7 يوليو 2024
9 يناير 2023
يمن فريدم-صنعاء-خاص
Getty

 

 

في الليل تخفت الحركة في الشوارع الفرعية والأزقة وكثير من الشوارع الرئيسية بأمانة العاصمة تدريجياً حتى تصل إلى مرحلة السكون وتبدو الأحياء السكنية مرعبة كأماكن مهجورة، تلفها الظلمة والشعور بالخوف، إلا أن العيون التي تراقب المنازل والنوافذ، وتترصد الأضواء وكل حركة تكسر جدران الصمت، تبقى مفتوحة طول الليل ولا تنام.

 

"لا يعرف حالة الخوف التي تكسو الأحياء وشوارعها والعسس الذين يجولون فيها إلا من اضطرته الظروف إلى الخروج في وقت متأخر من الليل من بيته أو يعود إليها" كما يقول أحمد الذي عاش التجربة عندما اتصلت به شقيقته التي تعيش في الحارة المجاورة وأخبرته إنها تحس بالمرض، وتريد منه الحضور لإسعافها.

 

تحقيق مع المارة

 

قرابة الساعة الواحدة والنصف، خرج أحمد من منزله الواقع في الأحياء الشمالية بصنعاء مسرعا، لنجدة شقيقته إلا أن الظلام الدامس والشعور بالخوف جعلاه يتلفت يمينا وشمالا، وهو لا يسمع إلا صدى خطواته، وأنفاسه المضطربة.

 

وعلى مسافة غير بعيدة من المنزل في مشارف الحارة، خرج من وسط الظلام رجلا بلباس مدني، ويحمل سلاحا ناريا، استوقفه وطرح عليه العديد من الأسئلة، حول سبب خروجه من المنزل في هذا الوقت، وإلى أين يريد الذهاب ومتى سيعود، وأسئلة عن منزله وجيرانه ليتأكد من صدق كلامه قبل أن يسمح له مواصلة طريقه.

 

يقول "أحمد" لـ "يمن فريدم": كنت قبل الحرب أخرج من المنزل في أي وقت بالليل، من دون خوف، وأعود متى أشاء، وعندما خرجت تلك المرة لم أتوقع أن يستوقفني مسلحين داخل الحي الذي أعيش فيه".

 

المربعات الأمنية التي شكلها الحوثيون في الأحياء تبدو كلجان مجتمعية من المشرفين المقربين من الجماعة وأشخاص يتبعونهم ليسوا نظامين ولا يتبعون أجهزة أمنية محددة إلا أن تواصلهم وتقاريرهم ترفع إلى جهاز الأمن الوقائي، بحسب المصادر.

 

ومنذ اجتياح الحوثيون للعاصمة اليمنية صنعاء، سعت الجماعة إلى إنشاء كيانات أمنية لتعزيز قبضتهم، وتشديد الخناق على المواطنين، لمنع ظهور احتجاجات رافضة لحكمهم وسلطتهم ووأدها في مهدها، وعلى ضوئها تحولت الأحياء إلى مربعات أمنية ما يزال "إبراهيم" يتذكر عودته إلى منزل بسيارة زميله الذي سهر معه إلى قرابة منتصف الليل وكيف اعترضت السيارة من قبل أحد المسئولين الأمنيين في الحي، والمشادات الكلامية التي دارت بينهم.

 

يقول إبراهيم على الرغم من معرفتي بالمسئول على المربع الأمني، إلا أنه تعامل معي وكأنه لا يعرفني، وكان أسلوبه مستفز، وأصر على توقيفنا، والتحقيق معنا، مما تسبب بحصول شجار كبير بيننا.

 

ويضيف: الشخص الذي أوصلني بالسيارة شيخ قبلي، وقيادي في جماعة الحوثي، وكان من الممكن أن يلجا إلى السلاح، وتتطور المشكلة، إلا أن المسئول الأمني تراجع عن موقفه، وتركنا نمر.

 

تعزيز النزعة الاضطهادية 

 

لا تنكر جماعة الحوثي تشكيل لجان أمنية داخل الأحياء، وتعتبرها إجراءات أمنية للحفاظ على الأمن والسكينة، ورصد التحركات المشبوهة والعناصر الإرهابية التي تمثل خطراً حقيقياً على المجتمع، وتسعى إلى نشر الفوضى والمؤامرات، كما يؤكد مشرف أمني سابق يقول المشرف في حديثه لـ "يمن فريدم" المربعات الأمنية ليست وليدة اليوم، وبدأت منذ دخول الحوثيين إلى صنعاء، حيث تم تقسيم الحارات إلى مربعات أمنية لحماية الناس، وليست لإرهابهم كما يفسرها البعض.

 

ويرى أن البلاد تعيش حالة حرب، ووضع استثنائي، يتطلب أخذ الحيطة والحذر، وإجراءات وقائية، ولا يوجد ما يستدعي القلق مادام الشخص لا يرتكب أخطاء، أو يضمر الشر للوطن والناس والدولة، إلا أن الكثير من الناس يعتبروا هذا التقسيم تعزيز للقبضة الأمنية، والنزعة الاضطهادية، وتخويف الناس من مجرد التفكير بالمعارضة، ويتسأل "أحمد" والكثير من الناس، لماذا الخوف من المواطنين العزل، وتقييد حركتهم، والتلصص على حياتهم، وأنت تقول إنك تحكم بالعدل، وتطبق القيم الإيمانية والأخلاقية؟                      

 

ويؤكد عبدالرحمن من أبناء محافظة صنعاء أن الأمنيين داخل الحارات يراقبون من يستقبل أبناء الحي، وعدد الزيارات ومتى تكون الزيارات ويتقصون معلومات وتدقيق في حال كثرت الزيارات.

 

"عبد الرحمن" هو الآخر عاش ذات الموقف، عندما أضطر ذات ليلة إلى توصيل صديقه إلى أحدى الحارات شمال العاصمة، وانتظاره على سيارته جوار المنزل، ليعودوا معا إلى مكان عملهم في مزرعة الدواجن جنوب صنعاء، لكن ما أن مر وقت قصير حتى لاحظ العيون تتجه إليه، وجاء مسئول المربع وطرح عليه العديد من الأسئلة عن سبب وجوده.

 

يقول عبد الرحمن بعد أن أقنعته أني منتظر خروج زميلي، ذهب لوقت محدد ثم عاد يسألني لماذا لم أغادر من الحي، وكنت محرج من التواصل مع زميلي، وطلب منه الخروج والمغادرة، لأن لديه مشكلة عائلية جاء لحلها.

 

عبد الرحمن الذي قضى ما يقارب الساعتين متوترا، ويراقب الساعة بانتظار خروج صديقه والابتعاد عن الحي والمأزق الذي وضع فيه، ليس إلا واحدا من آلاف المواطنين الذين تضطرهم الظروف إلى الخروج من المنزل ليلاً ويتعرضون للتوقيف والتحقيق ويجدون أنفسهم داخل دائرة الاشتباه.

 

حملات اعتقال وترهيب

 

مع ارتفاع الأصوات المعارضة لممارسات جماعة الحوثي وتوسع دائرة الفقر التي تعيشها البلد، زادت المخاوف الأمنية من خروج الأمر عن السيطرة، وشنت الحركة حملة اعتقالات واسعة على النشطاء والشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي الذين ينتقدون سياساتها وأعمال النهب للأراضي والايرادات العامة، وابتزاز التجار وفرض الجبايات، والقوانين المتطرفة.

 

وواجهت الجماعة الانتقادات بالتهديد باتخاذ إجراءات حازمة وعدم التهاون مع من تطلق عليهم بالمتعاونين مع العدوان على اليمن والطابور الخامس، وأتهمتهم قياداتها بمحاولة استهداف الجبهة الداخلية ومحاولة النيل من وحدة الصف.

 

وتحاول جماعة الحوثي من خلال عمليات الاعتقال والترهيب والتلويح بعصا العقوبات إسكات الأصوات المعارضة لها في الداخل، خوفاً من توسع دائرة المناهضين وتعالي الأصوات المحتجة على ممارستهم، والانتقال إلى مراحل احتجاج جديدة قد تصل إلى تنظيم وقفات أو التظاهر.

 

الراصد الحقوقي رياض الدبعي اعتبر الاعتقالات الأخيرة التي مارسها الحوثيون بحق الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي يعد امتدادا للانتهاكات التي مُورست بحق الصحفيين والناشطين والمعارضين السياسيين من بداية الانقلاب 2014.

 

ويرى الدبعي أن محاولة الحوثيين تكميم أصوات المعارضين لممارساتهم وفسادهم يعد إرهاب مجتمعي وانتهاك خطير لحرية الرأي والتعبير وحقوق الانسان، لاسيما أن إجراءات المحاكمة تجري في محاكم متخصصة بقضايا الإرهاب، بينما هم معتقلين بقضايا رأي ويفترض محاكمتهم بمحاكم نيابة الصحافة والنشر، معربا عن أسفه من صمت المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والحقوقية تجاه الممارسات التي تقوم بها جماعة الحوثي ضد الناشطين والصحفيين والمعارضين.

 

ومع استمرار الانتهاكات يغيب دور المنظمات المحلية العاملة في مجال حقوق الإنسان في مناطق الحوثيين في رصد الجرائم، حيث يؤكد الدبعي لـ "يمن فريدم أنها لا توجد منظمات حقوقية تعمل في مجال رصد وتوثيق الانتهاكات في مناطق سيطرة الحوثيين، إلا بعدد الأصابع، وهذه المنظمات عمليا تتماهى مع مليشيا الحوثي وأكبر دليل على ذلك بقائها في صنعاء وممارسة أعمالها منها.

 

ودعا الدبعي إلى ادانة هذه الاختطافات ومساندة المختطفين ومناصرتهم، ومحاولة إيصال صوتهم إلى الرأي العام وإلى المجتمع الدولي في ظل استمرار الحوثيين بخطف واعتقال واخفاء وتعذيب كل من ينتقد هذه الجماعة.

 

وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الارياني أكد أن تصاعد حملة الاعتقالات والملاحقة التي تشنها مليشيا الحوثي بحق الإعلاميين والصحفيين ومشاهير منصات التواصل الاجتماعي، تؤكد حالة الهستيريا التي انتابت قيادات مليشيا الحوثي بعد ارتفاع الأصوات المنادية بالانتفاضة الشعبية للخلاص من الجماعة التي مارست سياسات الافقار والتجويع بحق المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ودمرت كل شيء جميل في اليمن تنفيذا لأجندة اسيادها في طهران.

 

وطالب الارياني المجتمع الدولي والامم المتحدة والمبعوثين الأممي والأمريكي ومنظمات وهيئات حقوق الانسان في سلسلة تغريدات على تويتر بإدانة هذه الإجراءات، وممارسة ضغط حقيقي على قيادات المليشيا لإجبارها على إطلاق كافة المخفيين قسرا في معتقلاتها غير القانونية.

     

قبضة أمنية مشددة

 

الإجراءات الأمنية تأخذ حيز كبير من اهتمام الجماعة، وتشتد عملية الرقابة أكثر على المعارضين والشخصيات الاجتماعية والسياسية المؤثرة، والأشخاص الذين خرجوا من معتقلاتهم وسجونهم، ومن يسموهم بالعائدين إلى الصف الوطني، وهم الأشخاص الذين عادوا إلى صنعاء أو المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين بعد نزوحهم أو هروبهم منها إلى المحافظات التابعة للشرعية أو خارج الوطن، بحسب المشرف الأمني.

 

ووفقا لمواطنون يضع المشرفون في المربعات الأمنية الأشخاص تحت الرقابة لمجرد الشبهة بتصرفات تكون طبيعية، ولا تستحق أن تجعل صاحبها في دائرة الشبهة وبالإضافة إلى الأجهزة الأمنية التي كانت قائمة في عهد الأنظمة السابقة، استحدثت جماعة الحوثي كيانات جديدة كالأمن الوقائي والزينبيات والأمنيات الخاصة بالحارات، والأمن السبراني المكلف بالرقابة الإلكترونية، واختراق حسابات المناهضين للفكر الحوثي، واستقدمت أجهزة ومعدات متطورة في هذا المجال، كما يؤكد مسئول بالاتصالات رفض الكشف عن هويته.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI