا الأمر وسط إجراء ما يشبه الالتفاف على أهم هذه القطاعات المنتجة والدفع بشركات غامضة وغير معروفة كجهات استثمارية بصفقات صورية وشكلية بعلم ومعرفة بعض الجهات الحكومية، التي تتحمل جزءا من المسؤولية القانونية عما يحدث من اضطراب واختلال وصفقات غامضة ومشبوهة وغير قانونية في أهم القطاعات الإيرادية في اليمن.
أزمة المشتقات
وغادرت شركات النفط والغاز الأجنبية اليمن وتوقف إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال كلياً منذ أبريل/ نيسان 2015، بالتوازي مع توقف تكرير النفط في مصفاة عدن وتفجير أزمات خانقة في المشتقات النفطية، مما انعكس سلباً على المؤشرات والموازين الاقتصادية الكلية وساهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تدهور الحياة المعيشية لملايين اليمنيين.
الجدير بالذكر أن قطاع العقلة النفطي من الحقول المستكشفة حديثاً في اليمن والذي جاء بعد عمليات بحث واستكشافات مكثفة استمرت فترة طويلة في طبقات صخور الأساس وهو ما شكل بارقة أمل واسعة للتوسع في الرقعة الجغرافية والخريطة النفطية في اليمن التي ظلت لفترة طويلة معتمدة على قطاع المسيلة في حضرموت ومن ثم صافر في محافظتي مأرب والجوف شرقي اليمن.
وتم اكتشاف النفط في حقل العقلة بمحافظة شبوة من قبل الشركة المشغلة النمساوية "أو أم في" عام 2006، بتقدير حجم النفط المثبت القابل للاستخراج في هذا القطاع بنسبة تتراوح ما بين 50 - 173 مليون برميل قابلة للزيادة مع استكمال الحفر التقييمي وزيادة الأعمال الاستكشافية في منطقة التنمية بالقطاع. فيما يقدر حجم الإنتاج اليومي حالياً من قطاع العقلة "تو إس" في شبوة بنحو 20 ألف برميل، وتصل احتياطاته النفطية المقدرة إلى حوالي 200 مليون برميل.
"العربي الجديد"