على وقع استمرار التضخم الجامح الذي يضرب الاقتصاد اليمني، وتذبذب قيمة العملة الوطنية، وتفاقم أزمات القطاع المصرفي، تعهد البنك المركزي اليمني في عدن، بتنفيذ العديد من السياسات والإجراءات، لتحسين اداء القطاع المصرفي، في التعاطي مع كافة المتغيرات، وتعزيز كفاءته في إدارة التمويلات، والتعهدات الاقليمية والدولية المعلنة والمرتقبة من الاشقاء والاصدقاء.
وتقول إدارة البنك المركزي، خلال لقائها رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي، في عدن، إنها انتهجت سياسة نقدية، لإعادة ضخ الدورة المالية في القطاع المصرفي، وسحب فائض العملة، وتجنب الطباعة والاصدارات النقدية المكشوفة.
يأتي هذا في ظل تحديات اقتصادية ومالية، جديدة تعصف بالحكومة اليمنية، مع توقف إنتاج وتصدير النفط الخام، بفعل الهجمات الحوثية على ميناء الضبة النفطي في حضرموت، والتي كانت عائداته تمثل أهم مصدر للحكومة من النقد الأجنبي في الوقت الحالي.
ومن شأن هذه التحديات، أن تنعكس سلباً على المالية العامة للدولة، وستلقي بضغوط كبيرة على قدرة البنك المركزي في القيام بدوره في تحقيق استقرار أسعار الصرف، وإصلاح الاختلالات المالية، التي تعصف بالبلاد، جراء انقسام السياسة النقدية، وخروج الدورة المالية، عن القطاع المصرفي الرسمي.
أزمات البلاد المالية، ليست وليدة اللحظة، بل تفاقمت مع استمرار الحرب، والانقسام النقدي، وتشتت الموارد، وغياب الرؤية الحكومية لمعالجة الملفات الاقتصادية والمعيشية المرتبطة بحياة المواطنين.
وفي الحقيقة أن الكثير من أدوات السياسة النقدية، ماتزال معطلة، لدى البنك المركزي اليمني في عدن، نتيجة الانقسام النقدي، وبقاء مراكز البنوك التجارية والإسلامية في صنعاء، فضلا عن شحة موارد البنك من النقد الأجنبي، وبقاء كتلة نقدية كبيرة، من السيولة خارج إطار القطاع المصرفي الرسمي.
يفيد مختصون واقتصاديون، استطلع معد التقرير أراءهم حول مدى قدرة البنك المركزي، على تنفيذ الإصلاحات اللازمة لرفع كفاءة وأداء القطاع المصرفي وتحقيق الاستقرار للعملة الوطنية، إلى أن الكثير من الخطوات ماتزال تنتظر إدارة البنك المركزي، لإعادة الدورة المالية إلى مسارها السليم، وإصلاح الاختلالات النقدية.
وطبقا لمختصون، تحدثوا لـ"يمن فريدم" فإن إدارة البنك أخفقت حتى الان في تحقيق الاستدامة لموارد النقد الأجنبي، وبقاء الانقسام النقدي والمصرفي، الذي يشكل بؤرة استنزاف هائل للنقد الأجنبي في مناطق الشرعية، فضلا عن ما يتسبب به من معاناة مستمرة للمواطنين، وفرض قيود ومعوقات كثيرة، أمام حركة نقل الأموال المحلية والتبادلات التجارية.
إخفاق وفشل
المحلل المالي والاقتصادي رياض الأكوع، أشار إلى العديد من النقاط لتقييم أداء البنك المركزي وقياس مدى قدرته على تنفيذ الإجراءات النقدية اللازمة لتحقيق الاستقرار ورفع كفاءة القطاع المصرفي.
وشدد الأكوع في تصريح لـ" يمن فريدم" إلى ضرورة معرفة ما ورد في تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الخاص بمراجعة عمليات البنك المركزي اليمني عدن خلال الفترة 2016 حتي 2021، خصوصاُ فيما يتعلق بنظام الرقابة الداخلية، والتدخل النقدي في السوق من قبل البنك المركزي اليمني عدن خلال نفس الفترة.
وأوضح، أن العديد من الاختلالات رافقت أداء البنك المركزي فيما يتعلق الصرف من الوديعة السعودية لتغطية الاعتمادات المستندية للسلع الأساسية، واستكمال الهيكل التنظيمي للبنك.
وتسأل المحلل الاقتصادي رياض الأكوع، عن مدى تنفيذ البنك المركزي لمصفوفة الإصلاحات المطلوبة من البنك المركزي اليمني عدن من قبل السعودية والإمارات.
واعتبر أن إدارة البنك انتهكت العديد من القوانين الخاصة بالبنك المركزي، منها قانون رقم 14 لسنة 2000، والمادة 32 من قانون البنك المركزي اليمني، مطالباُ بمحاسبتها جراء انتهاكها للقانون وفشلها في تحقيق الاستقرار في أسعار الصرف.
اختلال المنظومة المالية
من جانبه، استعبد الدكتور هشام الصرمي، أستاذ الاقتصاد في الجامعات اليمنية، قدرة البنك المركزي اليمني، على تأدية دوره ووظيفته كاملة في الوقت الراهن، مع اختلال المنظومة المالية، في البلاد.
وأوضح الدكتور الصرمي، في حديثه لـ"يمن فريدم"، أن البنك في الوقت الراهن، لا يملك سلطة تنفيذية للرقابة على البنوك، ولا يملك سلطة ضبط السوق في ظل سحب البساط من الجهاز المصرفي بشكل كامل.
ولفت إلى وجود معوقات تمنع البنك المركزي من تأدية مهامه، منها غياب المنظومة الحكومية، مشيراً إلى أن تأدية البنك لمهامه بشكل كلي، يتطلب وجود كافة المنظومة الحكومية، مع مؤسسات الدولة.
وأوضح أن البنك في الوقت الحالي، يعاني من شحة في موارد النقد الأجنبي، مع توقف الصادرات النفطية والغازية، وعدم وجود دعم خارجي، وتشتت الموارد المحلية، وتقلص تحويلات المغتربين.
وأفاد أن الحرب تسببت باختلالات كبيرة، للقطاع المصرفي، فضلا عن الانقسام النقدي، ووجود قيمتين مختلفتين للعملة اليمنية، ناهيك استمرار تدفق تحويلات المنظمات الدولية بالعملة الصعبة، إلى الحوثيين، بعيدا عن سيطرة البنك المركزي اليمني، مشيراً إلى أن هذه كلها اختلالات تحد من قدره البنك المركزي على القيام بوظائفه.
تراجع دور البنوك
منذ بداية الحرب، تعرض القطاع المصرفي الرسمي للعديد من المتغيرات، التي أثرت على أدائه، وحدت من قدرته على الإيفاء بالتزاماته تجاه العملاء والمواطنين، وهو ما كان له تأثير سلبي على تراجع نشاطه، لصالح تمدد وانتشار شركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية، الغير مرخصة، والتي استحوذت على النسبة الأكبر من النشاط المالي في البلاد.
وقبيل الانقسام النقدي، كانت إدارة البنك المركزي في صنعاء، التابعة للحوثيين، قد جمدت كافة استثمارات البنوك التجارية، ولم تستطع الوصول إليها، وهو ما أثر على تراجع نشاطها وعجزها عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين والمودعين.
استمرار هذه الاختلالات، أدى إلى انعدام الثقة بالجهاز المصرفي، وبقي البنك المركزي بصنعاء، يتحكم بأرصدة البنوك والمصارف، وأدوات السياسة النقدية مثل أدوات الدين العام، وأرصدة الحسابات الجارية للبنوك، والاحتياطي الإلزامي للبنوك.
ويفيد اقتصاديون، لـ" يمن فريدم" إلى أن البنك المركزي اليمني في عدن، ما يزال يواجه تحديات وصعوبات كثيرة، منها عدم استكمال البناء المؤسسي للبنك، حيث يفتقر إلى الكادر المؤهل والأنظمة المصرفية اللازمة لأداء وظائفه، لتمكينه من استئناف مهامه وإدارة عملياته والإشراف على العمليات المصرفية المحلية.
الانقسام النقدي
عملية الانقسام النقدي، واستمرار أداء بنك فرع بصنعاء، لوظائفه كبنك مركزي، خاضع لسيطرة الحوثيين، ومنفذا لسياساتهم وأجندتهم، عمل أيضا على خلق تحديات كبيرة امام القطاع المصرفي، حيث ماتزال جماعة الحوثي تتصرف، بصفتها صاحبة الولاية، على البنوك والمصارف، مستغلة تواجد المراكز المالية والمقرات الرئيسية في صنعاء.
خلال الفترة الماضية، أصدرت العديد من القرارات التي تؤثر على أداء القطاع المصرفي، وكان آخرها تحويل استثمارات البنوك التجارية في أذون الخزانة إلى أرصدة حسابات جارية لديه غير قابلة للسحب، بهدف الاستيلاء عليها وحرمان المودعين من الحصول على الفوائد المالية.
وأتت هذه الخطوة في إطار خطة للتخلص من الدين الحكومي للبنوك وتحت مسمى وقف الربا وأقدم على تحويل مبلغ 1.7 تريليون ريال يمني هي إجمالي استثمارات البنوك في اذون الخزانة إلى أرصدة حسابات جاريه لديه غير قابله للسحب.
البنوك التجارية في اليمن، كانت قبل الحرب تضع معظم الأموال الموجودة لديها كودائع من العملاء في البنك المركزي بصنعاء، لاستثمارها في أذون الخزانة والحصول على عوائد بنسبة 16% سنوياً، بيد أنه منذ العام 2016 بعد سيطرة مليشيا الحوثي على البنك المركزي أصبحت البنوك غير قادرة على سحب تلك المبالغ المودعة في أذون الخزانة لدى البنك المركزي بسبب أزمة السيولة وبقيت كل ما انتهت هذه الأذون تجدد دون أي عوائد والتي ألغتها الإدارة الجديدة للبنك المعينة من الحوثيين بحجة أنها "ربا".
وتسعى جماعة الحوثي، للتخلص كلياً من احتساب أي عوائد تضاف للبنوك وقامت بتحويل المبالغ إلى حسابات البنوك الجارية التي ليس عليها أي فوائد، وصارت مجرد أرصدة غير قابلة للسحب.
وطبقا لمختصون مصرفيون، فإن هذه الخطوة شكلت ضربة جديدة للقطاع المصرفي، الذي يعد في الأساس عصب الاقتصاد الوطني، حيث تعرض للتقويض منذ بدء الحرب من خلال نهب مليشيا الحوثي ودائع المودعين واستثمارات البنوك في البنك المركزي بصنعاء، وبعد ذلك تسببت مليشيا الحوثي، بأزمة الانقسام النقدي التي تعد أكبر أزمة مالية في تاريخ البلاد.
تفاقم الأزمات
أرهقت التحديات والأزمات الاقتصادية، البلاد، خلال ثمانية أعوام من الحرب، وألقت معها بتداعيات سلبية على مجمل الأوضاع المعيشية، وتدني القدرة الشرائية للمواطنين، وتراجع قيمة الريال الوطني، وانتشار المجاعة ضمن مساحات واسعة في البلاد.
ومع مطلع كل عام جديد تنتعش الآمال، بانفراجه مرتقبة للأزمات والتحديات الاقتصادية والمعيشية، لكن ما تلبث أن تتبدد هذه الآمال، مع استمرار الأزمات وغياب الحلول المطلوبة، وبقاء الاختلالات والإشكاليات ذاتها، إلى جانب متغيرات وعوامل خارجية ومحلية، تساهم في إضفاء مزيد من التعقيد على الوضع الاقتصادي.
وتصطدم محاولات الإصلاح الحكومي، وجهود إعادة تشغيل الموارد اليمنية، باستمرار سيطرة جماعة الحوثي، على معظم المؤسسات المحلية الإيرادية، واستحواذها على موارد قطاع الاتصالات، والنشاط الضريبي الأكبر في البلاد، دون أن يكون هناك أي التزام للمليشيا اتجاه تحقيق الخدمات ودفع رواتب الموظفين.
وتشهد الأسواق التموينية موجة من الارتفاع الصامت في مختلف أسعار السلع الأساسية والضرورية، متأثرة بالعديد من العوامل الخارجية والداخلية.
وكان للتضخم المستورد من بلد المنشأ، عاملاً في ارتفاع أسعار السلع، لكن وجود عوامل ومسببات داخلية، فاقمت من وطأة الأزمات المعيشية للمواطنين، مثل الازدواج الجمركي ونقاط الجباية، وتذبذب قيمة العملة الوطنية، فضلا عن غياب الرقابة الحكومية على الأسواق.