مع نهاية كل عام ودخول آخر في عمر الحرب اليمنية، تتوالى الإحصاءات المخيفة كترجمة موضوعية للمآل الصعب الذي دخلته البلاد منذ ما يزيد على تسعة أعوام.
وبلغ واقع الحال الصعبة أن كشف مرصد حقوقي عن مئات الانتهاكات التي مارستها ميليشيات الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء بحق معارضيها السياسيين، وكل من يخالف نهجها الطائفي أو تشك في ولائه لها منذ إسقاطها الدولة عام 2014 بتهم "معظمها تعسفية ذات دوافع سياسية".
وأصدرت منظمة "دي يمنت" للحقوق والتنمية تقريرها السنوي لعام 2023 الذي كشفت خلاله عن الجانب الحقوقي في أمانة العاصمة صنعاء، والانتهاكات التي ارتكبت بحق المدنيين على نحو غير مسبوق في تاريخ البلاد.
وشمل التقرير الذي يرصد الانتهاكات خلال الفترة من الأول من يناير (كانون الثاني) 2023 وحتى الـ 31 من ديسمبر (كانون الأول) 2023 نحو 10 مديريات في أمانة العاصمة صنعاء وهي صنعاء القديمة والثورة والوحدة وشعوب وبني الحارث والصافية ومعين والسبعين والتحرير وآزال.
ووفقاً للبيان فقد بلغت انتهاكات الجماعة المدعومة من إيران في العاصمة اليمنية نحو 481 انتهاكاً، توزعت بين القتل العمد وإلحاق الإصابات والاعتداء على المحاميات والمواطنين، إضافة إلى تعذيب واعتقال ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال وانتهاكات للطفولة وللمرأة.
عيب أسود
وطاولت الاعتداءات النساء اللائي يحظين بمكانة اجتماعية تجرم التعدي عليهن أو إهانتهن، واعتباره في العرف اليمني "عيباً أسود" يشنع بصاحبه اجتماعياً كأعلى مراتب العيب.
وكشف الإحصاء عن نحو 16 حالة قتل منها تسع بالرصاص المباشر وسبع تحت التعذيب، بينما وصلت الإصابات والاعتداء الجسدي إلى 69 حالة، منها سبع اعتداءات على محاميات في المحاكم والنيابات.
أما حوادث الاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب في أمانة العاصمة الذي برعت فيه الجماعة التي ترى لنفسها "الحق الإلهي" في حكم اليمنيين، بلغت 65 حالة، 55 من الرجال وست نساء وأربعة أطفال، كما وصلت حالات الانتهاكات المتنوعة بحق النساء إلى 23 انتهاكاً.
وسبق وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في فبراير/ شباط 2023 جماعة الحوثي المدعومة من إيران بإنهاء قيودهم فوراً على حق النساء في حرية التنقل والتعبير والصحة والعمل في اليمن.
وذكرت المنظمة في بيان أن خبراء حقوقيين تابعين للأمم المتحدة أرسلوا كتاباً إلى الجماعة المدعومة من إيران يعرضون فيه بالتفصيل "الانتهاك المنهجي لحقوق النساء والفتيات"، بما في ذلك حقهن في حرية التنقل وحرية التعبير والصحة والعمل، إضافة إلى تفشي التمييز ضدهن.
وفي عام 2021 حكمت السلطات الحوثية على أربع نساء، منهن الممثلة وعارضة الأزياء اليمنية انتصار الحمادي، بالحبس ما بين عام وخمسة أعوام بتهمة ارتكاب فعل مخل بالآداب، وهي تهم كيدية لفقتها الجماعة ضد النساء اللاتي رفضن العمل كمخبرات لمصلحة الميليشيات، بحسب تصريحات حكومية ومنظمات حقوقية محلية ودولية.
إعدام واقتحام
كما عرف عن الجماعة انتهاج سلوك ميليشياوي في تعاطيها الأمني مع المدنيين أو خلال عمليات المداهمة والاعتقال الذي تمارسه في المناطق الواقعة تحت يدها.
وقال التقرير إنه وثق عدد 28 حالة اقتحام للممتلكات العامة، في حين وصلت حالات اقتحام الممتلكات الخاصة إلى 39 حالة.
وفي سابقة لم يعهدها تاريخ الصراع اليمني، دأبت الجماعة الحوثية على إصدار أحكام الإعدام بمجرد اعتقالها السياسيين المخالفين لها ومن تشك في ولائه من المدنيين.
وبلغت حالات الأحكام بالإعدامات السياسية ضد الناشطين والناشطات والسياسيين والعسكريين 43 حكماً، كما سجل الفريق حالات تجنيد لـ 40 طفلاً دون السن القانونية.
فصل وظيفي وهدم منازل
ومنذ سيطرتها على العاصمة في سبتمبر/ أيلول 2014 أولت الجماعة اهتماماً كبيراً بالتعبئة الطائفية التي تستهدف عقول النشء والشباب والأطفال، وسجل التقرير 45 حالة للأنشطة والفعاليات الطائفية.
أما في شأن التعسفات والفصل الوظيفي فقد رصد التقرير 42 حالة تعسف وظيفي في أمانة العاصمة خلال العام 2023، وتشير إحصاءات الرصد والتوثيق إلى 44 اعتداء وقمعاً للحريات العامة، والتضييق على المواطنين والعمل على تهجيرهم قسرياً، إذ بلغت حالات التهجير القسري خلال فترة التقرير 27 وحالة واحدة لهدم منزل.
وطالب المنظمة الحقوقية فتح تحقيق شفاف وعاجل في كل قضايا انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة كل المتورطين سياسياً وقانونياً وجنائياً، وفقاً للمواثيق والاتفاقات الدولية وقواعد القانون الإنساني الدولي.
كما طالبت المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية لحماية المدنيين وفقاً لوثائق الأمم المتحدة واتفاقات جنيف، وضرورة إعمال المساءلة القانونية وترسيخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب وملاحقة المتورطين في الانتهاكات.
تجفيف أموال أذرع طهران
وفي السياق ذاته تتواصل الإجراءات الأميركية الرامية إلى تجفيف منابع تمويل الأذرع الإيرانية في المنطقة ومنها "الحرس الثوري" وميليشيات الحوثي عقب أسبوعين من دخول تصنيفها ضمن قوائم الإرهاب حيز التنفيذ.
وأعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا أول من أمس الثلاثاء فرض عقوبات على نائب قائد فيلق القدس الإيراني محمد رضا فلاح زادة وقيادي في ميليشيات الحوثي، وآخر يعمل في غسل أموال الجماعة.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان إن العقوبات شملت أيضاً مالك ومشغل سفينة تستخدم في شحن السلع الإيرانية وبيعها لدعم الحوثيين وفيلق القدس الإيراني.
وشملت العقوبات الجديدة عضو في جماعة "أنصار الله" إبراهيم الناشري لدعمه العمليات المسلحة للجماعة، وفق البيان.
بدورها قالت وزارة الخارجية البريطانية إن العقوبات المشتركة مع واشنطن تهدف إلى "وقف أنشطة الحوثيين التي تقوض الاستقرار الإقليمي في أنحاء الشرق الأوسط".
وأضافت الخارجية البريطانية أنها فرضت عقوبات أخرى على وزير داخلية الحوثيين عبدالكريم الحوثي، "لتهديده السلام والأمن والاستقرار في اليمن من خلال دعم الهجمات ضد حركة الشحن في البحر الأحمر".
ونقل البيان عن وزير الخارجية ديفيد كاميرون القول إن "هجمات الحوثيين المدعومين من إيران غير مقبولة وغير قانونية، وتشكل تهديداً لأرواح الأبرياء وحرية الملاحة".
وأضاف كاميرون أن "النظام الإيراني يتحمل المسؤولية عن هذه الهجمات بسبب الدعم العسكري الواسع الذي يقدمه للحوثيين"، مؤكداً أن على "أولئك الذين يسعون إلى تقويض الاستقرار الإقليمي أن يعلموا أن المملكة المتحدة وحلفاءها، لن يترددوا في اتخاذ إجراءات ضدهم".
(صحيفة أندبندنت عربية)