8 سبتمبر 2024
3 سبتمبر 2022

 

في كل مرة يغزو الحزن قلبك تبحث عن ركن هادئ يعيد للروح صفاءها والعقل اتزانه بيد أن بعض الزوايا تُشعل فتيل الحزن من جديد لينبثق الضوء.

"وجدتُ نفسي ليلتها أفتح علبة الدواء وأفرغها دفعة واحدة في يدي وأبتلعها بشربة ماء ثم أنتظر نهايتي المرسومة " بصوت أنثوي مُلبد بالدموع من أمام طاولة دائرية تطوقها ثلاث جميلات، شدني السمع لأحاديثهن التي كسرت رتابة لحظاتي بداية من هذا الاعتراف.

شاطرتها الثانية الحديث قائلة "أنا لم أستوعب بعد أني بيومٍ حملتُ سكينا ونحرتُ به كفي التي شعرت بدموعها حتى فقدت الوعي “، شدني أكثر هذا الألم حين كن يصفن لحظات وقفن فيها على حافة الحياة كجذع شجرة على تلك الحافة امتد ليتنفس لكنه سقط.

وقعتُ في مغبة البحث عن ماهية الدوافع التي قد تدفع فتيات في ريعان شبابهن وكامل ابتسامتهن إلى ملاحقة الموت، هل للحرب في مدينتنا يدٌ في ذلك أم أنهن يجابهن قساوة عارمة عجزن عن هزيمتها؟ كل هذه الممرات المظلمة في دهاليز التفكير لم تقودني إلى شيء! بين لحظة وأخرى كنت أسترق نظرات إلى ملامحهن لأبحث عن الرصاصة التي أصابت الحياة في قلوبهن لكن ابتسامتهن الصامتة ضللت طريقي اليها.

في مجتمع يلبس عباءة العادات والتقاليد ويُشهر سلاح العيب والحرام تُخفي كثير من النساء ندباتهن وأوجاعهن خوفا من إطلاق الأحكام وملاحقة المجتمع بهن، وحينما يشتد الثقل وتنطفئ بوارق الأمل يلجأن إلى التفكير السوداوي رغم قسوته، الذي قد تدفعهن له ظروف الحياة القاسية ووحشية البشر من حولهن، وسيطاردهن كل ذلك حتى بعد نهايتهن

"ضعيفات إيمان، مليئات ذنوب، مريضات نفسيا " كل هذه الصكوك هي حرب أخرى تخوضها النساء مع أنفسهن ومع المجتمع الذي لن يغفر لها بتاتا ضعفهن رغم أنها فطرة بشرية، والجميع يتجاهل حقيقة أنها نتيجة لسبب واحد فقط يتمثل في إهمال الصحة النفسية مع زيادة ضغوطات الحياة وصعوبة التعامل معها.

الإكتئاب والقلق والوسواس القهري كل هذه أعراض تصيب النساء أكثر من الرجل بسبب تغيرات هرمونية قبل فترة الحيض أو بسبب الحمل، لكنها كثيرا تكون بسبب الاضطهاد في الحياة الاجتماعية والعنف والصدمات العاطفية وهذا الأمر الذي يجهله أولياء الأمور ويتجاهلوه.

ينظر الآباء إلى الرفاهية التي يمنحوها للفتيات وتظهر خارجا لكنهم يهملوا الجزء الأهم في الداخل فيستيقظون يوما على فاجعة، بل أنهم يضعونه مبررا لفساد ابنتهم (على حد قول أحد الآباء) فيقتلونهن مرتين!

"أهلي هم السبب " هكذا فسرت إحداهن عودة الحياة اليها وتمسكها بها بعد أن فقدت عذرية قلبها بسواد البشر من حولها، وفي حين كانوا لها الورقة الرابحة كانوا لغيرها القشة التي قصمت ظهر البعير.

يلعب الآباء دورا هاما ورئيسيا في تكوين شخصية الفتاة فتصبح إما شخصية قوية وواثقة أو ضعيفة ومتهالكة، فالأب الذي أمسك يد أبنته في الصغر هو من سيسندها في فترة المراهقة أو الكبر حينما يصحح أخطاءها دون مهاجمتها، حينما يزرع فيها المسؤولية بحيث تؤمن بالقيم وتعترف بأخطائها دون خوف، كما أن مشاركة الآباء تجاربهم لأبنائهم يعزز العلاقة بينهما ويدفع البنات للمشاركة والإستفادة.

الثقة والتواصل، من الركائز المهمة في علاقة الآباء ببناتهم، وهذا ما تفتقده أغلب العائلات العربية مما يخلق فجوة تتسع فوهتها حتى تبتلع فيها أمان الفتاة ورغبتها بالحياة.

بحسب منظمة الصحة العالمية (WHO): ينتحر كل عام أكثر من 700000 شخص، تقابل كل حالة انتحار حالات أخرى عديدة من محاولات الانتحار. ومحاولة الانتحار من قبل هي العامل الوحيد الأهم الذي يزيد من احتمال الإقدام مرة أخرى على الانتحار لدى المنتحرين، 77% من حالات الانتحار في العالم تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

وفي مجتمعات كثرت فيها الأحاديث عن رغبة الانتحار، وسهلت الوصول على وسائله كالأدوية والأسلحة ينبغي التركيز على أنشطة تعني بالصحة النفسية للشباب تحديدا النساء إلى جانب توعية الأهالي بأهمية دورهم في ذلك.

برنامج "سبرينج بورد البريطاني" أحد البرامج المتخصصة بتطوير وتنمية المرأة، والذي كان له دورا بارزا في استعادة الكثير لثقتهن بأنفسهن وبناء شبكة دعم قوية في العائلة والمجتمع من خلال تقييم الذات، تقييم المهارات، تطوير الثقة بالنفس، تطوير العلاقات، وتعزيز الصورة الإيجابية، وهو ما ينصح تنفيذه في مجتمعنا بشكل مستمر.

أنتهى حديث الجميلات عن معاركهن وبدأت معها مخاوفي بأن تنتهي حياة الكثيرات بصمت والمجتمع غارق بتوزيع صكوك الجنة والنار وإصدار الأحكام .

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI