19 سبتمبر 2024
8 يوليو 2023

 

لازمني هذا السؤال طوال التجارب التي عشتها، وفي كل مرة تثبت التجارب ألا هزلية مع الجد ولا جدية مع الهزل.

 

في هذا الوجود سرب طويل من الشخوص الذين نقابلهم يومياً، نتفحصهم مثل منقبيّ المعادن، نتابع بسرية كل مؤشر يحدد السلوك في البرمجيات العصبيات، حديثهم، التعبيرات الجسدية، وطقطقة الأصابع المتوترة.

 

تعود إلى بيتك وكأنك تنفض غباراً من السلوك المتطاير، نواتج أولئك الذين تقابلهم على مدى يومٍ كامل وربما يوم وساعات ليلة.

 

بإمكاني كمحدود الفكرة والتجربة أن أجزاء البشر إلى صنفين (الجدي & الهزلي) وهو تصنيف فرضي التعامل.

 

طوال الفترة التي بدأت فيها الوعي بهذا التصنيف لم أجد هزلي يتعامل معي بجدية، وكذلك الجِدّي يرفض الهزلية.

 

ذات تجربة سعيدة استطعت عبر أحد الأصدقاء حضور موقع تصوير لمسلسلٍ مصري الإنتاج والمحتوى، كان ذلك من بطولة العملاق عادل إمام.

 

بدا المكان الذي قصدناه عشوائيّ الترتيب والحركة، الأصوات فيه تتعالى تدريجياً، والأدوات الخاصة بالتصوير متناثرة، لا تجد في المكان كله حيزاّ فارغاً، الأسلاك الكهربائية مرمية على الأرض بعشوائية، الأدوات الإضائية والدواعم أيضاً تعيق الحركة، ليس بإمكانك العبور إلا بعد أن تتخطى العثرات، لتجد زاوية يستقم فيها جسدك بعينيك التي تأمل متابعة كل ما يحدث في الكواليس، دون أن تتعرض للمساءلة أو للطرد.

 

مرّ الوقت على ذلك الحال لساعات، في ذلك الموقع، صور فيه مشاهداً تتجاوز الستة، وبحضور نجوما من الوسط الدرامي، دون أن يتغير الحال في المكان.

 

وفجاءة، تغير كل شيء، رُفعت المهملات من أرضية الموقع، رُتبت أدوات التصوير، جهز المكان وبانت ملامحه، أحدهم يكنس أعقاب السجائر المتناثرة والقرطاسيات المرمية بتسارع ملحوظ، وكأنه يسابق الزمن، الأصوات خفّت فجأة أيضاً لا تدريجياً، ظهر صوت المخرج " نجل الظاهرة إمام":

 

-الكلام ده للكرو كله، ممنوع التدخين.

 

في حسم التفت ناحية أخرى وأعقب مخاطباً أحد عاملي الخدمات:

 

-انت يا ابني، ما فيش حاجة تترمي ع الأرض.

 

انتبه لشخص يقف بجانبه، انتزع كومة من الأوراق في يديه وأكمل:

 

-وأنت هات البتاع دا، مش قلنا تفريغ الزعيم يبقى من وقت بدري.

 

وأمام تلعثم من أمامه أكمل:

 

-اعملي حل للموبايلات، مش عايز اسمع نفس.

 

في هذه الأثناء مر من خاطبه المخرج للحاضرين، ينتزع منهم أجهزتهم النقّالة، عرفت من صديقي فيما بعد أنه المخرج المنفذ، وأن الحالة التي أصابت المكان هي لسبب حضور النجم عادل إمام إلى اللوكيشن.

 

-إمام الهزليّ، يسبب ذلك الرعب لجميع الطاقم الذي يعمل تحت طاولته!

 

هذا ما سألته متعجباً في نفسي، وعنده مرّت مواقف كثيرة كنت قد سمعتها أو قرأتها عن هذا الظاهرة الذي كسر تصنيفي الافتراضي عن البشرية.

 

في النهاية أتساءل:

ماذا لو

جسد شخصية (زينهم) في مسرحية الزعيم ممثل آخر غير إمام!

 

هل سيجرؤ؟

 

وإن فعل، هل سينجو؟

الأخبار المشابهة
الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI