في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل تعهداتها بمواصلة الحرب على غزة، تتزايد الضغوط الأمريكية لتحديد موعد لوقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني.
وفي إطار هذه المساعي، قالت شبكة "سي.أن.أن" إن وزير الدفاع الأميركي، لويد أسوتن، سيتوجه إلى إسرائيل الاثنين في زيارة سيضغط خلالها على الإسرائيليين لتحديد معالم مسار الحرب، وفقا للشبكة.
ومع تزايد الضغوط الأمريكية على إسرائيل لتحديد موعد لنهاية الحرب في غزة في ظل تفاقم الخسائر البشرية الناتجة عن قصفها للقطاع الفلسطيني، تثار تساؤلات حول خيارات واشنطن في حال رفض الحكومة الإسرائيلية الاستجابة لدعوات وقف إطلاق النار أو تحديد موعد زمني لذلك.
زيارة أوستن
يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية-الأمريكية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، المحاضر في جامعة جورج تاون، دينيس روس، لموقع "الحرة" إنه "من خلال التزام واشنطن "الحديدي" بأمن إسرائيل، تمتلك الولايات المتحدة مجموعة واسعة من أدوات التأثير على عملية صنع السياسات الدفاعية الإسرائيلية، كما أنها في وضع يمكنها من الضغط لوقف إطلاق النار دون تقويض الأمن القومي لإسرائيل، وهو ما يتوقع أن يبحثه أوستن مع الإسرائيليين خلال زيارته".
وأضاف أن "الخسائر البشرية الكارثية الناتجة عن حرب إسرائيل على غزة أصبحت تمثل عبئا وفاتورة على كتف الولايات المتحدة، التي أكدت مرارا وتكرار أمام العالم أنها الحليف الثابت لإسرائيل".
وبلغ عدد قتلى القصف الإسرائيلي لغزة، وفقا لوزارة الصحة في القطاع، 18800، 75 بالمئة منهم أطفال.
وأوقع الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 1140 قتيلا غالبيتهم من المدنيين كما اتّخذت حماس 240 رهينة اقتادتهم إلى غزة، بحسب السلطات الإسرائيلية.
ونقل موقع "سي.أن.أن" عن مسؤول أميركي في البنتاغون، الأحد، قوله إن أوستن "سيتلقى تحديثات محددة حول كيفية تقييم وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، والجيش الإسرائيلي للتقدم الذي أحرزوه في المرحلة الحالية من الحملة في غزة لتفكيك البنية التحتية لحماس".
وأضاف المسؤول الرفيع أن وزير الدفاع الأمريكي "سيضغط على المسؤولين الإسرائيليين بشأن المعايير التي يبحثون عنها من أجل الانتقال إلى المرحلة التالية من حملتهم في غزة".
وتعتبر زيارة أوستن الرحلة الثانية له إلى إسرائيل منذ بداية الحرب، في 7 أكتوبر، وأجرى مشاورات متعددة مع نظيره الإسرائيلي غالانت. وتحدث الاثنان 27 مرة منذ هجوم حماس، بحسب "سي.أن.أن".
وأشار المسؤول إلى أن أوستن سيعمل على "التعمق" في الجهود المبذولة لزيادة المساعدات الإنسانية في غزة وتخفيف الضرر، الذي يلحق بالمدنيين.
وفي ما يتعلق بأوراق الضغط الأمريكية، قال روس لموقع "الحرة" إن "أوستن قد يتمكن من الضغط بشكل كبير على إسرائيل إذا أراد ذلك".
وأضاف أن "الولايات المتحدة تقدم أكثر من 3.8 مليار دولار لإسرائيل سنويًا على شكل مساعدات عسكرية. وتعهدت إدارة بايدن بعدم تطبيق أي شروط على هذه المساعدة، والتي تأتي من التمويل الذي خصصه الكونغرس، لكن جميع المساعدات الخارجية تُخصص بشروط".
وأوضح الخبير الأمريكي أنه "توجد مساحة في القوانين والسياسات القائمة لمنع تقديم الأسلحة الأميركية إلى الوحدات المتورطة بشكل موثوق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو من استخدامها للتسبب في خسائر فادحة في صفوف المدنيين".
وقال: "علينا أن نلتزم بتلك القوانين والسياسات الخاصة بإسرائيل كما نفعل تجاه الشركاء الآخرين".
وأشار إلى أن "قانون الاعتمادات السنوي يطبق في كثير من الأحيان شروطًا على البلدان التي تتلقى مساعدات المنح العسكرية الأمريكية، ويمكن للمشرعين، من الناحية النظرية، إضافة شروط مماثلة للمساعدات المقدمة لإسرائيل، ويمكن أن يشمل ذلك عدم توفير أي تمويل للأسلحة الفتاكة حتى يتم سريان وقف إطلاق النار وإنشاء آليات إغاثة إنسانية كافية".
وقال إن "السيناتور بيرني ساندرز، الجمهوري عن ولاية فيرجينيا، اقترح مؤخرًا مثل هذا النهج".
وبشأن إمكانية تطبيق وتنفيذ مثل هذا الأمر، قال روس إنه "في غياب إجراء من جانب الكونغرس، يمكن للإدارة بنفسها أن تلغي الاتفاقية التي تسمح للمساعدات العسكرية الإسرائيلية بتجميع الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وهي الفائدة التي استخدمتها إسرائيل لسداد ديونها للولايات المتحدة".
وأضاف أنه "وباعتبارها المورد الرئيسي للأسلحة إلى إسرائيل، تستطيع الولايات المتحدة أيضاً تقنين تدفق الأسلحة الرئيسية إلى إسرائيل، التي تستهلك حالياً كميات هائلة من الذخائر جو-أرض وقذائف المدفعية".
وتابع: "ويمكنها لواشنطن أن تفعل ذلك عن طريق الحد من قدرة إسرائيل على الاستفادة من مخزون احتياطي الحرب الذي تحتفظ به الولايات المتحدة في إسرائيل، وربما يقتصر إطلاق هذه الأسلحة على تبرير كل حالة على حدة".
ويرى روس أنه "يمكن للولايات المتحدة أيضًا حجب الموافقات أو تأخير شحنات الأسلحة التي طلبتها إسرائيل من خلال العمليات العسكرية الأجنبية العادية وعمليات المبيعات التجارية المباشرة التي تديرها وزارة الخارجية".
وأشار إلي أنه "في عام 2021، اتخذ بايدن هذه الخطوة مع التحالف الذي تقوده السعودية والذي يقاتل في اليمن من خلال تعليق عمليات نقل الأسلحة".
عامل ضغط آخر تحدث عنه روس، قائلا إنه "يمكن للكونغرس أيضًا أن يتحرك من خلال إزالة إسرائيل من قائمة "الناتو + 5" وهي الدول المؤهلة للنظر السريع من قبل الولايات المتحدة في مبيعات الأسلحة.
وقال روس إن "أياً من هذه الطرق سيتطلب شيئاً كان متوفراً في واشنطن مؤخراً، ألا وهو الشجاعة السياسية، مشيرا إلي أنه لم يطالب سوى 45 عضوا في الكونغرس، من بينهم اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ، بوقف إطلاق النار".
الضغط الأمريكي
ومنذ بداية الحرب على غزة، قدمت الولايات المتحدة دعمًا ثابتًا لإسرائيل، لكن ثمة علامات على تباين في المواقف مع تصاعد الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، وهو ما ظهر إلى العلن، الثلاثاء، عندما حذر الرئيس الأميركي، جو بايدن، من أن إسرائيل تفقد الدعم الدولي لحملتها ضد حماس، ورفض رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، علنًا الخطط الأمريكية لغزة ما بعد الحرب، بحسب شبكة "سي أن أن".
وقال نتنياهو في بيان مسجل بالفيديو أصدره مكتبه موجه إلى لواء سلاح المدرعات الذي يقاتل في غزة "أريدكم أن تستمروا حتى آخر جندي. سنستمر حتى النهاية، حتى النصر، حتى إبادة حماس. لا ينبغي أن يكون هناك شك في ذلك".
وتأتي رحلة أوستن بعد بضعة أيام من تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، للصحفيين في تل أبيب، بأن إسرائيل تعتزم الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب تركز فيها على "طرق أكثر دقة" لاستهداف قيادة حماس.
وأكد سوليفان أن "تحقيق أهداف إسرائيل في الحرب سيستغرق شهورا، لكن القتال سيستمر على مراحل، مع التحول من الحملة الحالية التي تعتمد على القصف المكثف والعمليات البرية".
ورفض سوليفان الإجابة عندما سُئل عما إذا كانت الولايات المتحدة قد تجمد المساعدات العسكرية إذا لم تدخل الحرب مرحلة أقل حدة تقل فيها أعداد الضحايا المدنيين، قائلا إن أفضل طريقة للتوصل إلى اتفاق هي المناقشة خلف الأبواب المغلقة، حسب "رويترز".
وأكد سوليفان أنه ليس من "الصواب" أن تحتل إسرائيل غزة على المدى الطويل، مع تزايد التكهنات حول مستقبل الأراضي الفلسطينية، وفق وكالة "فرانس برس".
ولم يقدم سوليفان تفاصيل بشأن موعد التحول في وتيرة الحرب، وفق وكالة "رويترز".
وقال للصحفيين في تل أبيب "لا نعتبر أنه من المنطقي، أو من الصواب بالنسبة لإسرائيل، أن تحتل غزة، أو تعيد احتلال غزة على المدى الطويل".
وقال الأستاذ بجامعة ميريلاند والخبير في المجلس الأطلسي، سكوت لاسينسكي، لموقع "الحرة" إن "الدبلوماسية الأمريكية توفر درعاً لإسرائيل في الشرق الأوسط، ودائما ما تركزت الجهود الأميركية في المنطقة على دمج إسرائيل في العالم العربي".
وأضاف: "لكن الأزمة حاليا والتي لا تنتبه لها إسرائيل تتمثل في وجود دعوات متزايدة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك من السعودية، مفادها أنه قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يجب أن تنجح عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية. ويجب على الولايات المتحدة أن تؤيد تلك الدعوات وكذلك تقديم الدعم الدبلوماسي لدعوات الزعماء العرب ومنظمة التعاون الإسلامي لوقف إطلاق النار".
وتابع: "وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت في الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار أثار المخاوف في المنطقة بشأن تورط واشنطن في التصرفات الإسرائيلية، وهو ما دفع بايدن للحديث علانية عن ضرورة وقف الحرب وتغيير الحكومة الإسرائيلية وحل الدولتين حتى لا يتلاشى الغطاء الدبلوماسي الذي تحتاجه إسرائيل للنجاح في المساعي الإقليمية الأخرى".
وتحدث لاسينسكي عن تطبيع العلاقات مع دول الخليج باعتباره ضمن أوراق الضغط التي يمكن أن تمارسها الولايات المتحدة على إسرائيل، قائلا إن "الولايات المتحدة تجري بالفعل حواراً عسكرياً مع إسرائيل. وفي إطار ذلك، يمكن لمسؤولي الدفاع الأميركيين التأكيد على التكلفة طويلة المدى للنهج الإسرائيلي الحالي في غزة والتهديد الذي يشكله على الدفاعات الإسرائيلية، من حيث استقرار الضفة الغربية واستعداد الشركاء العرب لمواصلة العمل معها".
لكنه يرى أن نجاح هذه الورقة "سيعتمد على مدى التخطيط للعمليات الإسرائيلية وقيادتها من قبل الجيش الإسرائيلي، حيث أن هناك سببًا وجيهًا للاعتقاد بأن جزءًا من الأساس المنطقي للحرب له علاقة بالحفاظ على تماسك الائتلاف الحاكم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكثر من ارتباطه به بالاستراتيجية العسكرية أو الأمن القومي في حد ذاته".
وأشار الخبير الأمريكي إلى أنه "من خلال هذه القنوات، تتمتع الولايات المتحدة بالقدرة على تقديم مشورة موثوقة لمستويات متعددة من قوات الدفاع الإسرائيلية والتعبير، في سياق أقل علنية، عن الاستياء الكبير من تصرفات إسرائيل. ويمكن دعم هذه الزاوية بإلغاء أو تأجيل بعض الارتباطات مع واشنطن، مثل التدريبات العسكرية".
وتحدث لاسينسكي عن ورقة ضغط أخرى يمكن للولايات المتحدة أن تلوح بها إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار، وهي أنها "ستستخدم النهج الذي اتبعته في التعامل مع حرب أوكرانيا لمحاسبة روسيا على جرائم الحرب".
وقال إنه "لا تقوم الولايات المتحدة حاليًا بتسهيل عمل المحكمة الجنائية الدولية بشأن هذه القضية، لكنها أيضًا لا تعرقلها.
وقد يختار المسؤولون الإسرائيليون تغيير المسار إذا أوضحت الولايات المتحدة أنه ستكون هناك عواقب لقصفها المستمر في غزة، بما في ذلك إمكانية محاسبة صناع القرار العسكريين الإسرائيليين والقوات المسلحة على أفعالهم".
لكن لاسينسكي أوضح أن "هذا الخيار ليس مطروحا بقوة لأنه محفوف بالمخاطر، خاصة أنه بطبيعة الحال قد تجد الولايات المتحدة نفسها في أي جرائم حرب محتملة لأنها توفر الأسلحة لإسرائيل".
ويمكن أن تشمل الخطوات الدبلوماسية الأخرى التي أوضح لاسينسكي أنه يمكن للولايات المتحدة اتخاذها للضغط على إسرائيل بشكل غير مباشر من أجل وقف إطلاق النار، "إلغاء البرنامج الذي يسمح للمواطنين الإسرائيليين بدخول الولايات المتحدة دون تأشيرة".
وأوضح أن "الإدارة الأمريكية أطلقت برنامج الإعفاء من التأشيرة هذا في سبتمبر".
ويمكن لبايدن أيضًا، بحسب لاسينسكي أن "يعلن عن مراجعة للسياسة بشأن ما إذا كان يجب الحفاظ على اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان من جانب واحد".
وقال إنه "من شأن مثل هذه الخطوات أن تبعث برسالة مفادها أن استمرار إسرائيل في الحرب بالطريقة الحالية لن يكون دون عواقب على العلاقات الثنائية".