7 يوليو 2024
8 ديسمبر 2023
يمن فريدم-الحرة

 

المسافر من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، إلى مدينة رام الله (وسط)، عليه أن يستعد لرحلة غير عادية، لأنه سيسلك الطريق رقم 60، وهو شارع يشق الضفة الغربية من جنوبها إلى شمالها، يستخدمه الفلسطينيون والإسرائيليون.

 

هذا الطريق، وشبكة طرق أخرى أقيمت بعد انتفاضة عام 1987، لتمكّن المستوطنين والإسرائيليين من التنقل عبرها بين جنوبي الضفة الغربية وشمالها، من دون الدخول إلى قلب المدن الفلسطينية. وعرفت بـ "الطرق الالتفافية"، لأنها تلتف حول المدن الفلسطينية.

 

سفر الفلسطينيين على هذا الطريق محفوف بالمخاطر، لأن المستوطنين يكثفون من اعتداءاتهم على المركبات الفلسطينية العابرة.

 

من نابلس إلى رام الله.. رحلة الطريق رقم 60

 

حين تخرج مركبة فلسطينية من حدود مدينة نابلس في رحلة إلى رام الله، يتفقد المسافرون أوراقهم الثبوتية، لأنهم سيدخلون فورا، وبعد مئات الأمتار، في مسارات ضيقة تتبع لحاجز عسكري يطلق عليه "حاجز حوارة".

 

في أوقات الهدوء الأمني، لا يقف الجنود على هذا الحاجز، إنما يخضع لمراقبة الكاميرات والأبراج على مدى 24 ساعة، وعند تصاعد التوترات الأمنية، ينزل الجنود إلى تلك المسارات لتفتيش كل مركبة عابرة، أو ربما إغلاق الحاجز تماما، ومنع المرور حتى إشعار آخر.

 

عند عبور الحاجز بنجاح، وبعد نحو 500 متر، تصل المركبة الفلسطينية إلى دوار يشكل مفترقا يفصل بين بلدة حوارة الفلسطينية الملتهبة دائما، وبين مستوطنة إيتمار التي يقطنها مستوطنون متطرفون.

 

غالبا ما يشهد مفترق إيتمار- حوارة هجمات من مستوطنين على منازل المواطنين، والمحلات التجارية في حوارة، مما يدفع الجيش الإسرائيلي في أحيان كثيرة إلى إغلاق البلدة وفرض حظر التجول منعا للاحتكاك.

 

بعد عبور المفترق بحذر، يلتقط الفلسطينيون أنفاسهم قليلا، في بلدة حوارة التي يشقها الطريق رقم 60، لكنه أكثر أمنا، باعتبارها بلدة فلسطينية.

 

ويفضل بعض الفلسطينيين النزول في حوارة للاستراحة وشرب القهوة أو تناول وجبة غذاء سريعة. فرغم أن المسافة المقطوعة من مدخل مدينة نابلس إلى حوارة لا تزيد عن 5 كيلومترات، فإن القلق والتوتر ثقيل إلى حد الشعور بالحاجة إلى هذه الاستراحة، فيما البعض يفضل متابعة المسير خوفا من أي طارئ قد يحصل في أية لحظة.

 

ثم يعود التوتر من جديد، فأمام المسافرين الفلسطينيين مفترق "زعترة"، وهو تجمع لشبكة مواصلات عدد من المستوطنات والمدن الإسرائيلية. كما أنه نقطة فاصلة بين سلفيت وقلقيلة غربا، وأريحا شرقا، ورام الله جنوبا، ونابلس شمالا.

 

هذا المفترق مصمم على شكل حاجز أمني مليء بالكاميرات، والجنود والمستوطنين، وكثيرا ما شهد هجمات أو استفزازات من مستوطنين. كما أنه شهد عددا من الهجمات التي نفذها فلسطينيون على مستوطنين وجنود إسرائيليين.

 

لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فبعد الانتهاء من عبور حاجز زعترة والسفر لمدة تصل إلى نحو 15 دقيقة، وفي منتصف الطريق إلى رام الله تقريبا، بالقرب من بلدة ترمسعيا الفلسطينية، يعود القلق ليتملك هؤلاء المسافرين، لأنهم سيعبرون مفترق طرق خطير، يتفرع إلى مستوطنة شيلو.

 

في تلك البقعة، تتسلط أنظار السائقين الفلسطينيين ومعهم الركاب إلى مدخل مستوطنة شيلو. فهناك تلة مرتفعة تشرف على الشارع، يقف عليها شبان من المستوطنين يترصدون السيارات ليرشقوها بالحجارة، مما يشكل خطرا على حياة من في السيارات.

 

هذا جزء يسير من حالة التوتر التي تتملك كل من يسافر على شارع 60، الذي يبدأ من بئر السبع جنوبا إلى الناصرة شمالا، مارا بمدن الضفة الغربية من الخليل جنوبا إلى جنين شمالا، وهو طريق يمكن تمييز مركبات الفلسطينيين فيه بلوحاتها البيضاء، ومركبات الإسرائيليين بلوحاتها الصفراء.

 

هذا الشارع يخضع لسلطة الجيش الإسرائيلي، ولا يكاد يخلو كيلومتر واحد فيه من برج مراقبة أو دورية عسكرية تراقب المكان، وتتدخل في حال وقوع أي اعتداء أو حدث أمني.

 

خوف دائم

 

والخوف الذي يتملك الفلسطينيين العابرين من هذا الطريق هو حالة يومية، لم تبدأ منذ السابع من أكتوبر، بل منذ سنوات طويلة.

 

وللمستوطنين اليد الطولي على الطريق رقم 60، لأنهم محميون بالجيش الإسرائيلي، كما أنهم يحملون أسلحة نارية شخصية يمكنهم استخدامها في أي وقت ضد الفلسطينيين.

 

الاعتداءات على هذا الطريق لا تتوقف عند قذف الحجارة أو استفزازات وتعطيل الحركة، بل تصل في بعض الأحيان إلى حد القتل أو حرق السيارات والمنازل، مما يجعل سكان القرى التي يمر هذا الطريق قرب مدخلها يعيشون في حالة خوف دائمة.

 

وشهدت الضفة الغربية، وهي من بين المناطق التي يسعى الفلسطينيون إلى إقامة دولتهم عليها، تصاعدا في أعمال العنف خلال الأشهر الماضية، وسط توسيع المستوطنات وتوقف عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة منذ نحو 10 سنوات.

 

ففي بلدة ترمسعيا المحاذية للطريق رقم 60، والمجاورة لمستوطنة شيلو، عادة ما يتجمع شبان فلسطينيون يتسلحون بعصي وكشافات إنارة، يقولون إنهم يتحسبون لهجمات قد يشنها مستوطنون يقطنون حول البلدة.

 

وشهدت بلدة ترمسعيا التي يعيش فيها 4 آلاف فلسطيني، هجمات في السابق من مستوطنين.

 

ويحيط بالبلدة من الجهة الشرقية تجمعان استيطانيان معروفان باسم"عادي عاد" و"حامي حاي"، ومن الشمال مستوطنة "شيلو"، إضافة الى معسكر للجيش الإسرائيلي مقام على تلة جبلة.

 

ويتحرك الشبان الفلسطينيون على شكل مجموعات، إما سيرا على الأقدام أو بواسطة آليات زراعية صغيرة، ويضعون برنامجا للسهر طوال الليل على تلة مرتفعة يمكن من خلالها مراقبة تحركات المستوطنين في الجهة المقابلة. ويمدهم أهالي القرية بالماء والمشروبات الساخنة خصوصا أثناء الليل البارد.

 

وقال، عبد الكريم الزغلول، القادم من ولاية أوهايو الأميركية في زيارة لبلدته ترمسعيا، لفرانس برس، وهو يقدم الشاي لمجموعة الحراسة: "نعم، نحن نشعر بالخوف وكذلك القرى المجاورة".

 

وأضاف: "أنا فلسطيني أميركي لكن هنا لا حقوق لي كأميركي، ولا أحد يهتم بما نتعرض له يوميا".

 

ونفذ فلسطيني من بلدة ترمسعيا يحمل الجنسية الأميركية ويدعى منتصر شلبي، هجوما في مايو 2021، على حاجز زعترة، حيث قتل مستوطنا وأصاب اثنان آخران بجروح.

 

وألقي القبض عليه بعد أسبوعين من المطاردة، وحكمت المحكمة الإسرائيلية عليه بالسجن المؤبد لمرتين، وبدفع غرامة مالية إضافة إلى تفجير منزله وسط البلدة في أغسطس من العام ذاته.

 

ويقطن في الضفة الغربية نحو 3 ملايين فلسطيني وحوالي 475 ألف إسرائيلي في مستوطنات وافقت عليها الحكومة، وتعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.

 

عنف المستوطنين المقلق

 

وتأخذ الولايات المتحدة هجمات المستوطنين في الضفة الغربية على محمل الجد، لأن ما يجري "يقوض الاستقرار"، وهو ما دفع واشنطن للبدء بتطبيق خيارات عقابية لمثيري العنف.

 

وتعمل واشنطن على فرض قيود على منح تأشيرات دخول للمستوطنين الإسرائيليين المتورطين في أعمال العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

 

وهذا التوجه تسلكه بلجيكا، التي قالت إنها ستحظر دخول المتورطين بالاعتداءات لأراضيها. وأعلنت، نائبة رئيس الوزراء البلجيكي، بيترا دي سوتر، أن بروكسل تريد منع دخول المستوطنين الإسرائيليين من الضفة الغربية المحتلة المتورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين.

 

وكتبت دي سوتر على منصة إكس: "سيُحظر دخول المستوطنين الذين يتصفون بالعنف إلى بلجيكا، وسأقترح أن تؤيد بلجيكا تطبيق الاتحاد الأوروبي حظر سفر على نطاق أوسع".

 

وفي الوقت نفسه، ندد الاتحاد الأوروبي بتزايد عنف المستوطنين منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.

 

ولا يحتاج المواطنون الإسرائيليون إلى تأشيرة لدخول منطقة شنغن (الاتحاد الأوروبي) التي تعد بلجيكا جزءا منها، ويمكنهم الإقامة هناك لمدة تصل إلى 90 يوما.

 

لكن المتحدث باسم الحكومة البلجيكية، باريند ليتس، قال إن بلاده ستطلب من المجلس الأوروبي "إضافة مستوطنين ارتكبوا أعمال عنف إلى قاعدة بيانات معلومات شنغن، لمنعهم من الدخول".

 

والأربعاء، قال رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دو كرو، إن بلجيكا "ستعمل مع الولايات المتحدة على فرض عقوبات على أفراد يضرون بالسلام في الضفة الغربية".

 

الخليل

 

في جنوب الضفة الغربية، وفي قلب مدينة الخليل تحديدا، يبدو المشهد مختلفا، لكنه يتشابه بالعنف والتوتر بين المستوطنين والسكان الفلسطينيين، حيث يقيم نحو 850 مستوطنا إسرائيليا في أحياء البلدة القديمة من المدينة.

 

والبلدة القديمة في الخليل تتبع الجزء المعروف باسم (H2)، وفق اتفاق بروتوكول الخليل الذي وقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1997، حيث قسمت بموجبه المدينة إلى قسمين، أحدهما يخضع للسلطات الإسرائيلية (H2)، والآخر (H1) يخضع للسيطرة الفلسطينية.

 

ويعيش الفلسطينيون في الخليل ظروفا استثنائية، بسبب الإجراءات الإسرائيلية الأمنية المشددة التي يخضع لها سكان البلدة القديمة، حيث تنتشر النقاط العسكرية التي تهدف لحماية المستوطنين المقيمين، وفي مستوطنة كريات أربع الملاصقة.

 

كما أن الحرم الإبراهيمي المقدس لدى المسلمين واليهود، يعد بؤرة توتر، ويشهد اعتداءات متكررة من المستوطنين المسلحين والمحميين بقوة الجيش وحرس الحدود على الفلسطينيين.

 

وعند الخروج إلى جنوب الخليل، تبدأ مشاهد العنف في التحول إلى نوع آخر، أبرزها اعتداءات المستوطنين على سكان مسافر يطا، حيث يعيش السكان الفلسطينيون في المناطق الريفية على الزراعة ورعي الأغنام، لكن المستوطنات المحيطة بالمنطقة مثل مستوطنة معون، تهدد السكان وتعرضهم لهجمات المستوطنين.

 

كما أن منطقة مسافر يطا تحاذي أراض يستخدمها الجيش الإسرائيلي للتدريب العسكري، إذ غالبا ما تصدر أوامر بإبعاد الفلسطينيين ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم لأسباب أمنية.

 

الإدانة الأمريكية والموقف الإسرائيلي

 

وتدين الولايات المتحدة أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون في الضفة الغربية، وحثت السلطات الإسرائيلية على وضع حد لها.

 

وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحفي، الخميس، في تل أبيب: "نتوقع أن تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات إضافية لوقفها. وفي الوقت نفسه، نبحث في الخطوات التي يمكننا اتخاذها بأنفسنا" في إشارة إلى إجراء حظر التأشيرات.

 

ومع تصاعد الغضب الأمريكي، ندد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الثلاثاء، بأعمال العنف التي يرتكبها مستوطنون ضد فلسطينيين في الضفة الغربية، وقال إنه في "دولة القانون يحق فقط للشرطة والجيش استخدام القوة".

 

وأضاف غالانت في مؤتمر صحفي: "هناك للأسف أعمال عنف من جانب المتطرفين يجب أن نستنكرها".

 

وأضح غالانت أنه "في دولة القانون، وإسرائيل دولة قانون، الحق في استخدام العنف يخول به فقط المصرح لهم من الحكومة بالقيام بذلك. وفي حالتنا، يكون الجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) وما شابه ذلك".

 

وقال: "لا أحد بخلاف ذلك لديه أي سلطة لاستخدام العنف".

 

وموقف غالانت جاء بعد ساعات من الإعلان الأمريكي فرض حظر على منح تأشيرات دخول لأفراد متورطين في تقويض السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI