لا مؤشرات لتمديد الهدنة حتى اللحظة، بسبب تعنت الحوثي وتملصه من تنفيذ التزامات الاتفاق.
يحاول الحوثي بالعقلية المليشاوية استعطاف الشعب بمسألة المرتبات، رغم أنه الجهة الملزمة بالتنفيذ وتسليم المرتبات من عائدات النفط وموانئ الحديدة كما نص الاتفاق الذي يعرفه العالم كله.
يحرص الحوثي على التمسك بكل الايرادات في المناطق الخاضعة لسيطرته دون مسؤولية أخلاقية تجاه الذين توقفت رواتبهم.
يستحوذ الحوثي على إيرادات المشتقات النفطية والجمارك والضرائب وشركات الاتصالات ويسخرها للمجهود الحربي، بينما مئات الآلاف من الموظفين محرومون من حقوقهم.
يضاف إلى ذلك رفضه القاطع لفتح الطرقات المؤدية إلى مدينة تعز، وهذه خطوة بنظر القوانين الدولية جريمة لا تقل أهمية عن جرائم الحرب التي عرّفها القانون الدولي.
بالمقابل أتسم موقف الحكومة الشرعية بالصلابة تجاه التعنت الحوثي، وهذا موقف طبيعي، ورفضها بصراحة في وجه المبعوث الأممي الذي لم يسابق الزمن لتحقيق انجاز مشكوك فيه.
تحرك الولايات المتحدة والأمم المتحدة مؤخرا بشكل أوسع، هو مؤشر ألا معطيات تؤكد أن الهدنة ستدخل مرحلة تمديد أخرى جراء تصلب مواقف الحوثي والتعامل بعدم مسؤولية حقيقية تجاه الوضع الكارثة التي تغرق فيه البلاد.
وكما تجرى العادة الأمم المتحدة بمواقفها المخزية لا تريد تسمية الطرف المعرقل لتنفيذ أيا من البنود المتعلقة باتفاق ستوكهولم والهدنة الإنسانية، رغم أن الاتفاق واضح وضوح الشمس، ولا يحتاج لتأويل وتفسير، لكن منهجية المجتمع الدولي الذي تقوده الأمم المتحدة تسير على هذا النحو، وهذا له انعكاسات سلبية على كل المستويات في الداخل اليمني.
هذا التصلب الحوثي هو بداية لمقدمة جديدة من الحرب التي ستضاعف من الكلفة الإنسانية كما حدث خلال الثمان السنوات الأخيرة من عمر الحرب، وهو غير مدرك وبالأصح غير مهتم لما ستخلفه الحرب على كافة شرائح الشعب اليمني.
ولذا فهو يراوغ بالطريقة التي تعجبه، لأنه يعرف جيدا كيف يتعامل المجتمع الدولي مع البلدان التي تشهد حروب وصراعات، وعلى ذلك فهو يدير استراتيجيته للحرب والمناورة السياسية والعسكرية ليس بمفرده كما يتصور البعض، فتلك استراتيجيات تضعها إيران الممول الرئيس والأكبر لهذه الجماعة.
مشروع هذه المليشيات أكبر من اتفاق وهدنة وفتح طرقات وتسليم مرتبات موظفين وفتح مطارات وغيرها، مشروع هذه الجماعة مشروع طائفي توسعي جاهز لالتهام وإحكام قبضتها على البلاد، وتحويله لمجرد تابع لإيران ذات الصيت السيء في المنطقة بمشاريعها التخريبية والفوضى.
ومع هذا الأخذ والرد والرفض والمراوغة التي ينتهجها الحوثي يقف المجتمع الدولي أمام اختبار صعب ومسؤولية أخلاقية كبيرة، فالأمر لم يعد يحتمل الكثير من المناورات الفاضحة التي كشفت الحوثي من أول جولة مفاوضات سعت لوقف الحرب، والجميع يدرك أنه لا يريد للحرب أن تتوقف.
إن بقاء اليمن على صفيح ساخن كفيل بتحويله إلى قنبلة موقوتة ستنفجر مرة أخرى وبشكل أعنف في وجه الجميع، هذا البلد مهم من الناحية الجيوسياسية للمنطقة والعالم، وعلى الأقليم والعالم ادراك ذلك، ويعمل على فك العقد التي يتعمد الحوثي وضعها في كل جولة تقارب سياسي وإنساني تنتهي بسلام عادل.
وبالنظر لموقف المجلس الرئاسي هذه المرة ، ربما هو الطبيعي بعدم تفويت أي فرصة للحوثيين بكسب مزيد من المطالب التي ليس لها علاقة باحتياجات الناس، بل هي مكافئة تعود بالنفع للجماعة نفسها ومشروعها الطائفي والسياسي والعسكري، إلان هذا الموقف الحكومي يعاني من شحة في ورق الضغط السياسي والعسكري، لارتباطه واعتماد على موقف التحالف الذي اصبح ينساق لموقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على خلاف مواقفه السابق التي أكثر وضوحا، ويرجع ذلك الى المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعام بفعل الحرب الروسية الأوكرانية والملف النووي الإيرانية وملفات أخرى يقرأها التحالف من نافذ مصالحه الخاصة.
حتى وإن تمكنت الأمم المتحدة من اختراق مواقف الحوثي المتصلبة وعملت على مديد الهدنة، فهذا اقصى ما يمكن تحققه على مستوى كل الجهود التي بذلتها منذ الاتفاق على الهدنة في مرحلتها الأولى، لكن المشكلة متجذرة والملفات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالقضية اليمنية ستظل عالقة وتفرز كثير من التداعيات على مستوى حياة المواطن البسيط.
وإن لم تحقق الأمم المتحدة هذه الخطوة فهي مسؤولة عن أي موجة عنف واقتتال جديدة ومعها الحوثيين الطرف الأكبر متعطشا لخوض مرحلة جديدة من الحرب.