هذا السؤال يخفي الكثير من القصص الموجعة التي تحكي واقعًا سوداويًا لحياة الأطفال في اليمن، بعد ثماني سنوات من الحرب والعنف والتشريد والنزوح بل والموت الذي أخذ آلاف الأطفال حظًا كبيرًا منه، هناك قصص تركت ندوبًا كبيرة في بلد مليء برائحة الدم.
يتعرض أطفال اليمن لواحدة من أسوأ الانتهاكات في العالم، وكانت الحرب السبب الرئيس، حيث تهاوت مؤسسات الدولة والجهات المعنية بحماية الأطفال، وتركت مساحة كبيرة لممارسة هذه الانتهاكات على مرأى ومسمع من الجميع، دون ردة فعل حقيقية تحد من العنف المخيف بحق الأطفال الذين أصبحوا الحلقة الأضعف في زمن الحرب.
لم يعد العنف بحق الأطفال في اليمن، مجرد مشكلة اجتماعية، بل أصبح مشكلة ذو خطورة عالية ومتفاقمة تستدعي الاهتمام والتصدي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وإلا فإن دوائر العنف ستتسع ويصعب تداركها والقضاء عليها، في ظل هذا المناخ الذي لا يساعد على وضع حلول ناجعة لهذه المشكلة.
منذ ثماني سنوات يعتبر اليمن من أكثر الدول التي دفع فيها الأطفال فاتورة باهظة الثمن جراء النزاع المسلح الدائر في البلاد منذ عام 2014، ما ترتب على ذلك تداعيات وخيمة على حياة الأطفال بكل فئاتهم العمرية، على مستوى المنزل والشارع والمدرسة وحتى في الأماكن العامة، وأماكن العمل لمن يعملون في مهن مختلفة.
ومع هذه السنوات العجاف تعرض الأطفال وما يزالون يتعرضون لأشكال متعددة من العنف (الجسدي، العقلي، الجنسي)، بالإضافة إلى من قتلوا بفعل الاشتباكات بين قوات الحكومة اليمنية والحوثيين، وأعمال القنص التي يعتمد عليها الحوثيين في حصد أرواح الأطفال في أكثر من محافظة يمنية، إلى جانب من قتلوا جراء الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون في المحافظات التي شهدت أعمال قتالية عنيفة، إلى جانب الغارات الجوية للتحالف العربي.
كما أن حرمان الأطفال من التعليم، الصحة، التغذية، والمساحات الآمنة فاقم من هذا السيناريو الأسود الذي يعيشه الأطفال في كل محافظات اليمن، خاصة أولئك الذي يفترشون أرض المخيمات ويلتحفون طقس الشتاء البارد وحرارة الصيف القاتلة، والجوع يلف بطونهم الخاوية، ومقارنة بما يتلقونهم من مساعدات فهي أشياء لا تُذكر بجانب ما يتعرضون له منذ بدء الحرب.
ويعتبر تجنيد الأطفال في الصراع هو الملف الأكبر الذي كشف انتهاكات عن جسيمة ومروعة بحقهم، فقد شاركوا بعمليات عسكرية وقُتل الآلاف منهم خاصة في صفوف الحوثيين، وهو ما كشفته وتكشفه التقارير المحلية والدولية عن حجم الكارثة بحق الطفولة في اليمن، فقد تحوّلوا إلى خزان بشري هائل للعنف والتعبئة نحو الموت والاقتتال، وقد رُصدت مئات القصص المحزنة عما آلت إليه حياة الأطفال.
ومما لا شك فيه، فإن الأطفال خلال رحلة التجنيد عاشوا أوضاع قاسية ومروعة، تضمنت التدريب القسري، ما أثر سلبا على صحتهم الجسدية والعقلية وتطورهم النفسي، وهذا ما حذرت منه غالبية المنظمات المحلية والدولية المعنية بمناصرة قضايا وحقوق الأطفال.
كل هذا العنف أفرز آثار نفسية على الأطفال وهي لا تقل خطورة عن الآثار الجسدية، فمن تعرضوا للانتهاكات بمختلف أشكالها، أصبحوا يشعرون بالخوف والقلق المستمر، ويعانون من اضطرابات النوم والصدمة النفسية والاكتئاب، إلى جانب العزلة الاجتماعية، وينعكس هذا على تطورهم الاجتماعي والعاطفي.
خلال الشهريين الماضيين، ظهرت قصص تكشف أنواع السلوكيات وأعمال العنف والانتهاكات بحق الأطفال على طول الخارطة اليمنية وعرضها، تداولتها وسائل الإعلام، منهم من قُتل جراء انفجار لغم، ومنهم من اغتالته قناصة، ومنهم من قتله مسلح، ومنهم من مات جراء التشرد والنزوح، والعنف الاسري والحوادث الطبيعية كالفيضانات والعواصف الرعدية.
خلال يومين فقط قُتل طفلين، الأول على يد مسلح في حي المطار القديم غربي مدينة تعز، فيما الآخر قُتل ذبحا في إحدى مدارس مديرية شرعب الرونة بريف تعز الشمالي، على يد شخص جندي لدى الحوثيين وتحت تأثير الدورات الطائفية التي تلقاها على مدى أشهر.
هذا مؤشر مخيف، ويعطينا صورة مختصر لواقع أطفال اليمن مع سنوات الحرب، ومع الأسف هذا العنف ما يزال مستمر دون رادع، بل ويزداد الأمر أكثر من ذي قبل، وكم قصص نسمعها كل يوم، عناوينها الأطفال.
مع استمرار هذه الانتهاكات لا تزال المواقف المحلية الدولية تكتفي بالرصد وإصدار التقارير وبيانات الادانات تجاه العنف المُمارس بحق أطفال اليمن، إلا أن ذلك لا يمكن أن يمنع هذه السلسلة من الأعمال الوحشية بحق الطفولة، وهو ما يشجع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات.
العنف المتزايد ضد أطفال اليمن بحاجة لمعالجة حقيقية، تشمل تحركات من الحكومة والمنظمات الحقوقية والمنظمات والمؤسسات الدولية لتوفير الحماية اللازمة للأطفال وضمان حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والصحة والتعليم الجيد، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين تضرروا من العنف، وضمان وصولهم إلى الخدمات الصحية النفسية.
وينبغي أن تعمل كل تلك الجهات على زيادة الوعي حول هذه المشكلة التي تؤرق الجميع في ظل تفاقم أعمال العنف، وضعف الحماية الاجتماعية والقانونية، حيث يصعب عليهم الوصول إلى النظام القضائي والمؤسسات المسؤولة عن حمايتهم.
ومن المهم تعزيز التعاون المحلي والدولي للحد من العنف ضد الأطفال، وتقديم الدعم المالي والموارد اللازمة لتلبية احتياجاتهم الأساسية، والتعامل مع هذا العنف في إطار تعزيز السلام والاستقرار في اليمن.
بالمحصلة، هناك ضرورة ملحة ينبغي على الجميع القيام بها من خلال الجهود المشتركة والتركيز على حماية حقوق الطفل اليمن، أملا في تخفيف آثار العنف وتوفير البيئة الآمنة والصحية الضامنة لنموهم وتطورهم على كافة المستويات، وإلا فإننا سنكتب آلاف القصص حول مآسي الأطفال الذين قذفت بهم الحرب خارج المساحات الآمنة والمستقرة ويتحول البلد إلى بؤرة عنف تتصدر قوائم الدول في العنف ضد الأطفال، وهذا ما لا نأمل أن يحدث.