يواصل هيثم عبد الحميد الليل بالنهار، منذ الخامس والعشرين من شهر رمضان، مع بدء التدفق المعتاد بكثافة من قبل الزبائن على صالون الحلاقة الخاص به في مدينة صنعاء استعداداً لعيد الفطر، حيث تعتبر الحلاقة وقص شعر الرأس من أهم الاهتمامات التي يحرص عليها كثير من اليمنيين للاحتفال بمثل هذه المناسبات العيدية.
قد لا تجد فرصة لحلاقة شعر رأسك والتزيّن استعداداً للاحتفال بالعيد في حال تلكأت عن التوجه إلى أحد صالونات الحلاقة، التي يلاحظ اكتظاظها بصورة لافتة في مثل هذه الأيام بشكل تصاعدي منذ منتصف رمضان تحديداً، في جميع المدن اليمنية.
يشير عبد الحميد لـ"العربي الجديد"، إلى وصول الحركة النشطة في محل صالون الحلاقة الخاص به إلى الذروة مع اقتراب العيد.
في السياق، يوضح العامل في هذه المهنة بشير سعيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الذروة الحقيقية تكون ليلة العيد، حيث يواجه كثير من العاملين في هذا المجال صعوبة بالغة في التعامل مع التدفق الذي يواجهونه، إضافة إلى الأيام الثلاثة أو الأربعة التي تسبق العيد.
يعتبر العمل في الحلاقة وقص الشعر للرجال من المهن المنفرة في اليمن، حيث توجد قائمة واسعة من المهن والأعمال والأنشطة التي يتعامل معها المجتمع بتمييز ومصنّفة تحت إطار "العيب"، خصوصاً في المحافظات والمناطق القبلية التي تضع كثيراً من المحددات والقيود المتعلقة بالتعامل الاجتماعي.
الحلاق وجدي الحمادي يبدي استغرابه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من هذا النمط السائد في بعض المناطق اليمنية التي يعيب فيها المجتمع العمل وطلب الرزق، بينما لا يمانع في أن تكون عاطلا عن العمل وتتضور من الجوع ولا تجد قوت يومك أو ما تنفق به على أسرتك، لأن المهنة التي تجيدها يصنفها المجتمع في إطار العيب.
تقدّر تكلفة حلاقة الرأس في صنعاء بين 500 و1000 ريال في الأيام العادية، في حين تتضاعف التكلفة في مثل هذه المناسبات لتصل إلى ذروتها مع اقتراب العيد وقد تتجاوز 2500 ريال.
بينما تصل التكلفة إلى ضعف هذا المبلغ في عدن بسبب فارق سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار، إذ يصل في عدن ومناطق الحكومة المعترف بها دولياً إلى 1680 ريالا مقابل الدولار الواحد، فيما يستقر في صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين عند مستوى 525 ريالا للدولار الواحد.
من جانبه، يشرح هاني شرف، مالك صالون حلاقة في مدينة عدن، لـ"العربي الجديد"، أن النظرة السائدة في مناطق أخرى في اليمن قد لا تكون موجودة في مدن مثل عدن على سبيل المثال، أو تعز، إذ أنها في الأخير مهنة تعيش منها، وعمل يحظى برواج واهتمام كبير من قبل الناس الذين يبحثون في مثل هذه الأيام عن أشكال متعددة من الحلاقة استعداداً للاحتفال بالعيد.
يأتي الإقبال على المهن التي كانت مرفوضة مجتمعيا في ظل تراجع فرص العمل والتشغيل في اليمن، بسبب الحرب المستمرة منذ سنوات، وانفجار آفة البطالة.
وأكدت بيانات حكومية في شهر يوليو/تموز الماضي، ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى 80%، وانكماش الاقتصاد بنسبة 50%، في ظل الصراع الذي يشهده اليمن منذ 9 سنوات.
وكان "العربي الجديد" قد أحصى سابقاً عدداً من الأنشطة، يرجح وصولها إلى نحو 18 مهنة، اعتاد اليمنيون على النفور منها ووضعها في خانة الأعمال والأنشطة والمهن غير المرغوب فيها، بالرغم من أن بعضها مجدية ومدرّة للدخل.
الخبير المتخصص في أنظمة العمل، مطيع القدسي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن الظروف الحالية والمتغيرات التي نشهدها من حولنا تقتضي أن يكون هناك تجدد وتحديث للممارسات الاجتماعية، تشمل النظرة السائدة لسوق العمل الذي يشهد تطورات متلاحقة.
وبحسب القدسي فإن هناك بعض المهن والأنشطة مثل الحلاقة وغيرها بدأت باختراق هذه النظرة المجتمعية، ولو بشكل طفيف، بالنظر إلى كونها نشاطاً مزدهراً تحتاج للخدمات التي يقدمها هؤلاء المهنيون.