7 يوليو 2024
29 يوليو 2023
يمن فريدم-توفيق الشنواح

 

بدأ العام الدراسي في صنعاء ومناطق ميليشيات الحوثي، وهو التاسع في عهد الجماعة، بعد شهر ونصف الشهر من انطلاق العملية التعليمية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية في ظل ظروف وتحديات كبيرة تواجه هذا القطاع.

 

وعلاوة على التعمد في مخالفة المواعيد المقرة من قبل الحكومة في شأن بدء الدراسة وانتهائها يأتي العام الجديد في مناطق ميليشيات الحوثي محملاً بتحديات مضاعفة من أبرزها ادخال استحداثات جوهرية إلى المنهج الدراسي، إضافة إلى التوقف عن دفع مرتبات المعلمين، وعزوف الطلاب عن اللحاق بالمدارس، وترك الأساتذة مهمة تربية الأجيال، وغيرها من التحديات.

 

حق السلالة الإلهي

 

ولعل أبرز ما استحدثته سلطات الجماعة التي يقع على رأسها "وزير التربية والتعليم" في حكومة الجماعة المدعومة من إيران، يحيى الحوثي، شقيق زعيم التنظيم عبدالملك الحوثي، تلك التي تتصل بغرس مفاهيم دينية تعمل على "تمجيد السلالة"، في مسعى حثيث ومستمر للتأثير المباشر على الوعي الجمعي للنشء والشباب الذين يشكلون نحو 70% من التركيبة السكانية لليمن، مما اعتبره مراقبون وسيلة حوثية لتجهيز ملايين المقاتلين للمستقبل من خلال تعبئتهم ضد كل من يخالفهم باعتبارهم كفاراً ومنافقين ما أوجد حالة من السخط الشعبي إزاء ما وصف بـ"تحويل الكتاب المدرسي إلى ملازم لأفكار عقائدية ووسيلة لاستقطاب الطلاب وتجنيدهم".

 

وعمد الحوثيون منذ انقلابهم في عام 2014 إلى تغيير مناحي الحياة كافة بما يخدم سياستها وأفكارها، وأوكلت مهمة التعليم إلى يحيى الحوثي، الذي عمل بدوره على تغييرات كبيرة شملت القطاع الإداري وقطاع المناهج في مؤسسات التعليم كافة.

 

إقبال ضعيف

 

وعلى رغم الحرص المجتمعي فإن واقع الحال دفع بعديد من أولياء الأمور إلى إما إخراج أبنائهم من المدارس وإما تسفيرهم إلى مناطق الشرعية لمواصلة تعليمهم هناك.

 

وفي العام الحالي يؤكد سكان في صنعاء أن عموم المدارس الحكومية والخاصة بمناطق الميليشيات شهدت إقبالاً ضعيفاً جراء المناهج التي يقولون إنها "كرست لتفخيخ عقول النشء والأطفال، مما دفع عديداً من أقران أبنائهم للموت بعد التحاقهم بجبهات القتال بفعل تأثرهم بالمناهج المتطرفة بعد تحويل المدارس إلى مراكز طائفية للتعبئة والتحشيد الداعي إلى الموت وقتل الآخر الذي لا يرضخ لمشروع الجماعة".

 

ويقول المواطن (م. ص) وهو أب خمسيني لأربعة أطفال إنه منع أولاده "من التسجيل للعام الدراسي، وسفرت ابني الأكبر إلى القرية لتلقي الدراسة هناك". والسبب على حد تعبيره "سأصبح أباً خائناً وغير مسؤول إن سمحت لأبنائي بتلقي التعليم الطائفي الحربي الإرهابي والخطر في مدارس صنعاء، حيث إن المنهج كله طائفي ويدعو إلى القتال والتضحية في سبيل عبدالملك (في إشارة لزعيم الجماع الحوثية) وعصابته".

 

وعن الحلول المتاحة من وجهة نظره خصوصاً ما يتعلق بالحاق الأبناء في المدارس الأهلية، يفيد "أرسلت ابني الكبير (يبلغ 14 سنة ويدرس في الصف الثامن) عند عمته في القرية (تقع في نطاق سيطرة الحكومة الشرعية)، وهناك سيواصل تعليمه وفي المساء سيساعد الأهل بالزراعة وتعلم بعض الحرف وتربية المواشي، وهذا أفضل من أن يصبح مقاتلاً ضد أبناء وطنه".

 

"ضاق بنا الحال"

 

ويضيف (م. ص) أن "الحوثي لم يترك لنا مجالاً للحياة، وعندما تركنا له المدارس الحكومية وسجلنا أولادنا في المدارس الأهلية على رغم كلفها الباهظة، لحقونا إليها، وفرضوا علينا مناهجهم المستحدثة التي ألزموا المدارس بها وعينوا مشرفيهم وعناصرهم للإشراف على غرسها من خلال فرض الامتحانات التي تأتي منهم".

 

ويشير إلى أنه اضطر إلى ترك بقية أولاده معه بصنعاء كونهم صغاراً وألحقهم به لمساعدته في تجارته الصغيرة.

 

حتى المعلم هرب

 

حال عزوف الطلاب لم يكن هو الوحيد، إذ تشير مصادر تربوية إلى أن عديداً من المعلمين فروا أيضاً من مناطق الحوثيين إلى مناطق الشرعية نتيجة توقف دفع رواتبهم مع إلزام الميليشيات لهم بالتدريس، أو اتهامهم بـ"الوقوف مع العدوان" (في إشارة إلى الحكومة المعترف بها دولياً والتحالف الداعم لها).

 

ونتيجة لذلك نشأ عجز في الكادر التعليمي تستغله الجماعة بالدفع بعناصر غير مؤهلة، ولكنها موالية لها، وإلزام المدارس بدفع رواتبهم من خلال تحصيلها من الطلاب الذين ألزموهم بدفع رسوم شهرية بحسب إفادات أولياء أمور طلاب بصنعاء.

 

مهن بديلة

 

وفي حين تضيق الظروف بواقع التعليم، لجأ من بقي من المعلمين إلى امتهان أعمال أخرى شاقة مثل البيع في البقالات والمطاعم والبناء و"التكاسي" والباصات، وغيرها من المهن.

 

ويقول أحد المعلمين بصنعاء (فضل عدم ذكر اسمه) إن ما يتقاضونه "مبالغ تافهة دفعتنا للبيع في البقالات أو العمل كسائقي سيارات أجرة أو عمال في المطاعم والكافيهات وغيرها من المهن الشريفة التي لا تمنحك في ظل غلاء المعيشة الفاحش أبسط ما تحتاج إليه وأسرتك بعد عقود أفنيناها في تعليم الأجيال". ويؤكد أنه ترك التدريس منذ عامين ولا ينوي العودة هذا العام.

 

الطالب يتجاهل أستاذه

 

ويستذكر المعلم حادثة آلمته عندما ركب معه يوماً أحد طلابه المنتمين للحوثيين، وقد أصبح هو ووالده من أثرياء المدينة بفعل انتمائهم إلى الجماعة لدرجة أنه فضل ألا يعرفه تلميذه، ولكنه لم يفلح في إخفاء هويته عندما شكره الطالب باسمه في نهاية المشوار، دون أن ينعته بالأستاذ كما تعود منه. ويواصل "هذا عنوان بسيط للواقع الجحود الذي نعيشه في ظل هذه الجماعة الحاقدة على كل قيم الحياة والخير وروابط التعايش".

 

ويعيش نحو 200 ألف معلم في مناطق سيطرة الحوثيين دون رواتب جراء قطعها عليهم، كما هو الحال بباقي موظفي الدولة في عام 2016، بمبرر نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وعلى رغم المناشدات المحلية والأممية والدولية، ترفض الميليشيات تسليم المرتبات على رغم الإيرادات الضخمة التي تجنيها منذ سنوات.

 

الحث على الصراخ

 

وعقب اجتياحها صنعاء، أصدرت سلطات الحوثي تعميماً رسمياً ألزمت فيه الطلاب ترديد شعاراتهم "الصرخة" في المدارس صبيحة كل يوم دراسي، وهو الشعار المستوحى من نظام ولاية الفقيه في إيران، ويعبر عن الكراهية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل ومن يتهمونه بالولاء لهم. كما نظمت في المدارس مناسبات طائفية لم يسبق أن احتفل بها اليمنيون، كيوم عاشوراء ويوم الولاية ويوم القدس وعيد الغدير ويوم 21 سبتمبر (أيلول)، والأخير يصادف ذكرى انقلابها على الشرعية، إضافة إلى الفعاليات السياسية والعسكرية، التي تلزم ببث كلمات لزعيم الميليشيات.

 

ووفقاً لنموذج جرى توزيعه قبل ثلاثة أعوام، تضمن فقرات إذاعية متنوعة تدعم خطاب الميليشيات للتعبئة القتالية، والترويج لفكرة مشروعها، والدعوة إلى حشد المقاتلين لإرسالهم إلى جبهات القتال.

 

بين الأمس واليوم

 

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021 تناولت دراسة جملة التعديلات التي أجرتها الميليشيات على المناهج الدراسية عندما أصدر مركز البحوث والتواصل المعرفي بالعاصمة السعودية الرياض دراسة تحليلية بعنوان "المناهج اليمنية والتغييرات التي أحدثها الحوثيون" من إعداد الباحث عبدالكريم بن أسعد اليماني، صدرت في خمسة فصول كشفت عن قيام الحوثيين بإدخال تغييرات عميقة طاولت المناهج الدراسية، مستقاة من "تقديس رموز الأسرة الحوثية وتكريس التبعية لإيران"، كما وصفها البحث.

 

واستندت الدراسة التي وردت في 116 صفحة إلى كشف وتفنيد المشروع الحوثي في تغيير المناهج من خلال مسح بحثي أجرى مقارنة بين الكتب المدرسية منذ عام 2014، أي قبل الانقلاب الحوثي وحتى عام 2017، أبرزت تفصيلاً للتغييرات التي أجرتها الجماعة على المناهج الدراسية مع نماذج مصورة منها، تضمنت نماذج تعليمية مع دراسة دلالات التغييرات وأهدافها.

 

أجندة إيرانية

 

وإزاء تلك الإجراءات التي تؤسس، وفقاً لمراقبين، "لأجيال مفخخة تحض على الحقد والكراهية والعنف والقتل"، كانت الحكومة الشرعية قد اتهمت الحوثيين على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني بـ"محاولة تجهيل المجتمع واستلاب إرادته عبر تدريس مناهج تعليمية محرفة في المدارس داخل نطاق سيطرتهم تخدم الأجندة الإيرانية التخريبية". كما تهدف، بحسب الإرياني، إلى "غسل عقول أطفال اليمن وتزوير التاريخ وتوزيع استمارات فرز سياسي ومذهبي للكادر التعليمي"، مشيراً إلى أن الجماعة "تستهدف تجهيل المجتمع واستلاب إرادته، وإدارته لصالح تكريس الأجندة الإيرانية التخريبية، التي سيدفع ثمنها اليمن والمنطقة والعالم أجمع لأجيال قادمة".

 

(أندبندنت عربية)

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI