لم يترك رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان مجالًا للشك! وقال إن أي محاولة من جانب إسرائيل لاستعادة السيطرة الأمنية على المنطقة الحدودية بين قطاع غزة عن مصر، أو ما يسمى بـ"ممر فيلادلفيا"، من شأنها أن تؤدي إلى توتر خطير في العلاقات بين البلدين. وقال رشوان، وهو رئيس الهيئة التي تتبع الرئيس مباشرة، في بيان على الإنترنت قبل أيام: "إن أي خطوة إسرائيلية في هذا الاتجاه ستؤدي إلى تهديد خطير للعلاقات المصرية الإسرائيلية".
وأكد المسؤول المصري أن حدود مصر مع قطاع غزة "آمنة"، ووصف "مزاعم" إسرائيل بأنه تم تهريب بضائع وأسلحة من مصر إلى قطاع غزة بالـ"أكاذيب"، واتهم الحكومة الإسرائيلية بأنها تريد صرف الانتباه عن "إخفاقاتها المتكررة" في الحرب ضد حماس.
وفي بداية كانون الثاني/يناير 2024، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن إسرائيل أبلغت مصر بخطط للقيام بعملية عسكرية لاستعادة السيطرة على الممر. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 30 كانون الأول/ديسمبر 2024 إن الممر يجب أن يكون "بيد إسرائيل"، مشيرًا إلى أن هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان مكافحة التهريب وتجريد قطاع غزة من السلاح. وبعد نحو أسبوعين كرر الطلب، وقال في 13 كانون الثاني/يناير 2024 إن السيطرة الإسرائيلية على القطاع هي "أحد الاحتمالات لما أسميه الجدار الجنوبي".
مخاوف من تهريب الأسلحة
ممر فيلادلفيا هو شريط حدودي عازل يبلغ طوله 14 كيلومترًا ويمتد على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة. ويعود إنشاؤه - سياسيًا- إلى عام 1979. في ذلك الوقت، أبرمت إسرائيل ومصر معاهدة سلام نظمت أيضًا حدودهما المشتركة. وأدى ذلك إلى تقسيم مدينة رفح بين قطاع غزة والأراضي المصرية.
وبعد الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس الإسلاموية المسلحة، والتي تم تصنيفها كمنظمة إرهابية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تصل الكميات الكبيرة من الأسلحة التي تستخدمها حماس لشن هجمات ضد إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة أشهر، رغم العمليات الإسرائيلية المكثفة؟ ولا يمكن استبعاد أن يكون تم إدخال تلك الأسلحة إلى قطاع غزة عبر الحدود المصرية، وخاصة عبر الأنفاق، كما تفترض إسرائيل.
حرس حدود مصري خفيف التسليح
وانسحبت إسرائيل - ومعها الجيش الإسرائيلي - بالكامل من قطاع غزة في عام 2005. وفي العام نفسه، اتفقت مع مصر على ما يسمى باتفاق فيلادلفيا، على أن تسيطر مصر على الممر الحدودي بين أراضيها وقطاع غزة من خلال مجموعة مكونة من 750 من حرس الحدود.
وبموجب الاتفاق، لم يتول المصريون أي مهام عسكرية بحتة في القطاع. ولذلك فإن تسليح الحرس جاء متوافقًا مع ذلك: عدد محدود من البنادق الهجومية والرشاشات الخفيفة. بالإضافة إلى بعض أجهزة الرادار الأرضية، وأسطول صغير من سيارات الشرطة والعربات اللوجستية، وكذلك طائرات هليكوبتر خفيفة.
في حين أن المدرعات الثقيلة كانت ولاتزال محظورة، وفقًا للاتفاق. وبهذا الاتفاق، ضمنت إسرائيل أن سيناء لم تعد تشكل تهديدًا عسكريًا لأراضيها. كما دأبت مصر على تدمير أنفاق التهريب في الشريط الحدودي بعد توقيع الاتفاق.
ومع ذلك، ونظراً لكمية الأسلحة المتاحة لحماس، فإن إسرائيل ليست وحدها التي تتساءل الآن ما إذا كانت مصر استطاعت بالفعل وقف التهريب بشكل كامل.
وهناك بعض المؤشرات على أن التعاون الأمني بين الدولتين ناجح. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول، في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، إن مصر حذرت إسرائيل من أعمال عنف محتملة قبل ثلاثة أيام من هجوم حماس.
لكن نتنياهو رفض هذا الادعاء ووصفه بأنه "كاذب تمامًا". كما أن حرب غزة تسبب توترا في العلاقات بين البلدين، حيث أن هناك الكثير من التعاطف بين المصرين مع الضحايا في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه تخشى القاهرة من نزوح جماعي للفلسطينيين إلى الأراضي المصرية.
مخاوف مصرية
تقول سونيا حجازي، خبيرة الشؤون المصرية في مركز "لايبنتس" للشرق الحديث في برلين، أنه يمكن تفسير النبرة الشديدة التي يستخدمها المحيطون بحكومة القاهرة -بداية- بالمخاوف العامة. وتضيف في حديث لـDW أن "مصر ستكون قلقة إذا سيطرت قوات الأمن الإسرائيلية لوحدها على الممر"، موضحة أن هذا يثير ضمنًا الاتهام بأن مصر فشلت في وقف التهريب، ويثير القلق لدي القاهرة بأنها إذا رضخت لطلب إسرائيل، فإن ذلك سيكون بمثابة اعتراف بعدم كفاءتها، وفق الخبيرة التي تتابع: "بالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة (المصرية) ترى أن عدم وجودها في المنطقة العازلة قد يشكل تهديدًا لمصالحها الأمنية".
التعاون الأمني الإسرائيلي المصري كان موجوداً في المنطقة الحدودية من قبل - حتى لو كانت القاهرة ترغب في التقليل من شأنه.
وبحسب العديد من التقارير الصحفية العالمية، حاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على سبيل المثال، في عام 2019 منع بث مقابلة سبق أن أجراها مع قناة "سي بي إس" الإخبارية الأمريكية، ذكر فيها أن مصر وإسرائيل تعملان معًا في الحرب ضد الإسلاميين المتشددين في شبه جزيرة سيناء.
وبحسب التقارير، سُئل السيسي عما إذا كان تعاون بلاده مع إسرائيل هو الأقرب على الإطلاق بين البلدين. وكان جوابه: "هذا صحيح. لدينا نطاق واسع من التعاون مع الإسرائيليين".
بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للصحف، أشاد المسؤولون الإسرائيليون علنًا بالتعاون الأمني مع مصر في عهد السيسي. وحصلت القاهرة على إذن من إسرائيل بنشر قوات ودبابات ومروحيات هجومية في شمال سيناء لمحاربة فرع تنظيم داعش الإرهابي. ولا يحظى مثل هذا التعاون بشعبية كبيرة بين قطاعات كبيرة من الشعب المصري. لذلك، كانت التغطية الصحفية غير مريحة للسيسي في ذلك الوقت، رغم أن تصريحاته حظيت بالترحيب وقتها في إسرائيل والدول الغربية.
نقاشات حول مستقبل قطاع غزة
الخلاف الحالي يأتي أيضًا في سياق الحديث عن مستقبل قطاع غزة بشكل عام، كما تقول سونيا حجازي، وتوضح بالقول: "إن فكرة إعادة توطين الإسرائيليين في هذه المنطقة تتم مناقشتها حاليًا مرة أخرى"، مشيرة إلى أنها مدعومة بشكل صريح من قبل الجزء اليميني المتطرف في الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وبالفعل، شارك وزراء من حزب الليكود اليميني الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في مؤتمر سياسي لهذا الهدف في القدس يوم الأحد (28 كانون الثاني/يناير 2024).
ووصف نتنياهو بنفسه خطط إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب بأنها غير واقعية. لكن بحسب تقارير إعلامية، دعا وزير الأمن القومي، اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، المستوطنين الإسرائيليين إلى العودة إلى قطاع غزة والبلدات في شمال الضفة الغربية وكذلك إلى "تشجيع" هجرة الفلسطينيين منها، وقال إن هذا وحده هو الذي يمكن أن يمنع حدوث مذبحة أخرى مثل تلك التي وقعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتجري مناقشة مسألة مستقبل قطاع غزة في الدوائر الأمنية الإسرائيلية. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى لم تذكر اسمه قوله "إن إسرائيل لا تريد أن تكون مسؤولة عن قطاع غزة على المدى الطويل، لكن السؤال هو كيفية ضمان بقاء قطاع غزة منزوع السلاح"، مضيفًا أن "هذه معضلة حقيقية. فالطريقة الوحيدة للسيطرة على منطقة جغرافية ما هي السيطرة على ما يدخل إليها ويخرج منها". وتابع المسؤول أنه في "المستقبل القريب، في العقود المقبلة"، ستحتاج إسرائيل إلى السيطرة على حدودها لأسباب أمنية، على حد تعبيره.
تقول سونيا حجازي: "ربما يفسر المصريون مثل هذه المناقشات على أنها إشارة إلى رغبة إسرائيل في السيطرة على الحدود نفسها مرة أخرى"، وتتابع: "وراء هذا يكمن السؤال الأكبر: كيف سيصبح قطاع غزة"، وتضيف: "حتى الآن لا يستطيع أحد الإجابة على هذا السؤال. ولكن بالطبع هناك أسئلة أخرى تتبع ذلك، وهي على وجه التحديد: كيف سيتم تأمين الحدود؟ وماذا سيحدث لسكان قطاع غزة؟". وتقول حجازي: "بالطبع لا تريد مصر أن تلزم نفسها بهذه المسألة الآن".