فتحت وزارة العدل الأميركية تحقيقاً لمحاولة تحديد مصدر تسريب وثائق سرية مرتبطة خصوصاً بالغزو الروسي لأوكرانيا ونُشرت هذا الأسبوع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفقا لأولى الاستنتاجات، هذه التسريبات لا تشمل فقط تقارير ووثائق متعلقة بالصراع في أوكرانيا لكنها تتعلق أيضاً بتحليلات حساسة جداً بشأن حلفاء الولايات المتحدة.
وقال متحدث باسم الوزارة لوكالة "فرانس برس": "تواصلنا مع وزارة الدفاع حول ذلك وفتحنا تحقيقاً".
ونُشرت عشرات الوثائق السرية على تويتر وتليجرام وشبكات اجتماعية أخرى في الأيام الأخيرة، ولا تزال وثائق جديدة تظهر.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، الجمعة، أيضاً إنها تحقق في الأمر بعد نشر صور لا تقل عن عشرات الصفحات من المستندات عالية السرية، والتي يبدو أنها طُبعت معاً، في 28 فبراير و2 مارس على Discord، وهي منصة دردشة شائعة لدى لاعبي الألعاب الإلكترونية، وتمت مشاركة المستندات من قبل مستخدم إلى خادم يسمى "Wow Mao".
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين أميركيين أن هذه الوثائق جرى تزوير بعضها، لكن معظمها أصلية وتتوافق مع تقارير لوكالة الاستخبارات المركزية متداولة في البيت الأبيض والبنتاجون ووزارة الخارجية، وفق المصدر نفسه.
التجسس على الأصدقاء والأعداء
وذكرت الصحيفة أن المسؤولين الأميركيين وحلفائهم الأجانب أصيبوا بالذهول، والغضب أيضاً، من حجم التفاصيل التي كشفت عنها الملفات حول كيفية تجسس الولايات المتحدة على الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
وتقول الصحيفة إن سلسلة الإيجازات والملخصات التفصيلية تفتح نافذة نادرة على الأعمال الداخلية لعمليات التجسس الأميركي. ومن بين الأسرار الأخرى، يبدو أنها تكشف عن المكان الذي جندت فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عملاء مطلعين على المحادثات المغلقة لقادة العالم.
وتضمنت 5 صفحات، بحسب الصحيفة، كل ركن من أركان أجهزة الاستخبارات الأميركية تقريباً، فالوثائق تصف الأنشطة الاستخباراتية في وكالة الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة استخبارات الدفاع، ووكالات إنفاذ القانون ومكتب الاستطلاع الوطني (NRO)، والتي يمكن القول إنها أكثر وكالة استخبارات سرية في الحكومة الأميركية، والمسؤولة عن كوكبة من أقمار التجسس الصناعية بمليارات الدولارات.
وقال مسؤولون في عدة دول إنهم كانوا يحاولون تقييم الضرر الناجم عن تسريب الوثائق، التي قال مسؤول بوزارة الدفاع إنها جاءت جزئياً على الأقل من البنتاجون وتم تصنيفها على أنها سرية للغاية، وتقدم معلومات تكتيكية حول الحرب في أوكرانيا، بما في ذلك القدرات القتالية للبلاد، ويبدو أنه تم إعداد العديد منها خلال فصل الشتاء على يد موظفين لديهم التصاريح الأمنية المطلوبة للاطلاع على وثائق بهذا القدر من السرية، بحسب "واشنطن بوست".
حرب أوكرانيا
وتشمل الوثائق الأخرى تحليلات من وكالات الاستخبارات الأميركية حول روسيا وعدة دول أخرى، وكلها تستند إلى معلومات تم الحصول عليها من مصادر سرية.
حسب تحليل وسائل إعلام أميركية، قد تكون هذه التسريبات مفيدة لموسكو، حيث تظهر هذه الوثائق مدى اختراق أجهزة المخابرات الأميركية لأجزاء معينة من الجهاز العسكري الروسي، وبعضها يحتوي معلومات تتعلق بالمناقشات الداخلية للحكومات المتحالفة مع الولايات المتحدة.
وأظهرت مجموعة من الوثائق، بحسب "واشنطن بوست"، رصد محاولة مرتزقة من الروس الحصول على أسلحة من أحد حلفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) لاستخدامها ضد أوكرانيا؛ كما تكشف وثائق أخرى أنواع صور الأقمار الصناعية التي تستخدمها الولايات المتحدة لتتبع القوات الروسية، "بما في ذلك التكنولوجيا المتقدمة التي بالكاد، إن وجدت، تم التعرف عليها علناً".
وتشير إحدى الوثائق إلى أنه في أوائل فبراير، التقى مسؤولون من "فاجنر"، التي توصف بأنها منظمة عسكرية روسية شبه رسمية، "مع جهات اتصال تركية لشراء أسلحة ومعدات من تركيا لصالح فاجنر في مالي وأوكرانيا". ويذكر التقرير كذلك أن رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي أسيمي جويتا، "أكد أن مالي يمكن أن تحصل على أسلحة من تركيا لصالح فاجنر".
وسلطت إحدى الوثائق الضوء على مناقشات حكومية في كوريا الجنوبية حول إمكان إمداد أوكرانيا بقذائف مدفعية أميركية، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
الصين والاستخبارات
وتعكس تقارير استخباراتية أخرى من بين المجموعة المسربة التداعيات الجيوسياسية للحرب في أوكرانيا، فيقول ملخص للتحليل من مجلة World Intelligence Review الصادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهي نشرة يومية لكبار صانعي السياسة في الولايات المتحدة، أن من المرجح أن تنظر الصين إلى الهجمات التي تشنها أوكرانيا في عمق الأراضي الروسية على أنها "فرصة لتصوير حلف الناتو باعتباره المعتدي"، وأن بإمكان الصين زيادة دعم روسيا إذا شعرت أن الهجمات كانت "كبيرة".
وأعرب الأميركيون مراراً عن قلقهم من احتمال التحالف بين موسكو وبكين، لكن واشنطن قالت إنه لا يوجد مؤشر على أن الصين وافقت على طلب روسيا للحصول على مساعدات عسكرية فتاكة.
ومع ذلك يحذر التحليل من أن هجوماً أوكرانياً على موسكو باستخدام أسلحة قدمتها الولايات المتحدة أو حلف الناتو قد يظهر للصين على الأرجح أن "واشنطن كانت مسؤولة بشكل مباشر عن تصعيد النزاع" ويوفر مبرراً محتملاً للصين لتسليح روسيا.