15 يوليو 2024
22 سبتمبر 2023
يمن فريدم-الحرة

 

"ربح خيالي وسريع" هذا ما تروج له إعلانات على شبكات التواصل الاجتماعي تسوق لبيع ما يعرف بـ"الدولار المجمّد" أو يسميه البعض بـ"الدولار الليبي المجمّد".

 

الصفحات التي تروج لبيع "تلال من الدولارات" تزعم سلامتها من الناحية المالية، ويشير أصحابها إلى أن منع التداول بها يعود لأنها ضمن المبالغ الممنوع تداولها، لأنها كانت في حوزة نظام الرئيس المخلوع، معمر القذافي، قبل أكثر من عقد.

 

فما حقيقة هذا "الدولار المجمّد"؟

 

برنامج "الحرة تتحرى" الذي تبثه قناة "الحرة" تتبع رحلة هذا الدولار من مرحلة طباعته وصولا إلى المشترين أو المستهلكين الذين غالبا ما يصبحون ضحية.

 

يقول أحد مروجي "الدولار المجمد" في إعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي إنها نقود "سليمة 100 في المئة.. مشكلتها أنها لا تدخل البنوك المركزية.. يتم تداولها عبر التحويل لها وعبر التسليم.. من يريدها يتواصل عبر الخاص".

 

استغلال للأزمة في لبنان

 

في لبنان وخلال الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد فيما يرتبط بأموال مئات الآلاف من المودعين لدى البنوك، ظهرت أولى عمليات الترويج لهذه النقود، إذ أصبح العديد ممن يمتلكون سيولة نقدية يبحثون عن تحقيق "أرباح سريعة وسهلة".

 

الأكاديمية الباحثة اللبنانية في القوانين المصرفية والمالية، سابين الكيك، تقول إن المروجين يختارون من هم من "بيئة متواضعة تعاني من أزمات اقتصادية أو مالية، مستوى الوعي المالي في هذه البيئة متدني، إن لم نقل معدوم".

 

وأشارت إلى أن السلطات اللبنانية، خاصة مديرية قوى الأمن الداخلي، أصدرت في لبنان تعميما، في عام 2020، إذ "نبهت بوضوح تام، أن قصة الدولارات الليبية المجمّدة، هي (عمليات احتيال)".

 

وقالت قوى الأمن اللبناني في بيان حينها إن "الهدف من إطلاق هذه الشائعات، هو لتسهيل عمليات ترويج دولارات مزيفة، وذلك من خلال إيهام الناس بتوفر هذه الدولارات للاستيلاء على أموالهم، بحيث يجري تبديل العملة الصحيحة بالعملة المزيفة في أثناء عملية التسلم والتسليم".

 

وفي غضون شهرين، خلال ربيع عام 2022، ألقت قوى الأمن القبض على ثلاث مجموعات اتهمت بترويج "الدولار المجمّد" بعد إيقاعهم بأكثر من 60 ضحية.

 

ولم تجب قوى الأمن الداخلي اللبناني عن استفسارات "الحرة تتحرى".

 

"الدولار المجمد" و"ليبيا"

 

من أبرز الروايات التي تلاحق هذه النقود أنها "مليارات تعود لنظام الرئيس الليبي الأسبق، القذافي"، مشيرين إلى أنه يتم "منع تداولها بسبب عقوبات دولية أوسع" والتي فرضت على ذلك النظام.

 

ويرى مختصون أن هذه الرواية تفتقر للمنطق، بحسب ما توكد الأكاديمية الكيك إذ أن "ما حصل في ليبيا، كان عبارة عن تجميد أصول وحسابات مصرفية، وليس وقف التعامل بأوراق نقدية مباشرة ضمن أرقام متسلسلة".

 

وأضافت "السؤال الذي نطرحه للإجابة بمنطق أكبر: كيف يمكن لمصرف، أن يحدد أن هذا الحساب أو ذاك الحساب، يمتلك هذه الأوراق النقدية؟ الأوراق النقدية هي أوراق قابلة للتداول. هذه العملة التي يدّعون أنها عملات حقيقية، يتبين في أغلب الأوقات أنها مزيفة".

 

وتزعم شبكات الترويج لهذه النقود "أن تجميدا فرضته واشنطن حينها طال أوراقا نقدية أميركية بعينها لدى البنك المركزي الليبي"، وهو ما لم يذكره صراحة ما فرضته الولايات المتحدة.

 

ونص القرار التنفيذي الأمريكي "رقم 13566" بشأن ليبيا بتجميد "جميع الممتلكات وفوائدها المتواجدة في الولايات المتحدة، والتي تدخل فيما بعد إليها أو التي تصبح لاحقا في حوزة أو سيطرة أي شخص أمريكي، بما في ذلك أي فروع خارجية للحكومة الليبية، ووكالاتها وأجهزتها والكيانات الخاضعة لها ومصرف ليبيا المركزي".

 

كبير الباحثين بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، حافظ الغويل، يقول إن "ليبيا كانت لديها أموال تتبع جهتين في ليبيا، واحدة منهم هي الأموال الليبية المجمّدة التي تتبع البنك المركزي".

 

وذكر الغويل، الذي كان مستشارا لنائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن المبالغ المجمّدة "كانت حوالي 120 مليار دولار في ذلك الوقت. وكان هناك حوالي 68 مليار تتبع شركة الاستثمارات الليبية. المجتمع الدولي جمّد كل هذه الأموال".

 

وأضاف أنه "عندما سقط النظام السابق، وتولى المسؤولية نظام جديد. رفعوا الحظر على أموال البنك المركزي، والبنك المركزي من ذلك اليوم، له كامل الحرية في استعمال الأموال التي تتبعه حول العالم، ولكن العقوبات الدولية لم تتطرق إلى أوراق نقدية بعينها، يعني من الصعب في أي مكان في العالم أن تستهدف نقودا أو أوراق مالية".

 

مهمة مستحيلة

 

مدير معهد السياسات الدولية في واشنطن، باولو فون شيراك، قال إن "وزارة الخزانة الأميركية، وجهاز الخدمة السرية والسلطات الأخرى تحرص على جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات التفصيلية، لكن الأمر معقد.. فكيف يمكنك مراقبة كل ما يحدث في أي جزء من العالم؟ وأي وقت؟ وحتى الوصول لفهم واضح حول كل شيء؟".

 

وأضاف "يبدو ذلك مستحيلا"، ومؤكدا أنه من الصعوبة "تجميد أوراق نقدية بعينها، إذ يستحيل تتبعها".

 

وأوضح شيراك "ما أن يبدأ تداول الأوراق النقدية الأمريكية، لا أتصور أن هناك إمكانية لتعقبها فما أن أخرج ورقة 'البنكنوت' من جيبي لأدفع لك مقابل شيء ما، ثم تستخدم أنت نفس الورقة النقدية لتدفع مقابل الحصول على شيء لشخص آخر، فمن يمكنه ملاحقة هذه الورقة تحديدا؟ هذا مستحيل!".

 

"الدولار المجمد" والعراق

 

ورغم ربط هذا الدولار بعقوبات فرضت على ليبيا، إلا أن الحديث عن "الدولار المجمّد" ظهر أول مرة، في عام 2003، بعد حرب العراق، عندما خسرت البنوك العراقية مليارات الدولارات، وقدمت بغداد حينها طلبا رسميا بأن تجمّد واشنطن "جميع الأوراق النقدية التي اختفت".

 

المستشار في البنك المركزي العراقي، إحسان الشمري، نفى هذه الرواية وقال: "لا، هذا في الحقيقة ليس صحيحا. نعم، تمت سرقة بعض الأموال من المصارف في العراق، ولكن البنك المركزي فورا قام باستبدال الأوراق النقدية العراقية".

 

واستطرد "خلال أقل من سنة، والدولارات التي كانت بالعراق، كانت قليلة جدا، لأنها استنفدت أصلا من قبل الحكومة وأجهزتها، سرقت بعض الدولارات، ولكن هذا لم يؤثر على الوضع الاقتصادي، ولا دفع بأميركا ولا العراق إلى تبيان أرقامها وتسلسلها، فهذا كلام حقيقةً غير صحيح".

 

ومع عودة الترويج لـ"الدولار المجمّد"، في عام 2020، "تصدى البنك المركزي العراقي حينها، ونوّرنا الجمهور أنه لا يتواجد شيء اسمه 'ورقة الدولار الليبي'، أو 'دولار عراقي'، أو 'دولار ألماني' إلى آخره. الإصدار النقدي في البنك المركزي الأميركي الفيدرالي هو إصدار اعتيادي. المطبعة تطبع الأوراق ونظام حاسوبي كامل هو الذي ينتج الرموز وتسلسلها"، بحسب الشمري.

 

ورغم هذه الجهود، وجدت مجموعات الترويج لهذه النقود المزيفة طريقها للإيقاع بضحاياها.

 

ومع استمرار الحملات الأمنية، واصلت شبكات البيع الترويج لها باعتبارها دولارات ليبيا المجمدة، ما دفع البنك المركزي العراقي، في عام 2022، إلى إصدار بيان ثان.

 

وأكد البنك المركزي في بيانه أنه "يحتفظ بحقه في اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يتداول مثل هذه الأوراق المزيفة أو يروج لها، وبالتنسيق مع الأجهزة المختصة".

 

الإحجام عن الشكوى

 

وتواصل فريق "الحرة تتحرى" مع بعض من تعرضوا للاحتيال، ولكنهم آثروا عدم الحديث مثلما عزفوا عن إبلاغ الشرطة، خوفا من أن يجدوا أنفسهم متهمين أمام القانون.

 

علي سلوم، وهو قاض أول مكتب التحقيق في الكاظمية ببغداد، أكد أنه لا مسؤولية جزائية بحق المشتكي، إذ "تباشر المحكمة بإجراءاتها التحقيقية العاجلة، ومن خلال متابعة الجناة ومحاولة ضبطهم بالجرم المشهود".

 

وأشار إلى أن المواطن قد يصبح "تحت طائلة المساءلة القانونية لعدة أوجه، من أهمها إذا حاول المواطن مستقبلا الترويج وبيع هذه العملات، مع علمه بتزويرها".

 

فيما يسرد الضحايا أسبابا أخرى لعدم إبلاغهم عمن تلاعبوا بهم، منها أن أعضاء هذه الشبكات عادة ما يخفون هوياتهم الحقيقية، خاصة وأنهم يضللونهم باستخدام ما يعرف بـ"أرقام الهواتف الافتراضية والمتاحة للشراء ببضعة دولارات عبر الإنترنت".

 

وتقول الخبيرة اللبنانية في مجال جرائم المعلومات، جنان خوري، أن استخدام "رموز اتصال لبلد ثان، تتيح للمحتال أن يرتكب جرائمه أكثر وأكثر، لأنه أولا سيكون هو خارج تغطية الدولة".

 

شبكات دولية

 

رغم التحريات الرسمية في العراق حسب تصريحات قاضي التحقيق العراقي سلوم، لم تُكشَف حتى الآن شبكات عابرة للحدود، إلا أنه يشير إلى تدفق الدولارات المزورة من دول مجاورة.

 

وأشار إلى أن "التحقيقات لم تتوصل إلى ارتباط هذه المجموعات، التي تم التحقيق بها وإكمال التحقيق وإحالتهم للمحاكم المختصة، لم يتبين من خلال هذه الدعاوى، تواجد أي ارتباط لها بالخارج. ذكرنا آنفا أنه لا يمكن إدخال أي نوع من أنواع العملات المزيفة أو المجمّدة إلى أي بلد عن طريق الحوالات المصرفية والمعاملات البنكية الأصولية، وإنما يعمدون إلى إدخالها عن طريق شبكات التهريب عبر الحدود".

 

وتفيد شهادة لأحد المتهمين نشرتها مديرية مكافحة إجرام بغداد إلى تواجد شبكات تمتد إلى خارج العراق.

 

"طفرة تزييف الدولار"

 

ولضعف قصة الربط بين هذه النقود والعقوبات على ليبيا، يربط محللون انتشار ما أسموه بـ"حيلة الدولار المجمّد" بطفرة شهدتها دول كتركيا في أنشطة تزييف النقد الأميركي خلال السنوات الأخيرة.

 

وتكشف البيانات، التي تتيحها شبكة فيسبوك عبر ما يعرف بخاصية شفافية الصفحات، أن بعض القائمين على حسابات بيع الدولارات المزوّرة "موزّعون بين العراق وتركيا".

 

وقال المحلل في شؤون الأمن القومي التركي، عمر أوزكيريلجيك، إن السلطات في إسطنبول "صادرت أكبر ضبطية مسجلة حتى الآن من الدولارات المزورة، قيمتها مليار دولار كانت ستُشحَن إلى أفريقيا".

 

وأضاف أن "الأمن التركي نفذ عمليات أخرى ضبط خلالها ما مجموعه 15 مليون دولار مزورة قبل ضخّها في السوق التركية أو تهريبها لسوريا والعراق".

 

ويوضح أوزكيريلجيك أنه "عادة عندما ننظر إلى تقارير الشرطة التركية، نجد أن ما يقرب من 80 في المئة من الأموال المزيّفة التي تمت مُصادرتها كانت بالليرة التركية على سبيل المثال في العام الماضي، لكنني أتوقع أن ترتفع نسبة الدولار الأمريكي في التقرير القادم عن هذا العام".

 

وتشير بيانات رسمية وتقارير صحفية إلى ملايين الدولارات المزورة تم ضبطها فيما كان طابعوها يحضّرون لتهريبها إلى الخارج.

 

مدير الأخبار في شبكة "سي إن إن تورك" في إسطنبول، نهاد أولوداغ، يقول إن التحريات كشفت "مطبعة رقمية كاملة للنقود المزيفة، في قبو مركز تجاري بمنطقة الفاتح في إسطنبول. تم ضبط 12 مليون دولار في هذا الموقع من فئتي 50 و100 دولار، وكان المزورون يتهيؤون لطباعة دفعات جديدة على أن يوزّعوها في تركيا وسوريا والعراق".

 

وأشارت تقارير صحفية تركية إلى أن هذه الشحنات المزوّرة كانت ستُطرح في سوريا والعراق بنصف قيمة الدولار الحقيقي، وهي آلية عرض ما يعرف بالدولارات المجمّدة.

 

وهو ما يؤكده أيضا المحلل أوزكيزيلجيك، بقوله: "نعلم أن بعض الأموال المزيفة قد تم إرسالها من تركيا إلى العراق، لكننا نعلم أيضا أن بعض المواد الأولية والعاملين في التزوير جاؤوا من العراق إلى تركيا، لذلك ليس من الجيد إلقاء اللوم على جانب واحد، ولكن ما يجب التركيز عليه هو أن هذه الأنشطة تعدّ مجالات تهديد مشتركة ويجب أن تشهد تعاونا مشتركا لمواجهتها".

 

الخبير الاقتصادي الغويل يرجح بدوره أن هذه "الأرقام متوفرة لدى جهاز الخدمة السرية الأمريكي".

 

ولم يجب جهاز الخدمة السرية الأمريكي عن استفسارات "الحرة تتحرى".

 

ويؤكد مدير معهد السياسات الدولية في واشنطن، شيراك، أنه عادة "ما يتم الربط بين الخدمة السرية بحماية كبار الشخصيات وخاصة رئيس الولايات المتحدة، هذا هو واجبهم الأبرز حماية الشخصيات المهمة وأيضا حماية السفارات الأجنبية".

 

واستدرك بقوله "لكن مهمتهم الأولى كانت ولا تزال مراقبة الأموال، والبحث عن المزورين وملاحقتهم".

 

وتسفر جهود جهاز الخدمة السرية حول العالم عن ضبط عشرات الملايين من الدولارات المزيفة سنويا، كما تنشر إحصاءاتها في تقرير دوري.

 

وكشف التقرير السنوي لجهاز الخدمة السرية الأمريكي، لعام 2022، عن مصادرة أكثر من 41 مليون دولار من العملة المزوّرة" دون تحديد الدول التي تمت مصادرتها منها.

 

وتحذر الأكاديمية الكيك، من مخاطر "الدولار المجمّد" وأثره على مستوى الاقتصاد الكلي، مؤكدة أن تداعياته هي "الأخطر على المستوى الشخصي بخسارة المدّخرات".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI