23 نوفمبر 2024
1 أكتوبر 2023
يمن فريدم-اندبندنت عربية -مختار محمد

 

في بيئة غير مواتية يمسك شجر الفستق واللوز والبندق في تركيا عن الطرح بعد سنوات كانت تفاخر خلالها أنقرة بإنتاج وفير من سائر أصناف المكسرات التي حملت هوية البلد المنشئ مضافة إلى أسمائها في أكثر من 100 سوق مستوردة، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية، وأيضاً بكونها أكبر منتج ومصدر عالمي للبندق، باستحواذها على قرابة 75%من سوق التجارة العالمية.

 

الزلزال والصقيع والأمطار والفيضانات شكلت مشهد الإنتاج الخجل في موسم 2023-2024، على رغم زيادة عدد الأشجار المثمرة، في مسعى نحو زيادة طرحها قبل الموسم التصديري، فوفق ما أبلغ عنه معهد الإحصاء التركي، فإن السلطات المعنية زادت من غرس أشجار الفستق كمثال في البلاد بنحو 5%، بإجمالي 58 مليون شجرة، خلافاً لـ 25 مليون شجرة غير مثمرة بزيادة سبعة في المئة على العام الماضي.

 

على رغم هذه المساعي يأتي تقرير وزارة الزراعة الأميركية في شأن الإنتاج المتوقع للمكسرات في تركيا متشائماً بعض الشيء لأسباب تتعلق بتأثر مناطق الزراعة بالزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير/ شباط الماضي، إضافة إلى الأمطار والفيضانات وموجة الصقيع التي جاءت لتقلص من إنتاج وصادرات هذه المنتجات الزراعية، مما يفتح الباب أمام توقعات بالاختلال على جانبي العرض والطلب، من ثم ارتفاع أسعار المكسرات التركية.

 

انخفاض الإنتاج

 

من المتوقع أن يصل إنتاج الفستق في تركيا في العام التسويقي 2023-2024 إلى 160 ألف طن، منخفضاً عن حجم الإنتاج العام الماضي، بعدما ضرب زلزل فبراير الماضي أكبر مقاطعتين منتجتين للفستق، هما سانليورفا وغازي عنتاب، على رغم إشارة الحكومة التركية إلى تأثير طفيف للزلزال في إنتاج الفستق بالمنطقة، في وقت لم تفلت فيه أشجاره من الأمطار والفيضانات التي ضربت سانليورفا خلال مارس/ آذار الماضي، مما أثر سلباً في بعض أشجار الفستق، بخاصة بعدما شهدت مدينة سانليورفا أيضاً بعض الصقيع خلال بضع ليال في شهري أبريل/ نيسان، ومايو/ أيار الماضيين، مما دفع المزارعين نحو تدفئة الأشجار بإشعال النيران لمنعها من التجمد.

 

وينتشر إنتاج الفستق على نطاق واسع في جميع أنحاء تركيا، حيث تقوم 56 مقاطعة من أصل 81 بزراعته، وفقاً لبورصة غازي عنتاب للسلع، ومع ذلك فإن المقاطعتين الجنوبيتين الشرقيتين وتمثل غازي عنتاب وشانلي أورفا 80% من إجمالي الإنتاج، بينما المحافظات الجنوبية الشرقية، وبخاصة ديار بكر، تمثل 15% الأخرى من الإجمالي، وتنتشر نسبة الخمسة في المئة المتبقية عبر بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط ومرمرة.

 

ويستبدل المزارعون بأشجارهم القديمة أخرى أصغر، أملاً في تحسين الغلة وزيادة هوامش الربح، مع زراعة الأصناف كثيفة الإنتاج، في وقت يزيد فيه عمر شجرة الفستق على 50 عاماً، وكان يبلغ إنتاج الشجرة الواحدة نحو 4 كيلوغرامات لكل شجرة في السنوات الماضية، وأصبحت اليوم كيلوغرامين لكل شجرة.

 

ضعف الليرة التركية

 

يتوقع التقرير الأميركي أن يصل الاستهلاك في الموسم 2023-2024 إلى 155 ألف طن متري، أي ما يعادل العام السابق، لكن التضخم القياسي في البلاد، وضعف الليرة التركية، يلقيان بظلالهما على الأسعار المتوقعة، إذ ارتفع السعر في أغسطس/ آب الماضي، بنسبة 135%على أساس سنوي مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، ويصل سعر الفستق الأخضر المقشر السائب، والذي يستخدم عادة في صناعة البقلاوة وغيرها من الحلويات التقليدية، ما بين 750 - 850 ليرة تركية لكل كيلوغرام واحد (27.36 – 31 دولاراً)، وستؤدي هذه الأسعار المرتفعة إلى كبح الطلب على الفستق خلال الموسم الجديد، ومع استمرار ذلك، فإن بعض المستهلكين والمستخدمين النهائيين سيتراجعون عن الاستهلاك.

 

للوز وضع أفضل

 

تفيض شجرة اللوز التركية، خلافاً لشجرة الفستق الممسكة، لكن السبب ليس كفاءة الإنتاج، بل كثافته، إذ زادت تركيا من عدد الشجرات المزروعة هذا الموسم بإجمالي إنتاج متوقع 24 ألف طن في ظل تأثر محدود بمناطق الزراعة في الجنوب الشرقي من البلاد، من زلزال فبراير 2023، فخلت تحدياته إلا من ندرة المزارعين، في أعقاب عمليات الإخلاء المباشرة في مناطق الزلزال، وهطول الأمطار الغزيرة والفيضانات، مع الصقيع الذي أعاق إنتاجية المحصول هذا العام.

 

أمام إنتاج ليس الأمثل، وضعف في الليرة وتضخم كلفة الإنتاج، ارتفعت أسعار اللوز التركي إلى مستوى 55 ليرة (دولارين) للكيلوغرام الواحد، من 30 ليرة (1.09 دولار) في الموسم الماضي، فيما حرصت الحكومة على تحفيز مزارعي اللوز لزراعة أشجار جديدة من خلال تخصيص أراض مجانية لمدة 49 عاماً، وتوفير التمويل من دون فوائد، وتقديم مدفوعات الدعم العام للمزارعين، وسط توقعات بارتفاع استهلاك اللوز في الموسم الحالي إلى 49 ألف طن، ومن المتوقع أن تصل صادرات اللوز إلى 25 ألف طن، في إنتاج يقل قليلاً من العام السابق، فيما تبرز دول مثل العراق والجزائر وليبيا وروسيا وكازاخستان كأبرز وجهات التصدير.

 

ويلفت التقرير الأمريكي الحديث إلى إنتاج تركيا من صنف الجوز، إذ يتوقع أن يرتفع الإنتاج بشكل طفيف عن العام الماضي، بإجمالي 69 ألف طن فقط، على رغم زيادة عدد الأشجار المثمرة التي أصيب بعضها بجفاف في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى الصقيع والبرد في عديد من مناطق البلاد، إلى جانب الفيضانات، وهي جملة من العوامل لم تجعل الإنتاج مستقراً وفق ما خطط له، وتنمو أشجاره في كل مقاطعة من مقاطعات البلاد تقريباً، فيما لا يزال الإنتاج غير كافٍ لتلبية الطلب المتزايد للمستهلكين الأتراك.

 

وعلى مدى السنوات الـ 20 الماضية، نفذت وزارة الزراعة والغابات مشاريع تشجير خاصة، في محاولة لتعزيزها إنتاج الجوز التجاري، إلا أن هذه المبادرات لم تسفر عن النتائج المتوقعة، إذ كان كثير من الأشجار مزروعاً في تربة هامشية أو في مواقع غير مناسبة، في حين لم يكن الري لهذه الأراضي المشجرة متوفراً بشكل عام أو مكلفاً للغاية.

 

وارتفعت توقعات استهلاك الجوز للعام الحالي قليلاً عن توقعات العام السابق المنقحة عند 136 ألف طن من 135 ألف طن في العام الماضي، واعتباراً من أغسطس الماضي، كان سعر الجوز المقشر يتراوح ما بين 275-510 ليرة تركية (10.03 - 18.60 دولار) للكيلوغرام الواحد، وتضاعفت أسعاره خلال العام المنتهي في أغسطس الماضي، بسبب ضعف الليرة.

 

أكبر منتج ومصدر عالمي

 

وبينما تعد تركيا أكبر منتج ومصدر للبندق في العالم، إذ تمثل نحو 70% من الإنتاج العالمي ونحو 75% من الصادرات، إلا أن وزارة الزراعة الأمريكية، تتوقع انخفاض إنتاج البلاد إلى 600 ألف طن في موسم 2023-2024، من 730 ألف طن العام الماضي، وقد ارتفعت أسعاره خلال العام الماضي، ليستقر عند 84 ليرة تركية (3.06 دولار) للكيلوغرام الواحد، بزيادة 60%مقارنة بالعام الماضي.

 

وارتفعت أسعار البندق التركي إلى 90 ليرة (3.2 دولار) في أعقاب بدء الحصاد، وتقوم السلطات أحياناً بشراء البندق وتخزينه للمساعدة في الحفاظ على استقرار الأسعار المحلية، بينما أكبر مشترٍ منفرد للبندق التركي شركة "فيرارو" الإيطالية، المالكة لشوكولاتة "نوتيلا"، إذ تشتري وحدها نحو ثلث الكمية الموجودة في تركيا، وتتركز زراعته في أكثر من 48 مقاطعة حول تركيا، إلا أن الإنتاج يتم في المقام الأول على طول ساحل البحر الأسود في تركيا، وهناك ما يقارب نصف مليون منتج وأربعة ملايين شخص يعملون في زراعة وتسويق وتعبئة البندق بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

بشكل عام، تشكل المكسرات نسبة لا بأس بها في هيكل الصادرات التركي، وإحدى قوى البلاد الناعمة، لما تحظى به هذه المنتجات الزراعية من طلب مرتفع عالمياً، وفي مقدمة الأسواق المستوردة، البلدان العربية التي تشهد استهلاكاً للحلويات الشرقية بأنواعها، ما يلقي ربما بتبعات على إنفاق الأسر العربية على شراء المكسرات التركية مرتفعة الكلفة.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI