7 يوليو 2024
9 أكتوبر 2022
يمن فريدم-خاص-عدنان الراجحي
MSF

 

زراعة الألغام، واحدة من أسوأ أساليب الحروب، والأكثر فتكا بالبشر، والحقيقة الثابتة هي أن المدنيين هم الحلقة الأضعف في ظل ظروف تجبرهم على استنشاق رائحة الموت كل يوم.

 

 مخاطر الألغام كثيرة، فهي تفقد الطرق الأمان، وتمنع الأطفال من الذهاب إلى المدارس واللعب والحركة بحرية، وتعيق المزارعين من الوصول مزارعهم. إلى جانب أنها تشكل عائقا كبيرا أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتجعل من جهود إعادة تطبيع الحياة وإعادة اعمار ما دمرته الحرب أمرا صعبا.

 

معاهدة دولية لحظر الألغام

 

جرّمت المعاهدات والاتفاقيات الدولية استخدام الألغام الفردية التي لا تفرق بين المدنيين والعسكريين لما تسببه من إصابات بليغة بين الضحايا، ومن أجل ذلك كان لزاما على العالم إيجاد إطار قانوني يحظر زراعة الألغام، ووضُعت معاهدة "أوتوا" عام 1997، ووقعت عليها 133 دولة وهي بحسب اسمها الرسمي "اتفاقية حظر استعمال أو تخزين أو إنتاج أو نقل الألغام المضادة للأشخاص" هي اتفاقية تسعى لحظر الألغام المضادة للأشخاص، والتي تستهدف الناس في جميع أنحاء العالم.

 

بلد متخم بالألغام والمتفجرات

 

ليس هذا أول تقرير يُكتب عن جريمة تفخيخ الأرض تحت أقدام المواطنين في اليمن منذ سبع سنوات، بل هو ضمن سلسلة تقارير حاولت تنقل حجم المأساة التي لحقت بالمدنيين العزل في المناطق التي شهدت مواجهات عسكرية، لكن هذا الجرح النازف مستمر بين أوساط المدنيين.

 

سببت الألغام في المناطق المأهولة بالسكان مأساة إنسانية لا يستطيع أحد وصفها سوى من تجرعوا عذابها، وهم أولئك الذين فقدوا أعضاء من أجسادهم، وحرمتهم حرية الحركة والتنقل والعيش بحياة طبيعية، وجعلت خياراتهم محدودة يلفها الألم النفسي والجسدي المتجدد كل يوم.

 

قائمة الضحايا مفتوحة

 

الاحصائيات والأرقام التي سُجلت لضحايا الألغام في اليمن تعطي صورة واضحة للعالم حجم الكارثة التي لحقت بالمواطن اليمني.

 

المرصد اليمني للألغام، جهة يمنية مستقلة، عمل منذ منتصف العام 2019 وسجل أرقاما واحصائيات حتى أغسطس من العام الجاري، تكشف هول ما لحق بالمدنيين جراء الألغام والمتفجرات التي زرعت في مخالفة للقوانين والمعاهدات الدولية التي تحظر ذلك.

 

المدير التنفيذي للمرصد، فارس الحميري، قال لـ "يمن فريدم" إن المرصد وثق منذ بدء عمله سقوط (1012) أوساط المدنيين نتيجة الألغام والعبوات الناسفة والقذائف غير المنفجرة من مخلفات الحرب في عدد من محافظات البلاد.

 

وأكد الحميري أن عدد الضحايا بلغ (426) قتيلا، منهم (101) طفلا، و(22) امرأة، وبلغ عدد المصابين (586) جريحا منهم (216) طفلا، و(48) امرأة، والعشرات من هؤلاء المصابين يعانون من إعاقات مستديمة.

 

وكان المرصد اليمني، قد أعلن مؤخرا أنه رصد خلال فترة الهدنة المنتهية 81 قتيلا مدنيا منهم 43 طفلا وخمس نساء، والنسبة الأكبر تم رصدها في محافظة الحديدة.

 

أما مشروع " مسام" التابع لمركز الملك سلمان للأعمال الاغاثية والإنسانية قال، إن المشروع نزع منذ بدء عمله في يونيو 2018 وحتى مطلع العام 2022، (311,658) لغماً وعبوة ناسفة وقذيفة غير متفجرة.

 

محافظات متخمة بالألغام

 

وسجل المرصد أن محافظة (الحديدة) الساحلية هي أكثر محافظة ملوثة بالألغام، وسقط فيها ضحايا مدنيين كُثر، وتليها محافظة (تعز)، ثم محافظات (الجوف، حجة، مأرب، شبوة، البيضاء، ولحج).

 

ومع موسم الأمطار ظهرت العشرات من الألغام والمتفجرات بين محافظتي (الجوف ومأرب)، التي شهدت معارك عنيفة، وزرعها الحوثيون بعشرات المتفجرات، وجرفتها السيول الأمطار، وأصبحت تشكل خطرا على المدنيين.

 

أنواع الألغام المزروعة

 

يتقن الحوثيون أساليب وصنع الألغام والمتفجرات وتحويلها إلى أشكال متعددة تهدف لإحداث أكبر عدد من الضحايا دون اكتراث بمن سيسقطون سواء مدنيين أو عسكريين.

 

استنادا لعمليات الرصد التي قامت بها جهات عدة أبرزها (مشروع مسام، المرصد اليمني للألغام)، فإن هناك أنواع مختلفة للألغام والمتفجرات التي زرعها الحوثيون ومنها:

 

-شبكات ألغام متصلة ببعضها البعض: وهي ذات قوة تدميرية كبيرة توقع أكبر خسائرة مادية وبشرية.

 

-ألغام أرضية: وهي مخصصة للدبابات والمدرعات وهي مميتة تحت على الدوس بالاقدام أو بالأليات العسكرية.

 

-مجسمات مموهة: وتستهدف الأشخاص وتوضع داخل أشكال وقوالب مموهة يصعب التمييز بينها وبين الاشكال الطبيعية كالاشكال التي تصنع من مواد البناء والأجحار الصغيرة والمتوسطة.

 

-ألعاب أطفال: وتوضع داخل أشكال تبدو على هيئة ألعاب مخصصة للأطفال.

 

-ألغام وسط الصخور: وتوضع داخل صخور بعضها مجوفة وتترك على جوانب الطرقات والأحياء السكنية ولا يتمكن أحد معرفتها سوى فرق المسح الميدانية المتخصصة.

 

-ألغام بحرية: وتنتشر في السواحل والمياه الإقليمية اليمنية، ولم تشكل خطرا على القوات العسكرية، فحسب بل تهدد الصيادين والسفن التجارية والسياحية.

 

غياب اليمن في حملة "الأرض الآمنة"

 

أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 2019، حملة بعنوان "أرض آمنة" مدته خمس سنوات تهدف لتحويل حقول الألغام إلى ملاعب، وتتألف من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وكيانات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، والاتحادات الرياضية، وشركات القطاع الخاص، والرياضيين الأفراد.

 

هذه الحملة حددت هدفين أساسيين وهما: إزالة مخاطر المتفجرات لجعل الأرض آمنة للناس للعودة، وإعادة بناء مجتمعاتهم دون خوف من الإصابة أو الموت، وزيادة الوعي والموارد لدعم الذين أصيبوا بإعاقة بسبب المتفجرات.

 

بدأت الحملة في 10 دول بينها دول من الشرق الأوسط، واليمن ليس له حضور فيها، وهو ما يرجعه مراقبون إلى استراتيجية الأمم المتحدة في التعامل مع الملف اليمني.

 

وفي هذا السياق وكيل وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان نبيل عبدالحفيظ قال لـ "يمن فريدم" :"زراعة الالغام من أكبر الكوارث التي يتعمد الحوثيون المبالغة باستخدامها، حيث تقدر لحد الآن في المناطق التي دخلها الحوثيون أكثر من إثنين مليون وخمسمائة ألف لغم".

 

وذكر في حديثه أنه حتى الآن تم نزع 480 ألف لغم، بمعنى أن هناك على الأقل إثنين مليون لغم مزروع على الأرض، وهو ما يشكل كارثة مستمرة، ولذلك لا يمر أسبوع إلا ولدينا تقارير بعدد من الوفيات والجرحى ممن يفقدون أطرافهم، وللأسف الشديد أغلب هؤلاء من الأطفال والنساء والشيوخ، وخصوصا في مناطق تهامة تأتي أكبر كمية زراعة الغام بالإضافة إلى الجوف ومارب.

 

وأشار المسؤول الحكومي إلى أن هناك إشكالية أخرى وهي أن الحوثيين يزرعون الألغام بدون أي خرائط، أو ما يمكن العودة من يتم خلاله الوصول إلى الالغام والكشف عنها.

 

نبيل عبدالحفيظ "التقديرات العسكرية تقول إن هناك حاجة في ظل غياب لخرائط ما بين 8 إلى 10 سنوات قادمة للتخلص من كل هذه الالغام، وهو ما يعني أن الحوثيين حريصون على إنزال أكبر عدد من الاصابات بين المواطنين".

 

زراعة الألغام.. جريمة بلا عقاب

 

ينفرد الحوثيون بزراعة الألغام في المحافظات التي شهدت معارك عنيفة، وهو ما أكدته تقارير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي المعني بملف اليمن، وأثبت تورط الحوثيين بزراعة الألغام والمتفجرات، في المناطق التي خسروها وانسحبوا منها تاركين خلفهم "حقول من الموت.

 

منظمة "هيومن رايتس ووتش" كان لها موقف من منذ بدء الحرب وقالت في أحد تقاريرها إن استخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد محظورة في اليمن وتنتهك قوانين الحرب، ودعت للتوقف عن استخدامها فورا والالتزام بـ "اتفاقية حظر الألغام" التي أنضم إليها اليمن عام 1998.

 

المرصد اليمني للألغام، جهة يمنية مستقلة، أكد أن هناك تغييب واضح لملف الألغام من قبل جميع الأطراف، رغم أهميته كملف إنساني بحت، وجدد دعوته للأمم المتحدة والمنظمات والحكومات، للضغط على الحوثيين للتوقف فورا عن زراعة المزيد من الألغام، وأن يتم إفراد مساحة خلال فترة الهدنة الجديدة لوضع حلول عاجلة لوقف سقوط مزيد من الضحايا المدنيين.

 

بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة " أونهما" عن قلقها البالغ إزاء استمرار الوفيات والإصابات بين صفوف المدنيين في الحُديدة بسبب الذخائر المتفجرة.

 

وقالت البعثة مؤخرا: " فمنذ تغيير الخطوط الأمامية في 12 نوفمبر 2021، تم الإبلاغ عن وقوع 242 ضحية مدنية في الحُديدة من بينها (101) شخص قٌضي جراء ذلك و (141) آخرين أصيبوا بسبب الألغام الأرضية والمتفجرات.

 

وذّكرت البعثة الأممية بوقوع 15 ضحية جراء الألغام الأرضية والمتفجرات، بما في ذلك وفاة طفل واحد وإصابة (12) طفلاً آخرين.

 

كل تلك التحذيرات لم توقف الحوثيين عن الاستمرار في زراعة الألغام، وسبق لقيادي حوثي الاعتراف عبر إحدى القنوات اليمنية بزراعة الألغام، رغم تهربهم من الافصاح عما يفعلوه في المحافظات التي يتواجدون فيها ويخسرونها ويتركون خلفهم قصة جديدة عنوانها "المأساة اليمنية المتجددة".

 

 تضرر مركبة مدنية في محافظة الحديدة جراء لغم أرضي زرعه الحوثيون-سبتمبر 2022

 

ألغام جرفتها سيول الأمطار مؤخرا في أغسطس 2022 وأصبحت خطرا على حياة المدنيين

 

ألغام مموهة زرعها الحوثيون في محافظة الحديدة غرب اليمن -من أخطر أنواع الألغام التي تستهدف المدنيين

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI