بحزن عميق تسرد سهام محمد (اسم مستعار) رحلتها برفقة والدها وهي تتحدى التضاريس الوعرة للوصول إلى مدينة تعز لاجراء عملية (غسيل كلى) لوالدها المنهك من مرض الفشل الكلوي، تتحدث (سهام) عن معاناتها مع كل مرة يسافران من منطقة "الحوبان" إلى وسط المدينة رغم قصر المسافة، إلا أن الطريق المؤدية إليها مغلقة بفعل الحرب ورفض الحوثيين فتحها.
تواجه (سهام) ووالدها صعوبات وعوائق تفوق قدرتهما على تحملها، لا مأوى ولا مكان لهما في المدينة خلال فترة إجراء عملية غسيل الكلى، ينام الأب على السرير بينما ابنته تسترق لحظات من النوم على كرسي الانتظار خلال فترة الليل، فليس هناك بيت يأويهما قبل موعد عملية الغسيل.
وما يضاعف مأساة (سهام ووالدها) هي الخدمات الطبية المتدهورة بفعل الحرب الحصار المفروض على مدينة، وهو ما يفاقم المعاناة في كل رحلة يخططان لها كل عشرة أيام، فالهم الكبير هو عملية غسيل الكلى واستمرار إغلاق الطريق.
وتقول (سهام في حديها لـ " يمن فريدم" "كيف نتعب لما ندخل من الحوبان لهنا علشان نعمل لأبي الغسيل حق الكلى ونمشي ساعات، كنا نمشي من قبل نص ساعة أو ساعة بالكثير لكن الآن نجلس ست ساعات لو قد وصلنا متأخر ما احصلش وين نجلس ونرقد وابي يتعب من الطريق".
أما عن التأخير بسبب طول مسافة الطريق تواجه سهام ووالدها عوائق لا تنقطع وتقول " لو وصلت متأخر مما نحصل مكان نرقد وما فيش معنا حد بتعز لو وصلنا على العصرية والمغرب ممكن نروح نستاجر فندق أو لو وصلنا متأخر ما نقدرش وارجع ارقد داخل المستشفى فوق الكراسي".
ليس(سهام) من تعاني فحسب، بل ملايين اليمنيين تقطعت بهم السبل في التنقل بين المناطق والمحافظات اليمنية بسلاسة ودون عوائق، كما هو حال (صلاح الرّحال) سائق شاحنة لنقل البضائع بين المحافظات، ولدى صلاح قصص ومواقف يوثقها بهاتفه تكشف عن المعاناة والتحديات التي يواجهها في كل رحلة تنقل.
كان لنا حديث مع (صلاح) ورفيقه (صهيب أمين) عما يواجهونه في كل رحلة سفر بشاحناتهما خاصة في المحافظات التي اٌغلقت الطرق فيها كـ (تعز، الضالع،لحج) وغيرها.
يتحدث صلاح لـ "يمن فريدم" عن الخسائر التي تعرضها لها في الطرقات البديلة وقال " طبعا إغلاق الطرقات هو أول سبب المعاناة من ناحية خراب الشاحنات فارق الوقود، فارق أجور النقل، يعني زيادة في أجور النقل، لكن من قبل ما فيش".
فيما ركّز رفيقه (صهيب أمين) على خسائر أخرى كخسارة البضائع والحوادث وخسارة الأرواح، وعرقلة المسافرين بالإضافة خسارة اطارات الشاحنات واستهلاك قطع غيار.
أشار صهيب إلى خسائر البضاعة لدى الكثير من السائقين والتي أوصلت بعضهم للسجون بسبب تلفها جراء مرورهم من الطرقات البديلة، إلى جانب تضرر السكان المجاورين للطرق الفرعية بسبب تصاعد الأتربة التي تسببها الشاحنات.
ولا يختلف الحال أيضا على المسافرين في الطرقات التي تربط بين صنعاء ومحافظتي مأرب والجوف، وهي معاناة ورحلات مريرة خاصة لأولئك القادمون من المملكة العربية السعودية التي عجزت رمال الصحراء عن دفن كل اللحظات القاسية التي يعايشونها كل يوم.
كل ذلك يلخص صورة عن حجم الضرر والمعاناة التي تلحق بالمواطن العادي والتجار وغيرهم، وهو ما جعل الأصوات تتعالى في كل محافظات اليمن للمطالبة بفتح كافة الطرقات وهو حديث منصات التواصل الاجتماعي خلال الآونة الأخيرة.
تشكل الطرقات بين محافظات اليمن ومناطقها الريفية شريان رئيس لعامة الناس ولمصالحهم، إلا أن الحرب التي اندلعت منذ 21 سبتمبر 2014 عطلت كل تلك الطرقات وحدت من تنقلات المواطنين جراء العمليات العسكرية حينها، والتي ما تزال فيها الطرق مسدودة في كل وجه مواطن دون اكتراث من المتسببين فيها.
دخلت الطرق في المعادلة السياسية خلال جولات المفاوضات بين الحكومة اليمنية المعترف بها بها دوليا، والحوثيين، وكل تلك الجولات فشلت فشلا ذريعا في إعادة الطرقات إلى سابق عهدها، بل فاقمت من معاناة المواطنين وأثقلت كاهلهم حتى يومنا هذا.
تداعيات
مع كل يوم تتفاقم معاناة اليمنيين جراء انقطاع الطرقات وأثر بشكل كبير على حياتهم اليومية واقتصادهم، حيث عرقلت حركة السلع والخدمات الأساسية مثل (الغذاء والدواء)، الأمر الذى أدى مما إلى نقص في السلع الضرورية وزيادة في الأسعار، ليس هذا فحسب بل يعيق الوصول إلى الخدمات الطبية والتعليمية، مما يزيد من معاناة السكان ويعرض صحتهم وسلامتهم للخطر المتزايد.
ويضاف إلى ذلك صعوبة نقل المساعدات الإنسانية والمواد الطبية خاصة إلى المناطق المتضررة، ويوازي ذلك تعطيل حركة التجارة والتنقل، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع معدلات البطالة، بالإضافة إلى التأثير على القطاعات الأخرى مثل التعليم والصحة والزراعة.
وعن حجم التداعيات يقول الصحفي الاقتصادي، وفيق صالح، لـ "يمن فريدم" "في الحقيقة إغلاق الطرق والمنافذ الرئيسية بين المحافظات منذ سنوات، أدى إلى تداعيات مختلفة وفاقم من معاناة السكان في شتى المجالات، لكن كانت الآثار الاقتصادية والمعيشية هي الأشد وطأة على المواطنين إغلاق الطرق والمنافذ الرئيسية يعني اتخاذ قرار بالعقاب الجماعي لسكان محافظة بكاملها كما حدث مع مدينة تعز، التي تخضع لحصار حوثي منذ أكثر من 8 أعوام".
ومن وجهة نظر اقتصادية يرى الصحفي صالح، أن إغلاق الطرقات يؤدي إلى منع دخول البضائع والسلع الأساسية، ويضيف إلى ذلك يمنع تنقلات المواطنين بشكل حر، مما يؤدي إلى شل الحركة التجارية والاقتصادية بشكل كلي".
وُيرجع وفيق صالح ارتفاع تكلفة النقل المحلي مع زيادة استهلاك الوقود للشاحنات واستغراقها عدة أيام للتنقل من مدينة إلى مدينة إلى "لجوء التجار إلى طرق بديلة وعرة لاستمرار تدفق السلع والبضائع".
الطرق المقطوعة
هناك عدد من الطرق الحيوية التي تدخل عاملها التاسع وهي مقطوعة ومُنع الناس من المرور منها منذ بدء الحرب واشتداد العمليات العسكرية فيها، وأصبح جزءا منها مزروعة بالألغام كالطرق المؤدية إلى مدينة تعز.
وأبرز هذه الطرق:
-طريق صنعاء- عدن
-طريق صنعاء -عدن الدي يمر من مناطق في تعز
-طريق صنعاء -تعز
-طريق تعز-عدن
طريق تعز-الحديدة
-طريق صنعاء-مأرب
-طريق صنعاء -الجوف- مأرب
-طريق مأرب - البيضاء-شبوة
-طريق البيضاء -أبين
عبدالله سلطان، وسيط محلي، توقع في حديثه لـ "يمن فريدم" موافقة الحوثيين على فتح الطرق التالية في تعز:
-طريق الستين الخمسين شارع 24 مدينة النور.
-طريق الستين الخمسين غراب الثلاثين مدينة النور.
-طريق الزيلعي أبعر صالة المدينة.
كما توقع الموافقة علر فتح الطرق التالية في مأرب:
-طريق البيضاء -الجوبة مأرب
-طريق صرواح- مأرب
بدورها أعلنت اللجنة الحكومية المعنية بفتح الطرقات في بيانها استعدادها للبدء الفوري باتخاذ كافة الإجراءات التي تقدم كل التسهيلات لتنقل المواطنين من جميع المحافظات إلى تعز، ومنها إلى غيرها في كافة المحافظات.
وأكدت اللجنة جاهزيتها لفتح الطريقين الرئيسين التاليين:
-الطريق الرئيس الأول: طريق حوض الأشرف/عقبة منيف الحوبان خط صنعاء.
-الطريق الثاني: طريق المطار القديم/ حذران البرح خط الحديدة.
وأعربت اللجنة عن أملها أن يتجاوب الحوثيين مع المبادرة بهدف "تحقيق آمال الشعب اليمني عامة، وأبناء محافظة تعز خاصة في إنهاء معاناتهم في التنقلات".
اجراءات مضاعفة
أجبرت الطرق المغلقة المواطنين وسائقي المركبات العامة والخاصة على ايجاد طرق بديل وعرة وخطيرة تزيد من مشقة السفر ونقل البضائع والاحتياجات الأساسية، إلا أن هذه الطرق البديلة تضاعف من المعاناة مثل ساعات السفر الطويلة، التقطعات، حواجز التفتيش والاعتقالات والاتاوات التي تفرضها القوات المسوؤلة عن تلك الحواجز.
فشل المجتمع الدولي في فتح الطرقات
يُلقي غالبية اليمنيين باللوم في عدم فتح الطرقات على المجتمع الدولي وفشله في ممارسة ضغوط حقيقة خاصة على الحوثيين المتسببين الرئيسين في استمرار إغلاق الطرقات بين المحافظات اليمنية.
سألنا في "يمن فريدم" الناشط في مجال حقوق الإنسان، رياض الدبعي، عن حقيقة الضغوط الدولية التي تُمارس على الحوثيين من أجل فتح الطرقات، وقال "لا تهتم جماعة الحوثي بمعاناة المدنيين في اليمن ولا تأخذ بعين الاعتبار اي من مشاكلهم، بل على العكس، تقوم الجماعة بشكل متعمد بزيادة الأزمات و إطالة أمد الصراع لارتباط استمرارية الجماعة بالصراع.
وأعتبر الناشط الدبعي "الضغوطات الدولية مجرد حبر على ورق غير قابلة للتطبيق في أرض الواقع لعدة أسباب من ضمنها عدم جدية المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين، وهو ما أتضح جليا بأكثر من مناسبة، وذلك عبر تقديم التنازلات تلو التنازلات للجماعة بالرغم من وضوح نوايا جماعة الحوثي التي قامت بافشال كل المبادرات والاتفاقيات ناهيك عن اختراق الهدن الأممية، والتي أصرت الأمم المتحدة على نجاحها بالرغم من ان جماعة الحوثي قامت باختراقها على مرأى و مسمع المجتمع الدولي والمبعوث الأممي".
وأشار إلى قيام الحوثيين بوضع عراقيل واشتراطات جديدة مؤخرا عندما قام عضو المجلس الرئاسي ومحافظ مأرب ،سلطان العرادة بمبادرة فتح طريق مأرب-صنعاء، وتسائل رياض في حديثه "فأين هو المجتمع الدولي من تصريحات الجماعة؟ و لماذا يتم التقاعس عن تسليط الضوء على حصار تعز المطبق من قبل الحوثيين؟".
الحكومة والحوثيين.. مواقف متباينة
في الـ 22 فبراير 2024 أعلن عضو مجلس القيادة الرئاسي، سلطان العرادة، عن فتح الطريق الرابط بين مأرب وصنعاء عبر "فرضة نهم" من جانب واحد، وجاءت هذه الخطوة بالتشاور مع القيادة السياسية والعسكرية ،تم الإعلان من خلال تأسيس حاجز تفتيش في الطريق الرابط بين (مأرب-صنعاء) عبر منطقة (فرضة نهم) بحسب ما أعلن العرادة الذي أعرب حينها عن أمله بأن يقوم الحوثيون بخطوة مماثلة لتسهيل تنقلات المواطنين".
وأكد العرادة، على أهمية فتح جميع الطرقات في كافة المدن بما فيها الطرق المؤدية إلى مدينة تعز المحاصرة منذ تسع سنوات لما تمثله اليوم من ضرورة ملحة خاصة في ظل المعاناة الكبيرة للمواطن اليمني في السفر عبر الطرق البديلة، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تأتي عقب مبادرات متكررة من جانب الحكومة وسبق الحديث عنها مع المبعوث الأممي وعدد من الوسطاء المحليين وإعلانها عبر وسائل الإعلام.
وأبدى العرادة، استعداد "القيادة السياسية والعسكرية" لفتح الطرق الأخرى (مأرب - البيضاء - صنعاء ) وطريق ( مأرب - صرواح - صنعاء ) من جانب واحد، معربا عن أمله في أن يستجيب الطرف الآخر لهذه المبادرة التي تهدف بدرجة رئيسية إلى تخفيف معاناة المواطنين وتسهيل سفرهم وتنقلاتهم.
وتعليقا على ذلك يقول الصحفي والباحث، محمد عبدالمغني "اعتقد أن المبادرة التي قدمتها الحكومة الشرعية وعضو المجلس الرئاسي سلطان العرادة لفتح الطريق الواصل بين مأرب صنعاء إيجابية وتأتي في وقت يعيش المواطنون في الداخل معاناة كبيرة في التنقل والسفر".
وأضاف في حديثه لـ " يمن فريدم" "وفي الناحية الأخرى يمكن أن يفهم رفض جماعة الحوثي المتكرر لفتح المنافذ وتسهيل حركة المرور وعدم فك الحصار على تعز سلوكا غير مبرر تنعكس سلبياته كل يوم على الحياة المدنيين ويودي لزيادة معاناتهم. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي هذا الرفض إلى عودة التوتر والقتال الداخلي لأن هذا يقود بالضرورة إلى تعطيل الجهود الدولية الرامية للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل للحرب والصراع القائم منذ سنوات في البلاد".
مبادرة العرادة لم تُقابل بفعل مماثل من قبل الحوثيين بل وضعوا اشتراطات وعراقيل كما تتهم الحكومة، حيث دعا الحوثيون الحكومة اليمنية، لتوقيع ميثاق يمنع احتجاز العابرين في النقاط العسكرية، تمهيدا لفتح طريق صنعاء-مأرب المغلق منذ نحو 9 سنوات.
وكان الرد من القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي الذي قال "نريد التأكد من فتح الخطوط بخطوتين، الأولى إخراج من في السجون ممن تم القبض عليهم سابقا من النقاط الأمنية والعسكرية وهم مسافرون أو عائدون إلى اليمن، والثانية توقيع ميثاق بأن لا يتم القبض على أحد عابر من النقاط".
وطالب الحوثي بعدم القبض على أي مواطن من أبناء مأرب يذهب إلى مدينة مأرب الواقعة تحت سلطة الحكومة.
هذه الاشتراطات الحوثية لم تخدم أية جهود تُبذل من أجل التمهيد لفتح الطرقات في ظل الجهود الإقليمية الدولية الداعية إلى ضرورة فتح كافة الطرقات لدواع إنسانية للتخفيف من معاناة المواطنين.
ومع هذه المواقف المتبانية تعالت الأصوات المدنية في كافة مناطق اليمن وخارجها التي دعت الطرفين لتقديم مزيد من التنازلات لمصلحة المواطنين لتي يتجرعون مرارة السفير وويل التحديات التي يواجهونها في الطرقات البديلة.
فقد انتشر مؤخرا عبر منصات التواصل الاجتماعي وشم حمل اسم #افتحوا_الطرقات، وهو تأكيدا على ضرورة أن يعمل الجميع بجدية لانهاء هذه المعاناة التي طالت وألقت بظلالها على المواطنين.
رهانات لكسب مواقف
يرى مهتمون ومتابعون لقضية استمرار إغلاق الطرق، أن ثمة رهانات لتحقيق مكاسب سياسية وغير سياسية على حساب معاناة المواطنين، وهنا يجد الحوثيون أنفسهم أمام مسألة أخلاقية في مواجهة كل تلك الاتهامات واللوم لعدم الجدية في التعاطي مع هذا الملف الشائك.
وهو ما أشار إليه الصحفي عبدالمغني بالقول "هناك من يجد ايضا ان الحصار وإغلاق المنافذ اصبح بمثابة وسيلة فعالة لجماعة الحوثي لممارسة الضغط على السكان وتحقيق أهداف سياسية باستخدام الملف الإنساني".
وأكد عبدالمغني، "أن هذا التصرف مازال يعيق بشكل مستمر تنقل السكان، وأيضا يعيق أكثر عمليات توزيع المساعدات الإنسانية ويجعل من الصعب على المواطنين الحصول على السلع الضرورية والخدمات الأساسية وهو امر يزيد من معاناتهم ويفاقم الأوضاع الإنسانية في البلاد".
ولم يغفل الصحفي والباحث عبدالمغني دور المجتمع الدولي في هذا الملف المعقد وذكر في معرض حديثه "اعتقد أنه أصبح من المهم جدا أن يعمل المجتمع الدولي بشكل فعّال على زيادة الضغط على كافة الأطراف لفتح المنافذ وتسهيل حركة المرور، وذلك من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين الذين أنهكتهم الحرب منذ سنوات طويلة في اليمن".