يشهد المستوى العام للأسعار في مختلف المحافظات اليمنية، تضخماً غير مسبوق، نتيجة العديد من العوامل التي ساهمت في تدني القدرة الشرائية للمواطنين، وتدهور قيمة العملة الوطنية، وارتفاع تكاليف كافة مدخلات الإنتاج، والنشاط الصناعي والتجاري في البلاد.
ورغم أن موجة جنون الأسعار وغلاء تكاليف المعيشية، تبدو منتشرة في شتى أنحاء البلاد، إلا أن هناك بعض الفروقات في هذا المستوى بين مناطق سيطرة الحوثيين، ومناطق الحكومة اليمنية.
تسببت عملية الانقسام النقدي والمصرفي، وحظر الطبعة الجديدة من العملة من قبل مليشيا الحوثي، في مناطق سيطرتها، إلى وجود قيمتين مختلفتين لعملة واحدة، الأمر الذي أفرز تداعيات عدة في انقسام المؤسسات الاقتصادية، وأظهر فروقات في مستوى العيش بين المحافظات.
فوارق سعرية
على الرغم أن قيمة الدولار الأمريكي، تبدوا ظاهرياً في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، أقل من النصف عن قيمته المتداولة بمناطق الحكومة اليمنية، لكنّ المستوى العام للأسعار يبدوا أعلى من مناطق الحكومة الشرعية، في مفارقة غريبة، تكشف هزلية الإدارة الاقتصادية، وأكذوبة ثبات سعر الصرف.
يقول المواطن، مجاهد حسن، من سكان صنعاء، إنه يقوم بصرف الـ 100 دولار، 55 ألف ريال، من الطبعة القديم، لكنّها لا تفي بغرض توفير سلة غذائية شهرية.
وبحسب تُجار جملة وتجزئة، في المناطق الواقعة ضمن نطاق سيطرة الحوثيين، فإن سعر الكيس الدقيق، عبوة 50 كيلو، سجل نحو 25000 ألف ريال، من الطبعة القديمة، بما يعادل، 50 دولاراً (الدولار يساوي 558 ريال).
كما سجل سعر الكيس السكر، عبوة 50 كيلو، نحو 25 ألف ريال، من الطبعة القديمة، في صنعاء بما يقارب من 50 دولارا.
ويضيف حسن، في حديثه، لـ “يمن فريدم"، أن ما يحدث نهب منظم لمدخرات المواطنين، من العملة الصعبة، كونه يتم مصارفتها بما يقابلها من الريال اليمني، بسعر أقل من سعرها الحقيقي، وفق اقتصاد السوق، في حين أن تكاليف العيش والخدمات، تزداد تكاليفها باستمرار.
على الجانب الآخر، تُسجل قيمة الـ 100 دولار، في مناطق الحكومة اليمنية، في الوقت الراهن، أكثر من 1100 ريالا، من الطبعة الجديدة، ومع هذا يستطيع المواطن، بالكاد توفير السلة الغذائية الشهرية.
وفي عدن وتعز وبقية المحافظات المحررة، سجل سعر الكيس الدقيق، عبوة 50 كيلو، نحو 45 ألف ريال، من الطبعة الجديد، بما يعادل 40 دولار، (الدولار يساوي 1100 في مناطق الحكومة (.
انفلات الأسعار
حالة من الانفلات والاضطراب الشديدين تسود الأسواق التموينية في البلاد، حيث بات غالبية المواطنين، عاجزين عن توفير أدنى الاحتياجات الأساسية من العيش، جراء عملية التقويض التي تتعرض له القطاعات التجارية والاقتصادية من قبل جماعة الحوثي، فضلا عن فرض الجبايات والإتاوات المستمرة على التجار والمحلات التجارية، ونهب الموارد والإيرادات العامة.
تتحجج جماعة الحوثي، بشكل دائم، بقدرتها على ضبط أسعار الصرف، مقارنة بقيمة العملة المحلية، بمناطق الحكومة اليمنية، بيد أن جنون الأسعار المشتعلة، وفوضى السوق التموينية، لدى الحوثي، تفضح كافة تلك الأكاذيب.
وعلى الرغم من أن سعر الدولار الأمريكي يصل بمناطق سيطرة الحوثيين، إلى نحو 550 ريالا، أي نصف سعره لدى الحكومة اليمنية، الذي يساوي، 1110 ريالا، إلا أن أسعار السلع والغذاء والخدمات، تكاد تكون في مناطق الحوثيين، أعلى من المستوى العام للأسعار لدى الحكومة، عند احتساب قيمة السلع، بالدولار الأمريكي.
واعتبر اقتصاديون، في تصريحات متفرقة، لـ “يمن فريدم"، أن جنون الأسعار وفوضى الأسواق وانفلات الأسعار، تأتي نتيجة العديد من الممارسات المقوضة للاقتصاد الوطني، والمجحفة بحق القطاع الخاص والقطاع التجاري، منها فرض الجبايات والإتاوات المالية المستمرة، على التجار والمحلات التجارية، فضلاً عن الازدواج الجمركي والضريبي.
ولم تفلح جماعة الحوثي، في تحقيق الاستقرار المعيشي للسكان بمناطق سيطرتها، عوضا عن قدرتها في وقف جنون الأسعار الذي تشهد ارتفاعا مضاعفة باستمرار، على الرغم من ثبات سعر الصرف المزعوم.
اتساع الفجوة الغذائية
وأدى تراجع المساعدات الإنسانية للمنظمات الدولية، وانخفاض القوة الشرائية للمواطنين، في المحافظات اليمنية، وارتفاع الأسعار، عوامل أساسية، في زيادة اتساع الفجوة الغذائية في اليمن.
وتشير شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة، في تقرير حديث لها عن الاقتصاد اليمني، أن انخفاض توفير المساعدات الغذائية الإنسانية في العديد من المناطق اليمنية، أدى إلى زيادة الاعتماد على السوق بين العديد من الأسر، في الوقت نفسه، تتراجع القوة الشرائية باستمرار بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار. وفي ظل هذا الوضع من المرجح أن يواجه عدد متزايد من الأسر الفقيرة فجوات كبيرة في استهلاك الغذاء.
يوضح التقرير أن أسعار الماشية ارتفعت محلياً في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي بشكل كبير، حيث كانت الزيادات في الأسعار كبيرة وتتجاوز ما هو معتاد في هذا الوقت من العام، وفقًا لمعلومات رئيسية، ونظرًا لارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية عبر مجموعات الثروة المتوسطة والميسورة، كانت مبيعات الأغنام أقل من المعدل الطبيعي في المناطق خلال الموسم الجاري، ومن المحتمل أن يكون هذا قد حد من وصول أصحاب الماشية إلى الدخل في وقت كانت فيه مبيعات الماشية مصدرًا رئيسيًا لدخل الكثير من الأسر في الريف اليمني.
وظلت أسعار السلع الغذائية الأساسية مستقرة بشكل عام من يونيو إلى يوليو، وإن كانت عند مستويات أعلى بكثير من نفس الفترة من العام الماضي، ومع ذلك، ارتفعت أسعار منتجات الدواجن، في جميع أنحاء البلاد في يونيو ويوليو، في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي، الأمر الذي يهدد باتساع الفجوة الغذائية في اليمن بشكل عام.
تدني القوة الشرائية
ويعيش اثنان من كل ثلاثة يمنيين، في فقر مدقع، ويواجه الملايين الجوع الشديد، واضطر برنامج الأغذية العالمي، إلى خفض السلال الغذائية الشهرية، إلى النصف، بسبب نقص الأموال، وفق تقرير حديث صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.
ويشير التقرير، إلى أن الوضـع في مناطـق سـيطرة الحوثيين، يـزداد سـوءا مقارنـة بمناطـق سيطرة الحكومة اليمنية، حيث تتجلى الفوارق السعرية، في الاحتياجات المعيشية اليومية لسكان اليمن عموماً، لكــن الكثافــة السكانية، والعجــز الشرائي في مناطق سيطرة الحوثيين، تؤيده العديد من العوامل المؤثرة بشــكل مباشـر، كانقطــاع دفــع رواتب موظفــي القطــاع الحكومـي، والاكتفاء بنصـف راتب غيـر منتظـم، في كل مناسبة دينيـة.
إضافة إلى الجبايات المفروضة، في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، خارج إطار القانون، وانعكاس، ذلــك على الأسعار، إذ يحــاول التجـار تعويض خسائرهم، كمـا أن تدخـل المضايقات المستمرة لـرؤوس الأموال، ومحاولـة عرقلة انتظام إنتاجهــم مــن المواد، يعد واحداً من الأسباب، المؤثرة في تحقيق أسعار مناسبة، وتغطية الاحتياج بتوفـر سـيولة ماليـة عبـر موظفـي هـذا القطـاع الـذي يغطي احتياج عشرات آلاف الأسر من خلال آلاف الموظفين المنخرطين فيه.
ضغوط التضخم
وتسببت ضغوط التضخم المرتفعة، في زيادة التحديات أمام الاقتصاد اليمني، الذي يواجه العديد من التحديات والصعوبات، حيث انكمش إلى أكثر من النصف، خلال السنوات الأخيرة من الحرب، مسببا المزيد من المعاناة للمواطن اليمني.
وبالرغم من توقعات الصندوق بتوقف الانكماش الاقتصادي في العام الحالي 2022 وحدوث نمو بسيط بنسبة 2 %إلا انه يمكن البناء علية لأن النمو البسيط المتوقع يعود إلى توقعات بارتفاع التصدير للقطاعات النفطية واستمرار الارتفاع المتواصل في أسعار النفط في السوق العالمية اضافة إلى التعافي التدريجي من جائحة كورونا واستعادة المبادلات التجارية نسقها المعتاد.
وظلت الضغوط التضخمية، التي كانت متأتية إلى حد كبير من التضخم المستورد بالنظر إلى تراجع قيمة العملة الوطنية والارتفاع الملحوظ لأسعار المواد الغذائية والبترولية في الأسواق العالمية، تشكل تحدياً اقتصادياً كلياً، وبالتالي تتطلب استجابة منسقة، ومستدامة للسياسة النقدية من قبل الجهات المعنية.
ويواجه اليمن، ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية بشكل كبير في جميع أنحاء البلاد، وبحسب شبكة الإنذار المبكر، زادت تكلفة الحد الأدنى من سلة الغذاء بشكل ملحوظ بنسبة 12 % منذ مارس الماضي، لتصل إلى مستويات أعلى بنسبة %85 بنفس الفترة من العام الماضي، كما أن القدرة الشرائية للأسر تآكلت بشكل كبير بسبب سنوات من التدهور الاقتصادي والصدمات المتفاقمة.
وأشارت نتائج التحليل إلى أن الصراع في اليمن وسنوات الجمود السياسي أديا إلى التدهور الاقتصادي، ودفع المزيد من الناس إلى الفقر، كما دفع نزوح السكان وفصل الناس عن أصولهم وسبل عيشهم وحياتهم الاجتماعية إلى خسائر في الدخل وأدى إلى تآكل كبير في قدرة الأسرة على التكيف، مما ترك العديد من الأشخاص معرضين بشدة لارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وعدم القدرة على مواجهة نفقات المعيشة الأساسية الأخرى.
وأجبر ارتفاع أسعار السلع الغذائية وغير الغذائية، واتباع الكثيرين استراتيجيات التكيف المتاحة لسبل العيش، الملايين على اتباع استراتيجيات أكثر قسوة للتكيف مع الغذاء مثل تخطي وجبات الطعام، بخاصة أن ثمانية ملايين مستفيد من المساعدات الإنسانية يتلقون حصصاً غذائية مخفضة منذ أواخر العام المنصرم على مستوى البلاد نتيجة نقص التمويل.